
ليس موتكم كأى موت، فالموت غياب، وموتكم حضور، والاغتيال قهر، واغتيالكم شهادة في سبيل الله، واستهدافكم وإن لم يقل في خسته ودمويته عن استهداف كل هؤلاء المدنيين العزل الأبرياء، وعن تجويع هذا الشعب المحاصر تحت النار، إلا أنكم تظلون رعبا دون أن تطلقوا رصاصة أو قذيفة، فسلاحكم الوحيد هو الصوت والصورة، ناقلا الكارثة وفاضحا العدو الذى ملأ الدنيا بأكاذيبه فكشفتم عنه غطاء الكذب الممزوج بالدم وهتكتم سترا كان يعرف ما وراءه أشياع الشيطان ورجاله المتمسكون برواية العدو المرددون لسيل أكاذيبه لتثبيت ادعاءاته وخداع شعوبهم، والتغطية على ما يلعبونه من أدوار في دعم هذا الوحش، هتكتم الستر وجعلتم هؤلاء الحكام في مواجهة غضب شعوبهم، ولم يعد بمقدورهم الاستمرار في ارتداء نفس الأقنعة.
تحت النار:
أوتعرفون من أنتم؟! لا لستم صحفيين وإعلاميين بأحذية لامعة وثياب أنيقة تجلسون على موائد الوزراء والسفراء وتنقلون التصريحات، بل أنتم السفراء أنفسهم، سفراء شعب ينزف حتى الموت، ويساق عبر الشوارع التي انطمست معالمها مهجرا عشرات المرات شمالا وجنوبا، وتذوق المرأة فيه مرارة فقد الابن والأخ والزوج والأب ثم تلحق بهم وتنمحي إلى الأبد عائلة بأكملها، أنتم سفراء أضأتم الأنوار وسط عتمة مفروضة، وصمت من كل المتآمرين، ومنع للصحافة العالمية من دخول غزة، ولهذا امتدت يد الكيان الغاشمة لتطفئ أنوار الحقيقة وتزيل الخطر الذى يهدد عرش ابنة صناع الاحتلال الباغية المدللة، ويفسد الرواية التى بنيت عليها مظلومية دولة احتلال لم تكتف بأخذ ما ليس لها بحق، بل تتخذ قرار الإبادة لشعب تحت سمع وبصر عالم متواطئ، إداناته جوفاء تزيد العدوان قوة وبطشا وقد أمن العقوبة وعلم ان الأمر لن يزيد عن إدانات لإطفاء غضب الشعوب.
ليس أنس الشريف ومحمد قريقع والصحفيون الأربعة الذين اغتيلوا غدرا معهما، ليسوا فقط من رصدهم جواسيس الكيان واغتيلوا مع سبق الإصرار والترصد، لم يكونوا وحدهم الشجعان الذين سقطوا فى هذه الحرب، من واجهوا الموت في كل لحظة وسط تهديدات لا تحتمل الهزل، لكنهم كانوا ستة صحفيين قاسوا ويلات حصار خانق، ورصدوا الموت ببطون خاوية، يتساقط الرصاص والقذائف وتضمر أجساد الأطفال وتجف صدور الأمهات من قطرة حليب، ويسقط العجائز دون قرص دواء، وهم وذووهم مثلهم، يفقد محمد قريقع والدته وهم محاصرون فى مستشفى الشفاء، تحكى له فى مكالمة قبل الموت، لا أجد ماء أو دواء أو طعاما، جائعة أمه المريضة وهو وحيدها محاصر خارج المستشفى وهي محاصرة بالداخل، على بعد خطوات، ولا يمكنه رؤيتها او مساعدتها، وبعد الرحيل وفك الحصار يعرفها من رقدتها، من شعرها، يودع الغالية، يذرف دموع الفقد والعجز، ويعود ليمسك بسلاحه الوحيد، ميكروفونه، ليروى القصص الممزوجة بالدم والدموع، يترك الصورة تتحدث، وطفله زين هناك، ينتظر، وهو على يقين من أن هذا الطفل قد يصبح بين غمضة عين وانتباهتها يتيما، ينضم إلي 39000 يتيم في غزة منذ بدء الحرب في أكتوبر 2023، ويدرك ذلك ايضا أنس، وكل من وقف فى خندقهما، بالأمس كانت طفلة انس تمشط له شعره وتقول أحبك، ينثرفيض محبته حول براءتها ويأتنس قلبه بصوتها، لكن المهمة أعظم من زينة الدنيا التى يمثلها طفله وطفلته.
لا أحد آمن في غزة، كل فرد معرض للقصف، الأهل والأحباء يسقطون ثم يمسح البطل الدموع ويقف أمام الصورة التي تساوي ملايين الكلمات ويستمر في نقل الحدث، كل شيء يتهاوي، تتحول البيوت إلي خيام من قماش، وتتحول الوجبة إلي لقيمات، قد لا تتوفر ليوم أو يومين، وربما يستند علي الجدار بين اللقطة والأخري يلتقط انفاسه وينظر بأسي إلى عالمه الذي اصبح اثرا بعد عين، صحفيو غزة، من طراز فريد، هم عيوننا التى ترى إلى أي حد يواجه من بقوا من غزة كيانا دمويا لا مثيل لإجرامه، كما كان عهدنا به دائما، يخرجون لمواجهة الموت بسترة وخوذة لم يحصنا يوما صحفيا تحت القصف، يبيتون في خيام مهترئة لا تقي لهيب الشمس او صقيع الشتاء، والعدو يتمادى ويسرف في القتل، يفضحون الجيش الذي روج له ساسته بأنه الاكثر أخلاقية، ينشرون وثائق سقوطه الأخلاقي ومجازره، التي تحولت إلى سبة في جبين عالم يدعي النزاهة عندما يكون مغرضا يريد تحقيق مصالحه، الصحفي في غزة سلاح فتاك، يفسد الأكاذيب التي يشكل العدو تروس آلة العدو الإعلامية الجبارة، افراد فقط في مواجهة نفوذ وسطوة الصهاينة واموالهم التي تتحكم في كل شيء، وفرقه علي مواقع التواصل التي تعمل ليلا ونهارا لطمس الحقيقة ونسف ما بقي من تلاحم وترابط الشعوب العربية، فليمت الصحفي إذن، فالموت وسيلة سهلة لإسكات الصوت!
ادعاءات الإرهاب: