أميركا تشعل حرباً في قارة أخرى.. حين تتحول “الدفاع” إلى “هجوم”

أميركا تشعل حرباً في قارة أخرى.. حين تتحول “الدفاع” إلى “هجوم”

في عالم يتغير بسرعة لا تُصدق، حيث تختلط الحقائق بالرموز وتتشابك الخرائط السياسية مع خرائط النفوذ العسكري، أفاق العالم على خبر بدا في ظاهره شكلياً، لكنه في جوهره يعكس تحوّلاً خطيراً في فلسفة القوة الدولية: قرار الرئيس الأميركي بإعادة تسمية وزارة الدفاع إلى “وزارة الحرب”. ليس الأمر مجرد تبديل لغوي في مؤسسة عسكرية بيروقراطية، بل إعلان عن مرحلة جديدة، عنوانها أن واشنطن لم تعد ترغب في تبرير قوتها بأنها دفاعية، بل تعترف بأن الحرب صارت أداتها الأولى لإدارة النظام العالمي.

إنها خطوة تحمل أبعاداً رمزية وفلسفية عميقة. فالدفاع في جوهره فعل اضطراري لحماية الذات، بينما الحرب فعل هجومي يعكس رغبة في السيطرة والتوسع. وعندما تتخلى القوة العظمى الأولى في العالم عن مفهوم “الدفاع” لتتبنى صراحة “الحرب”، فهذا يعني أن العالم يتجه إلى مرحلة جديدة، حيث تصبح القوة العارية هي المعيار، لا المواثيق ولا الدبلوماسية.

لم يكد العالم يستوعب وقع هذا التحول حتى بدأت إشارات أخرى تظهر في الجغرافيا القريبة من الولايات المتحدة. الكاريبي وفنزويلا تحديداً، تحولت إلى مركز استقطاب جديد.فمنذ عقود، تنظر واشنطن إلى أميركا اللاتينية باعتبارها “الحديقة الخلفية”، حيث لا يُسمح لأي قوة خارجية بالاقتراب. واليوم، ومع تنامي حضور روسيا والصين في القارة اللاتينية، جاء قرار التحشيد العسكري الأميركي ليعيد إلى الأذهان أشباح الحرب الباردة.

–لقد دفعت واشنطن بحشود عسكرية غير مسبوقة نحو جنوب الكاريبي: مدمرات صواريخ، غواصات نووية، طائرات استطلاع متطورة، وأسراب من المقاتلات الحديثة من طراز “إف- 35” المتمركزة في بورتوريكو شمال فنزويلا. هذه ليست مجرد استعراض قوة، بل استعداد لمعركة محتملة. الخطاب الرسمي يتحدث عن “محاربة شبكات المخدرات”، لكن كل المؤشرات تشير إلى هدف أعمق: إعادة تشكيل النظام السياسي في كاراكاس، وإزاحة نظام مادورو الذي يرفض الخضوع للإملاءات الأميركية.

في تصريحات سابقة، قال الرئيس الأميركي بوضوح: “لماذا ندافع بينما يمكننا الهجوم؟”. إنها جملة تلخص عقيدته السياسية، حيث تتحول الحرب من خيار أخير إلى أداة أولى. ولعل إعادة تسمية الوزارة لم تكن سوى انعكاس لهذه الفلسفة. فالحروب، في المنظور الترامبي، ليست كارثة، بل وسيلة لإعادة التوازن الدولي.

–ولعل ذلك ما يفسر التحركات المتسارعة نحو فنزويلا. فالمسألة لا تتعلق بمكافحة المخدرات كما يُروَّج، بل بمحاولة قطع الطريق أمام تمدد الصين وروسيا في القارة اللاتينية. فالصين تسعى إلى الاستثمار في النفط الفنزويلي الهائل، وروسيا توفر الدعم العسكري والسياسي لنظام مادورو. ومن ثم، فإن ضرب فنزويلا هو ضرب لخصوم واشنطن في قلب مجالها الحيوي.

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *