
أصبحت كلمة «روبلوكس» تتردد على ألسنة الأطفال والمراهقين كثيرا فى الأعوام الأخيرة، وباتت واحدة من أكثر الألعاب تداولا بينهم، وعند محاولة التعرف على ماهية اللعبة فى البداية، يظن كثيرون أنها مجرد لعبة إلكترونية عابرة، على غرار ألعاب أخرى سبقتها واحتلت مساحة واسعة من اهتمام المراهقين، ولكن «روبلوكس» تختلف بشكل كبير. اللعبة تمثل عالما متكاملا يمكن للمستخدمين الانغماس فيه بشكل شامل، ولم يعد الحديث عنها مقتصرا على اللاعبين أنفسهم، بل أصبح موضوعا مثيرا لقلق أولياء الأمور بعد أن رُصدت حالات إدمان لدى بعض الأطفال تظهر على شكل عدم قدرتهم على ترك اللعبة والالتفات لأى نشاط بديل، إلى جانب صدور قرارات حظر من عدد من الدول، ما دفع الأسر لإعادة تقييم السماح لأبنائهم باستخدام اللعبة ومراجعة موقفهم منها بجدية.
وفى تطور جديد حول خطورة اللعبة وما أثير حولها تواجه المنصة اتهامات بعدم تطبيق السلامة لحماية القاصرين، حيث تقدمت بيكا دالاس، والدة الطفل الأمريكى الراحل إيثان دالاس، ١٥ عامًا، بدعوى قضائية ضد شركتى «Roblox» و«Discord»، متهمةً المنصتين بالتسبب فى وفاة ابنها الذى أقدم على الانتحار بعد تعرضه للاستغلال عبر الإنترنت.
ووفقًا لما نشرته شبكة «NBC San Diego»، أشارت أوراق الدعوى التى تم رفعها فى ١٢ سبتمبر الجارى، إلى أن إيثان تعرّض لعملية استدراج واستغلال جنسى عبر لعبة «Roblox» من قِبل مستخدم يُدعى «نات»، والذى تبيّن لاحقًا أنه رجل يُدعى تيموثى أوكونور، ٣٧ عامًا، سبق أن اعتُقل على خلفية تهم تتعلق بحيازة مواد إباحية للأطفال ونقل محتوى ضار إلى قُصّر.
وطالبت أسرة الضحية بتعويضات مالية وإجراءات قانونية صارمة، متهمةً الشركتين بعدم اتخاذ التدابير الكافية لحماية المستخدمين القُصَّر من الأخطار الرقمية، رغم علمهما المسبق بوجود حالات مشابهة من الاستغلال عبر منصاتهما.
الباجث دومينيكو مورالى، من جامعة جوجليلمو ماركونى بإيطاليا، وأليسا روزا، من المعهد الوطنى للتوثيق والابتكار والبحث التربوى بإيطاليا، أوضحا فى دراسه بعنوان: «روبلوكس وانتشار اللعب.. ماذا يمكن أن تعلّمنا مجتمعات صناعة الألعاب حول ممارسات المشاركة فى مساحات الانتماء»، أن «روبلوكس» ليست مجرد لعبة ترفيهية تقليدية، بل فضاء تشاركى واسع يتيح للاعبين التحول إلى مطوّرين ومصممين، من خلال منح المنصة لمستخدميها أدوات برمجية بسيطة تعتمد على لغة برمجية تسمى «لوا»، تمكنهم من بناء عوالم افتراضية وتجارب تفاعلية قابلة للمشاركة مع آخرين.
وتؤكد الدراسة أن المنصة تجسد تطبيقًا عمليًا لمفهوم «المساحات الوجدانية»، حيث يتعاون الأفراد داخل هذه المساحات الرقمية على تبادل المعرفة وصقل المهارات فى بيئة قائمة على الاهتمام المشترك.
ووفقًا للتقارير الرسمية الصادرة عن شركة «روبلوكس» فى نتائجها المالية لعام ٢٠٢٤، بلغ متوسط عدد المستخدمين النشطين يوميًا نحو ٨٥.٣ مليون مستخدم بنهاية العام، فى حين سجّلت تقارير بحثية مثل موقع «باك لينكو» أن عدد المستخدمين النشطين شهريًا، وصل إلى ما يقارب ٣٨٠ مليون مستخدم حول العالم خلال الفترة نفسها.
وأشارت البيانات التاريخية الصادرة عن تقرير «Year on Roblox: ٢٠٢١ in Data»، إلى أن المنصة شهدت نموا ملحوظا خلال الأعوام الأخيرة، إذ ارتفع عدد المستخدمين النشطين يوميًا من نحو ٣٢.٦ مليون مستخدم فى عام ٢٠٢٠ إلى حوالى ٥٠ مليون مستخدم يوميًا بنهاية ٢٠٢١، وهو ما يعكس وتيرة التوسع السريع للمنصة فى أكثر من ١٨٠ دولة.
