«عاشق المسرح والتاريخ».. 8 أعوام على رحيل محفوظ عبد الرحمن «حلواني الدراما»

«عاشق المسرح والتاريخ».. 8 أعوام على رحيل محفوظ عبد الرحمن «حلواني الدراما»

رغم رحيله منذ ثمانية أعوام فى التاسع عشر من أغسطس 2017، إلا أن أعماله الدرامية أولا والمسرحية ثانيا محفورة فى ذاكرة مشاهدى الدراما والمسرح، هذا هو محفوظ عبد الرحمن – حلوانى الدراما – فهو أحد أعمدة الدراما العربية فى العقود الأخيرة، وهو الذى صاغ التاريخ والحضارة والثقافة المصرية من خلال أعمال فنية وضعت تاريخ مصر فى صورة صحيحة وموثقة ومبسطة، ولذا أحب الجميع أعماله. ولعل عمله الكبير حول تاريخ أسرة محمد على، وخاصة شخصية الخديو إسماعيل خير دليل، حيث كان المصريون والعرب بكل فئاتهم يلتفون حول التلفاز لمتابعة هذا العمل الدرامى، والذى ألقى الضوء على فترة مهمة من تاريخ مصر بكل بساطة وسلاسة، قدم لنا هذه الشخصية التاريخية بمنجزاتها التاريخية والوطنية، فقد جعلنا محفوظ عبد الرحمن نعيد قراءة تاريخنا وتراثنا العربى بشكل صحيح بعيدا، التزييف والتشوية، نجح وباقتدار فى التقاط سطورها من كتب التاريخ، وعاد الروح إلى شخوصها وأحداثها وكأنها بعثت من جديد. لذا حظى محفوظ عبد الرحمن باحترام وتقدير مشاهدى أعماله مع الأدباء والنقاد والمثقفين. ومن أبرز أعماله الدرامية التى لم تغادر ذاكرتنا حتى الآن وتعلق بها المصريون والعرب مسلسلات (سليمان الحلبى) و(ليلة سقوط غرناطة) و(بوابة الحلوانى) و(أم كلثوم) و(ناصر 56)، و(حليم)، وغيرها. ترك إبداعا باقيا للأجيال القادمة كى يتعلموا منه دروس الوطنية وكيف يكون الانتماء للأوطان.

محفوظ عبدالرحمن – صورة أرشيفية

تميز محفوظ عبد الرحمن بتوثيق وإعادة قراءة التاريخ والتراث العربى بقلم أمين ومحايد.. كما قال محفوظ عبد الرحمن للدكتورة سميرة أبو طالب – كما جاء فى كتاب «محفوظ عبدالرحمن.. مقاطع من سيرة ذاتية» – بعد أزمة «فيلم القادسية»، الذى تعرض لهجوم شديد، رغم أنه الأعلى كلفة فى تاريخ السينما العربية وقتها من حيث الإنتاج الضخم، ولم يعرض إلا لثلاثة أيام، وتم رفعه بعدها بقرار من الأزهر عام 1987، تعرض محفوظ لما تعرض غيره من عنت الرقابة والتضييق على إبداعه والمنع أيضا، ولكن كان ذلك يزيده صلابة وقدرة على التحدى، فهو قال عن نفسه: «أنا دائما أحافظ على استقلالى عن النظام وعن كل تجمع لا أرى نفسى فيه، وأتعامل مع النظام كما أنا، لا كما يريد النظام، وأنا لم أمتدح أحدا فى السلطة ما دام على قيد الحياة، والتليفزيون فتح أبوابه لى ليس حبا فى شخصى، بل لأننى كاتب جيد وأعمالى جيدة، ورغم ذلك فقد منعت أعمالى من 1971 حتى 1982، لأننى لست على هوى النظام، وكثيرا ما قدمت أعمالا فى تليفزيونات عربية، لأنها مرفوضة فى مصر.

