
في ليلة السبت، التي يتعامل معها اليهود كليلة مقدسة، أرادت إسرائيل أن تكتب سطورًا دامية جديدة في كتاب غزة. خططت لاحتلال المدينة التي أرهقتها الحروب والحصار، وجعلتها محاصرة بين البحر والدم، بين عطش الأطفال وصراخ الأمهات. لكن ما أرادته إسرائيل كـ”نزهة عسكرية” تحوّل إلى انتكاسة خطيرة، كسرت غرور جيشها، وفضحت هشاشة عقيدته.
غزة، التي فقدت كل شيء تقريبًا ـ حتى شربة الماء باتت حلمًا في ليالي الحصار ـ لم تفقد سرّها الأعظم: إرادة البقاء. هنا يتجلّى سؤال فلسفي وجغرافي في آن واحد: ماذا تريد إسرائيل من شعب لم يعد يملك سوى أرضه وسماءه وبحره؟ ماذا يريد “النازي التتاري الجديد” من بشر أرهقهم الموت، لكنه لم يُرهق عزيمتهم؟
إنها لحظة يتقاطع فيها الزمن المقدس عند اليهود مع الجغرافيا الملعونة في عيون قادتهم. أراد نتنياهو أن يقدّم لجمهوره نصرًا سريعًا، لكن حي الزيتون في غزة تحوّل إلى مقبرة لخطته، وإلى صرخة جغرافية تقول إن الأرض لا تُسلَّم بسهولة، وإن الرمال تعرف كيف تتحوّل إلى شرك، والأزقة إلى متاهة، والبيوت إلى قلاع.
في هذه الليلة، بكَت إسرائيل جنودها، لا لأنها تخسر رجالاً فقط، بل لأنها تخسر أسطورة الردع التي صنعتها بالدبابات والطائرات. بين طلقات المقاومين وكمائنهم، وبين أزيز الرصاص الذي استقبل المروحيات، كانت الحقيقة تسقط من السماء: ليس من السهل أن تُخضع غزة، فكل حجر فيها يحمل ذاكرة مقاومة، وكل شارع يختزن دمًا يرفض النسيان.
موتًا عطشًا وجوعًا لشعب حوصر حتى في الهواء الذي يتنفسه.
تشريدًا وتهجيرًا يعيد إنتاج نكبة جديدة.