ولفتت الدراسة إلى أن طبيعة المنصة تسمح بدمج التعلم غير الرسمى باللعب، حيث يكتسب المستخدمون مهارات تقنية مثل البرمجة والتصميم الرقمى، إلى جانب مهارات اجتماعية تشمل العمل الجماعى، إدارة المشروعات، والتواصل مع جمهور متنوع. ويرى الباحثان أن هذه التجربة التشاركية تسهم فى تعزيز مفهوم «التعلم مدى الحياة»، إذ لم يعد التعليم محصورًا فى الصفوف الدراسية، بل يمتد عبر منصات رقمية إبداعية مثل «روبلوكس».
ورغم هذه الجوانب الإيجابية، أشار «مورالى» و«روزا»، إلى تحديات حقيقية تواجه المنصة، خصوصًا ما يتعلق بضرورة وضع آليات تنظيمية لحماية صغار السن من المخاطر المرتبطة بالفضاءات الرقمية المفتوحة، ومع ذلك، تُبرز دراستهما «روبلوكس» كنموذج فريد يُظهر كيف يمكن لمجتمعات الألعاب أن تتحول إلى مختبرات للتعلم، والإبداع، وبناء الهويات الرقمية فى عصر الميتافيرس.
وفى سياق متصل، نشرت الدورية الطبية الدولية للأبحاث على الإنترنت التى تعتبر إحدى أبرز المجلات العالمية فى مجال الصحة الرقمية، دراسة بعنوان: «تقييم فاعلية لعبة فيديو على منصة روبلوكس تجربة عشوائية محكومة»، وأن هذه اللعبة التعليمية ساعدت فى تحسين بعض مؤشرات الرضا عن صورة الجسد لدى المشاركين مقارنة بمجموعات لم تمارس اللعبة، وذلك عبر تجربة شملت أطفالًا ومراهقين أمريكيين.
وأظهرت النتائج أن التدخلات المعتمدة على الألعاب التفاعلية قد تكون وسيلة فعالة وجاذبة لدعم الصحة النفسية، خصوصًا فى تقليل القلق المرتبط بالمظهر وتعزيز تقبّل الجسد. وأوصى الباحثون بمواصلة الدراسات للتأكد من مدى استمرارية هذه التأثيرات، وكيفية دمجها ضمن برامج مدرسية أو مجتمعية موجهة لهذه الفئات العمرية.
وتطرقت دورية علوم التعليم (Education Sciences) فى المجلد الثالث عشر لعام ٢٠٢٣، عبر دراسة بعنوان: «المتعلمون فى الميتافيرس: مراجعة منهجية لاستخدام روبلوكس فى التعلم»، إلى استكشاف كيفية توظيف «روبلوكس» فى دعم العملية التعليمية داخل البيئات الافتراضية. واعتمد الباحثون على مراجعة منهجية شملت ٤٠ دراسة سابقة من قواعد بيانات عالمية مرموقة لتحليل استخدام المنصة فى التعليم وما تحمله من فوائد وتحديات وفجوات بحثية قائمة.








وأظهرت النتائج أن «روبلوكس» تُستخدم فى التعليم بطرق متنوعة، من بينها خلق بيئات تعلم افتراضية تعاونية، ودعم تدريس مواد العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات (STEM)، وتنمية التفكير النقدى وحل المشكلات والإبداع. كما لفتت الدراسات إلى أن المنصة ترفع من مستويات التفاعل الاجتماعى والدافعية لدى المتعلمين، وتسهم فى تطوير المهارات المعرفية وغير المعرفية على حد سواء.
وشددت الدراسة على جملة من التحديات، أبرزها انتشار التنمر الإلكترونى، ومخاطر الأمان الرقمى، وضعف حماية البيانات الشخصية. كما رصدت غياب التصميم التربوى المناسب فى بعض الاستخدامات التعليمية، مؤكدةً أهمية إشراف المعلمين وأولياء الأمور لتوجيه الطلاب نحو الاستخدام الهادف.
وأشارت إلى فجوات بحثية مهمة، منها قلة الدراسات طويلة الأمد لقياس التأثيرات المستدامة لاستخدام «روبلوكس»، وضعف الاهتمام بالاختلافات الفردية بين المتعلمين مثل العمر والجنس والخلفية الاجتماعية.
وأوصى الباحثون بإجراء دراسات تجريبية واسعة النطاق، وتطوير استراتيجيات تربوية متكاملة، وتعزيز التوعية بممارسات الأمان الرقمى، إلى جانب الاهتمام بالآثار النفسية والاجتماعية لهذه البيئات الافتراضية، وخلصوا إلى أن «روبلوكس» تحمل إمكانات كبيرة لجعل التعلم أكثر جاذبية، لكن الاستفادة منها تتطلب إطارًا تربويًا منظمًا يضمن سلامة الطلاب.
