
وسط لهيب الحرب ودوي المدافع، تبدو الخيارات محدودة جدًا بالنسبة لـ«حسين عبد الجواد كرسوع». جدران منزله المتصدعة في حي الزيتون بمدينة غزة، تظلل والده العجوز (75 عامًا) وبناته «الشابات اللواتي لم يعد أمامهن سوى الاحتماء بالبيت المهدد في أي لحظة»، وفق حديثه لـ«الأسبوع»، عن التداعيات المرتقبة لقرار المجلس الوزاري- الأمني المصغر في إسرائيل (الكابينيت) باجتياح المدينة.
تكثر الهواجس التي تفرض نفسها على تفكير «كرسوع» وحوالي مليون و500 ألف فلسطيني يعيشون في مدينة غزة، أحد أهم مناطق القطاع، بعدما صادق الكنيست (البرلمان الإسرائيلي) على خطة الاجتياح العسكري المرتقبة، وهنا (كما يقول كرسوع): «يصبح الخيار قاسيًا: البقاء تحت القصف، أو الارتحال إلى المجهول حيث الجوع والتشرد والاكتظاظ الخانق».
بعزيمة لا تخلو من تسليم بالقضاء والقدر، يقول «كرسوع»: الاحتماء بجدران المنزل، رغم الخطر المحدق، يظل أهون من مواجهة مصير النزوح المرير. «كيف أترك والدي المسن وبناتي لمصير لا يليق بكرامة إنسان؟ كيف أتجه إلى منطقة المواصي التي غصّت بالنازحين حتى لم يعد فيها موطئ قدم ولا خيمة إضافية؟ المشهد هناك لا يمكن تصوره: طوابير من الجوعى، عائلات تتكدس فوق بعضها، ووجوه متعبة لم يعد فيها مكان للأمل».
أكد «كرسوع»، الذي يعمل صحفيًا، أن «الظروف المعيشية والأمنية في المنطقة بلغت مستويات غير مسبوقة من الخطورة، في ظل القصف الإسرائيلي المتواصل ليلًا ونهارًا، والذي لم يترك ساعة واحدة من الهدوء منذ أسابيع. نعم، لدي خبرة تتجاوز الـ20 عامًا في العمل الإعلامي، لكن ممارسات الاحتلال أكبر من أن يتم التعايش معها».
وأشار «كرسوع» إلى أن منزله (الواقع بعسقولة، المصنفة ضمن المناطق «الحمراء» الأكثر تضررًا بحي الزيتون)، شاهد على القصف المتكرر الذي طال منازل مجاورة وألحق أضرارًا إضافية بمسكنه خلال جولات قتال سابقة. ورغم تلقيه رسائل نصية واتصالات مسجلة من جيش الاحتلال الإسرائيلي تطالبه بالإخلاء والتوجه إلى منطقة المواصي، فإنه يصر على البقاء في منزله، رافضًا «المرمطة» التي عاشتها عائلته لأكثر من عام ونصف العام متنقلة من مكان إلى آخر.
وفيما يؤكد «كرسوع» أنه «لم يعد هناك أي مأوى بديل، وأن الخروج يعني التشرد في الشوارع في ظل الاكتظاظ الكثيف في مناطق النزوح، خصوصًا غرب ووسط خان يونس»، فقد أوضح أن «طول فترة الحرب وتفاقم الأزمة الإنسانية أنهكا الجميع، في ظل مجاعة متصاعدة ونيران مدفعية وأحزمة نارية لا تبعد أكثر من 600 متر عن منزله، بينما تقترب القوات الإسرائيلية من مشارف الحي. ورغم ذلك، يظل متمسكًا بأمل ضعيف في حدوث معجزة تحول دون توغل الجيش البري إلى المنطقة».