
كشفت صحيفة “لوموند” الفرنسية عن قرار إيلون ماسك بالانسحاب من منصب مستشار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب داخل وزارة كفاءة الحكومة (DOGE)، وذلك قبل الموعد النهائي المقرر في 28 مايو. هذا القرار لم يكن ليُمكنه من البقاء في فريق ترامب دون الالتزام بمتطلبات الشفافية والرقابة التي يفرضها الكونجرس. اليوم، تشير التقارير إلى أن الانقطاع الهائل لشبكة “إكس” يوم السبت الماضي أسهم بشكل مباشر في هذه الاستقالة النهائية، التي اعتبرتها بعض المصادر نتائج متأخرة لعدم القدرة على تلبية التزاماته السياسية.
وركّز ماسك في منشور له على فيسبوك على عودته إلى العمل المستمر، حيث أشار إلى أنه سيعمل على مدار الساعة، وسينتقل بين غرف الاجتماعات والمصانع. كما ذكر أن تركيزه سيقع على شركة “إكس أيه آي” وتسلا، بالإضافة إلى إطلاق مركبة “ستارشيب” الأسبوع المقبل. هذه الإعلانات تُظهر رغبته في تجنب التصعيد السياسي وتركيزه على جوانب التكنولوجيا والعمل التجاري، إلّا أن الوضع يظهر عكس ذلك.
التحديات التي واجهها ماسك في تحسين كفاءة الحكومة
الأمر الذي نراه اليوم ليس مجرد رحيل عابر، بل نتيجة لفشل مبادراته في تقليل الإنفاق الحكومي، الذي كان من المفترض أن يحقق وفورات تصل إلى تريليون دولار. جيسون فورمان، خبير الاقتصاد في هارفارد، أشار إلى أن ماسك أحدث فوضى اقتصادية جزئية، دون تأثير كبير على الاقتصاد الكلي. كما أوضح أن تدخلاته في مجال المساعدات الأمريكية، بما في ذلك إنهاء عمل الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، لم تُحدث أي تغيير كبير في الإنفاق.
هذا الفشل لم يكن مفاجئًا، بل توقعه البعض مسبقًا. هنري براندز، المؤرخ في جامعة تكساس، أبدى في أكتوبر 2024 شكوه في قدرة ماسك على إصلاح الحكومة الأمريكية أو خفض الدين الفيدرالي، مُشيرًا إلى أن الأمر ليس تقنيًا، بل سياسيًا. لاحظ أن جماعات المصالح المتعددة تقاوم هذه التغييرات، ولا ترغب في التخلي عن مكاسبها.
خصوم إيلون ماسك في الساحة السياسية
واجه ماسك أربعة خصوم رئيسيين خلال فترة توليه منصب وزارة كفاءة الحكومة. الأول هو دونالد ترامب نفسه، الذي يُعد شعبويًا ولا يتوافق مع وجهات نظر ماسك الليبرالية. منعه من خفض الإنفاق الفيدرالي في مجالات الضمان الاجتماعي والرعاية الطبية والدفاع. كما لم يُسمح له بتنفيذ تخفيضات كبيرة، بل اقتصرت أنشطته على مطاردة ما وصفه بـ”الاحتيال” أو انتقاد برنامج لوكهيد مارتن للطائرات المقاتلة.
الخصم الثاني كان أعضاء إدارة ترامب، وخصوصًا ماركو روبيو، وزير الخارجية، الذي انتقد ماسك علنًا. أيضًا، شون دافي، وزير النقل، طلب منه خفض ميزانيات مراقبي الحركة الجوية، بينما تجاهل سكوت بيسنت، وزير الخزانة، طلباته. أدى ذلك إلى مواجهة داخل الإدارة، حيث انتقلت حقيقة السلطة إلى أعضاء مجلس الوزراء.
التحديات القانونية والمالية التي واجهها ماسك
لم تكن التحديات فقط سياسية، بل أيضًا قانونية. أوقف القضاة سلسلة من مبادرات ماسك، مما جعله يفتقر إلى الدعم القانوني لتنفيذ أي إجراءات جوهرية. هذه الحالة أثارت شكوكًا داخل الإدارة، مما جعلها تشعر بالضغط.
من ناحية أخرى، تشير التقارير إلى أن ماسك نجح في توفير 170 مليار دولار فقط، وهو أقل من عُشر العجز العام الأمريكي. وقد أدى إجراءاته إلى زيادة العجز، خاصة بعد عمليات تسريح العمال في إدارة الضرائب، ما أدى إلى انخفاض في تحصيل الضرائب. هذا الواقع يظهر أن ماسك لم ينجح في تحقيق أهدافه، بل عكّر أوضاع الاقتصاد.