وواجهت «روبلوكس»، خلال الأعوام الأخيرة، قرارات حظر أو تقييد فى عدة دول بداعى حماية الأطفال من المحتوى غير الملائم، ففى تركيا، حُجبت المنصة فى أغسطس ٢٠٢٤ بعد تحذيرات من وزارة العدل بشأن استغلال الأطفال، وفق ما نقلته وكالة «رويترز».
وفى قطر، صدر قرار فى أغسطس ٢٠٢٥ بحظر اللعبة بالكامل لدواعٍ ثقافية وأمنية مرتبطة بسلامة النشء، أما الكويت فقد اتخذت قرارًا بالمنع المؤقت للمنصة عقب شكاوى مجتمعية من تأثيراتها، بينما فرضت كل من عُمان والأردن قيودًا مشابهة منذ عام ٢٠٢٠، وفى المقابل، لم تُقدم الإمارات والسعودية على الحظر الكلى، بل اكتفيتا بتقييد بعض الخصائص مثل المحادثات الصوتية والنصية، مع حجب فئات معينة من الألعاب حفاظًا على النشء وضمان توافق المحتوى مع القوانين المحلية.
وفى حديثهم إلى «المصرى اليوم»، نقل أولياء أمور تجارب متباينة مع «روبلوكس» حيث ترى فاطمة عادل أن اللعبة ليست دومًا مرتبطة بالعنف أو السلوكيات السلبية، موضحة: «كنت ألعبها مع ابنى قديمًا، ووجدنا فيها ألعابًا مفيدة ومسلية، كما ساعدته على التعرف إلى أشخاص جدد والتفاعل معهم، ما جعله أكثر اجتماعية على عكس طبيعته».
لكن ماهى المليجى اعتبرت أن اللعبة تصل أحيانًا إلى حد الإدمان: «الوضع صعب جدًا، حتى فى الأوقات التى لا يلعبون فيها، يظلون يتحدثون عنها وينتظرون تحديثاتها».
أما روان إيهاب، فأكدت أن أشقاءها يمضون ساعات طويلة أمام اللعبة دون وعى بالوقت: «كنا نطلب منهم التوقف مرارًا، لكنهم لا يشعرون بطول المدة التى قضوها». فيما لفتت أمنية على إلى تأثيرها على النشاط البدنى للأطفال: «الأبناء فى عائلتنا يلعبونها طوال الوقت، ورغم تفوقهم الدراسى، إلا أن نشاطهم الجسدى تأثر كثيرًا، وهذا انعكاس عام لإدمان الهواتف».
وأوضح كامل صلاح، إخصائى التكامل الحسى وباحث دكتوراه فى العلوم التربوية والنفسية، لـ«المصرى اليوم»، أن تأثير ألعاب مثل «روبلوكس» يمتد عبر عدة مستويات، فعلى الصعيدين السلوكى والنفسى، يقضى الطفل ساعات طويلة أمام الشاشة على حساب أنشطته الطبيعية، ما يؤدى إلى تراجع تحصيله الدراسى مقارنة بأقرانه، كما قد تدفع المنافسة داخل اللعبة بعض الأطفال إلى التوتر أو العصبية، وهو ما يظهر أحيانًا فى شكل سلوكيات عنيفة تجاه الإخوة إذا مُنعوا من اللعب.
وأضاف أن التأثير يمتد إلى الجانب الاجتماعى أيضًا، حيث تعزز اللعبة عزلة الطفل عن أسرته، فيميل للتفاعل مع شخصيات افتراضية بدلًا من التواصل مع المحيط الواقعى، وهو ما يضعف مهاراته الاجتماعية. وأشار إلى أبعاد أخلاقية غير مرغوبة، مثل التقاط الأطفال ألفاظًا غير لائقة يرددونها فى المدرسة أو الحضانة.
ولفت إلى أن الدراسات العلمية أثبتت أن قضاء الأطفال أكثر من ساعتين يوميًا أمام الشاشات يؤثر سلبًا فى نمو المخ، لا سيما «المادة البيضاء» المسؤولة عن اللغة والتركيز وربط الحواس، وهو ما قد يؤدى إلى تأخر فى الكلام، وتشتت الانتباه، وصعوبات فى تكوين الجمل.
وأكد أن الاستخدام المفرط للشاشات لا يؤدى إلى الإصابة بالتوحد، لكنه يسبب ما يُعرف بـ«اضطراب الشاشات»، حيث يصبح الطفل غير قادر على استقبال المعلومات إلا عبر الأجهزة الإلكترونية، ما يستدعى تدخل جلسات تنمية مهارات وتخاطب لمعالجة هذه الآثار.