غلاف الكتاب

ربما لم يحظ عمل درامى تليفزيونى باهتمام المشاهد العربى واهتمام أنظمة الحكم أيضا، مثلما حظى مسلسل «ليلة سقوط غرناطة» على الرغم مما عانته ظروفه الإنتاجية من صعوبة بالغة، فقد جاء توقيت كتابته وعرضه فى نهاية سبعينيات القرن الماضى، بما شهدته من توقيع اتفاقية السلام بين مصر وإسرائيل وما أعقبها من تداعيات فى العلاقات المصرية – العربية، جاء المسلسل كصيحة عالية ردا على ما اعتبره صناعة «ضياع الحلم القومى العربى وانهياره» وإرهاصات التراجع والنكبات التى توالت على أجزاء من العالم العربى خلال تلك الفترة، منع المسلسل من العرض فى مصر وقتها وتجنبت شراءه وعرضه دول عربية أخرى، ولم يبق سوى دول قليلة التى وافقت على قبوله. والجدير بالذكر قد طرح محفوظ عبد الرحمن «ليلة سقوط غرناطة» فى كتاب.. اختار محفوظ بذكاء شديد وحساسية عالية لحظة تاريخية شديدة الخطورة وبالغة الدلالة ليجسد من خلالها أزمة الإنسان العربى عبر العصور، ولم يكن تخير لحظة سقوط غرناطة فى أيدى الملكين الإسبانيين فرديناند وإيزابيلا، إلا مجازا وقناعا لمآلات الحاضر والأحلام التى انهارت وسقطت بفعل الخيانات المتركمة والتنازلات المتتابعة وغياب الرؤية والقدرة على قراءة الواقع والمستقبل معاً.

غلاف الكتاب

فى مقدمة أعماله، رائعته الجميلة مسلسل «بوابة الحلوانى» الذى تناول فترة حكم الخديو إسماعيل وقصة حفر قناة السويس، الذى أخرجه إبراهيم الصحن ولعب بطولته عبد الله غيث وصلاح قابيل وخالد النبوى وسميرة عبد العزيز وسناء يونس وغيرهم، ستجد رؤية قدمها محفوظ حينما عالج فى 4 أجزاء مرحلة حكم إسماعيل وحفر قناة السويس والأسر التى انتقلت إلى القناة لتعيش هناك والتأثيرات الاجتماعية الاقتصادية وكذلك السياسية التى ترتبت على انتقال تلك الأسر لمكان جديد تعيش فيه وتزرق منه. وهناك فيلم «ناصر 56»ـ الذى أخرجه محمد فاضل ولعب بطولته أحمد زكى، تناول العمل إقدام جمال عبد الناصر واتخاذه قرار تأميم قناة السويس، قام الكاتب والمخرج بعمل رائع جعلنا نعيش الحدث وتتبع لكل التفاصيل.

«محفوظ عبد الرحمن» استحق عن جدارة لقب «رائد الدراما التاريخية» من خلال ما قدمه من أعمال ستظل علامات مضيئة فى الدراما، وخاصة التاريخية التى برع فى كتابتها وأضفى على سطورها وصفحاتها الجافة كل عناصر الجذب والتشويق.. من المعروف أنه لم يكتب سيرته بنفسه.. إنما اطلع على كتاب «محفوظ عبدالرحمن.. مقاطع من سيرة ذاتية» للدكتورة سميرة أبو طالب، التى قدمت عنه أيضا: «عاشق المسرح والتاريخ»، «الخطاب السردى فى الدراما التلفزيونية»، والتى ناقشت من خلالهم إسهاماته المتفردة فى النص التاريخى، وحضوره الإبداعى المتفرد عبر مسيرة تجاوزت نصف قرن. وتذهب أيضا إلى أن القضايا التى عالجتها نصوص محفوظ التى تتعلق كلها بوجود الإنسان وبمصيره، ولا تنفصل على اللحظة الآتية رغم اتخاذها لشكل تراثى، فهو بالرغم من عودته المتكررة إلى التاريخ وإلى التراث، إلا أنه يجد فى الفترات التاريخية المشكلة لأحداث نصوصه لحظات نابضة تاريخيا يقدم من خلالها مضمونه الأسمى، وهو السعى نحو العدل والحرية.