العودة إلى العمل التجاري ومشاريع المستقبل
أعلن ماسك عبر شبكة “سي أن بي سي” عن وجود مئات الآلاف، إن لم يكن مليونًا، من سيارات تسلا ذاتية القيادة في الولايات المتحدة بحلول نهاية عام 2026. يأمل في بدء الاختبارات في أوستن، ثم لوس أنجلوس. هذه الخطوة تُظهر رغبته في الابتعاد عن السياسة والتركيز على تطوير التكنولوجيا.
كما أعاد توجيه تركيزه إلى مشاريعه في الفضاء، حيث تخطط شركة “سبيس إكس” لاختبار صاروخ “ستارشيب” جديد بطول 122 مترًا. هذه الصواريخ قد تُستخدم لنقل المعدات إلى ساحات المعركة في غضون ساعة، مما يظهر تواصلها مع المجمع الصناعي العسكري.
تكامل “إكس” مع “إكس أيه آي” لتعزيز الذكاء الاصطناعي
بفضل عمله في واشنطن، سمح ماسك لشركة “إكس” بالاندماج مع “إكس أيه آي” xAI، مما ساعد في تخفيف ديونه المتراكمة بعد الاستحواذ على تويتر مقابل 44 مليار دولار عام 2024. هذه الخطوة تُظهر نية ماسك في توجيه موارده نحو التكنولوجيا، بدلًا من السياسة.
إيلون ماسك وصراعه مع الكونجرس
يواجه ماسك تحديات كبيرة مع الكونجرس، الذي يتحكم في الميزانية. أقر مجلس النواب مشروع قانون ضخم في 22 مايو، عبّر عن توجهه نحو خفض الإنفاق. لكن التقديرات تشير إلى أن هذا القانون سيزيد العجز بنسبة 6% من إجمالي الناتج المحلي، وستضيف 2.4 تريليون دولار إلى الدين خلال عشر سنوات. هذا الواقع يُظهر أن ماسك كان محقًا في انتقاده للديون، لكنه لم ينجح في تقديم حلول.
أخيرًا، العودة إلى الأسماء المستعارة والتركيز على العمل
في ختام المقال، أشارت الصحيفة إلى أن ماسك عاد إلى استخدام أسماء مستعارة على شبكته، آخرها “جوركلون روست”، وهو اسم عملة مشفرة. يبدو أن رائد الأعمال يحاول العودة إلى العمل التجاري، وكأن شيئًا لم يكن. لكنه يواجه تحديات كبيرة في إعادة ترتيب أوراقه، خاصة بعد فشل مبادراته السياسية.
التداعيات على شعبية ماسك ومسيرة تسلا
تراجعت شعبية ماسك بشكل ملحوظ بسبب تصريحاته اللاذعة وتهديداته ضد الرعاية الاجتماعية لبرنامج ميديكيد. كما اعتبرته البعض عبئًا انتخابيًا بسبب هوسه بمحاربة الأفكار التقدمية. هذا الانحدار في الشعبيّة أدى إلى ضغوط كبيرة على شركة تسلا، التي شهدت تراجعًا في المبيعات. رغم نفي الشركة لادعاءات البحث عن بديل له، أشار ماسك في مقابلة عبر الفيديو إلى أنه سيظل على رأسها بعد خمس سنوات.
مستقبل ماسك في عالم التكنولوجيا والفضاء
التركيز الجديد لـ ماسك على “سبيس إكس” و”إكس أيه آي” يُظهر اتجاهه نحو عالم التكنولوجيا الأسرع تطورًا. يسعى إلى تطوير تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي، وتعزيز قدرات الفضاء، كما يخطط لاستخدام الصواريخ لنقل المعدات بسرعة. هذه المشاريع تُعتبر فرصة له لاستعادة زخمه، لكنها تتطلب توافقًا مع الجهات المعنية، بما في ذلك الكونجرس والقضاء.
العودة إلى العمل والتحديات القادمة
في النهاية، يُظهر قرار ماسك بالانسحاب من السياسة عودته إلى العمل التجاري، وهو ما قد يُعيد ترتيب أوراقه. لكن التحديات التي واجهها في وزارة كفاءة الحكومة تشير إلى أن مستقبله في هذا المجال سيكون صعبًا. قد يُعيد تركيزه على مشاريعه في التقنية والفضاء، لكنه يبقى في منتصف نفق لا يزال يتحدى فيه الأمور السياسية والاقتصادية.
ملاحظات على المدى الطويل
من المتوقع أن يُسهم هذا القرار في إعادة تشكيل مسار ماسك، حيث يركز على مشاريعه التي تتفاعل مع قطاعات التكنولوجيا والفضاء. لكنه يبقى أمام تحدٍّ كبير في إثبات قدرته على القيادة في هذه المجالات، خاصة بعد فشل مبادراته في الساحة السياسية. قد تصبح تجربته في واشنطن درسًا دراميًا في سجل رواد الأعمال الذين حاولوا التدخل في السياسة.