وُلد محفوظ عبد الرحمن فى 11 يونيو 1941م فى مركز كوم حمادة بمحافظة البحيرة، وتخرج فى جامعة القاهرة قسم التاريخ عام 1960م، وبدأ الكتابة قبل تخرجه بأعوام، عمل محفوظ عبد الرحمن فى الصحافة لعدة سنوات وعمل بعد تخرجه فى دار الهلال واستقال منها عام 1963م ليعمل فى وزارة الثقافة. عمل منذ عام 1963 فى وزارة الثقافة.. فى البداية فى دار الوثائق التاريخية، ثم شارك كسكرتير تحرير فى إصدار ثلاث مجلات متوالية: مجلة السينما – مجلة المسرح والسينما- مجلة الفنون. كما شارك فى العديد من لجان التحكيم فى المسابقات الأدبية والفنية والمهرجانات السينمائية. تفرغ للكتابة والتأليف عام 1982م بعد استقالته من وزارة الثقافة، وعمل فى تليفزيون الكويت، وقدم العديد من الأعمال القيمة من 1974 حتى 1978م، وعاد واستقر بمصر، كتب القصة القصيرة والنقد الأدبى وفى العديد من الدوريات الصحفية منها «الآداب – الثقافة الوطنية – الرسالة الجديدة- الجمهورية- الأهالى- الأهرام – البيان الإماراتية- الهلال- كاريكاتير- العربى». بدأ مسيرته بالسهرة التليفزيونية «ليس غدا» عام 1965، ثم أعقبها بمسلسل «العودة إلى المنفى» وتواصلت أعماله التى نال عليها العديد من التكريمات فى مصر وخارجها.. كمؤلف وسيناريست متميز يترك فى كل عمل بصمته ككاتب. بينما بدأ مسيرته الأدبية 1967 بإصدر مجموعته القصصية الأولى باسم «البحث عن المجهول»، ثم الثانية «أربعة فصول شتاء» عام 1984م، ونشر روايته الأولى «اليوم الثامن» عام 1972م بمجلة الإذاعة والتليفزيون، و«نداء المعصومة» بجريدة الجمهورية عام 2000م. كما بدأت علاقته بالتليفزيون بسهرة «ليس غدا» 1966م، وقدّم أول مسلسل تليفزيونى «العودة إلى المنفى» عن قصة أبو المعاطى أبو النجا عام 1971م، ومن أشهر ما كتب للسينما فيلم «ناصر 56» عام 1996، وكان أول من عرض تأميم القناة، وفيلم «حليم» عام 2005 م، من إخراج شريف عرفة، وفيلم «القادسية».

حصل على عدة جوائز، منها جائزة الدولة التشجيعية عام 1972م، وأحسن مؤلف مسرحى عام 1983م من الثقافة الجماهيرية والجائزة الذهبية من مهرجان الإذاعة والتليفزيون عن مسلسل أم كلثوم، وجائزة الدولة التقديرية فى الفنون عام 2002م، وجائزة العقد لأفضل مبدع خلال 10 سنوات من مهرجان الإذاعة والتليفزيون، تزوج مرتين، وكانت زيجته الثانية الفنانة سميرة عبد العزيز واتفقا على عدم الإنجاب مكتفين بأبناء كل منهما من زواجيهما السابقين: استمر زواجهما 34 سنة، توفى فى 19 أغسطس عام 2017 بالقاهرة داخل العناية المركزة، إثر تعرضه لجلطة دماغية مفاجئة.

وكانت زوجته الفنانة القديرة «سميرة عبدالعزيز» قد أهدت لرفيق العمر كتاب «محفوظ عبدالرحمن فى عيون هؤلاء»، إعداد «سميرة أبوطالب»، ويضم مقالات مجموعة كبيرة من الإعلاميين والفنانين الذين كانت ربطتهم علاقات إنسانية بالمبدع الراحل، ومنهم الفنان عزت العلايلى الذى قدم مع الكاتب محفوظ عبد الرحمن أكثر من عمل فنى، جاءت بوابة الحلوانى كأبرز تلك الأعمال، بالإضافة إلى فيلم «القادسية»، بمشاركة الفنانة سعاد حسنى وكبار النجوم العرب، وهو إنتاج عراقى.. قال العلايلى فى مقال بعنوان «أديب الدراما» إن محفوظ عبد الرحمن هو ليس مجرد كاتب درامى فقط، بل أديب يكتب الدراما وبصماته واضحة المعالم، محفوظ مصرى خالص المصرية، وعجينة مصرية دافئة أعطى للدراما الكثير وأعطى لوطنه العربى أكثر.






تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *