“البليت”.. معضلة دعم الإنتاج المحلي وتشوهات السوق

“البليت”.. معضلة دعم الإنتاج المحلي وتشوهات السوق

تتجه وزارة الصناعة لاتخاذ قرارات قد تغير خريطة صناعة الحديد في مصر لسنوات مقبلة، ففي الوقت الذي طرحت فيه 3 رخص جديدة لإنتاج خام “البليت”، تدرس الوزارة في المقابل إعادة الرسوم الحمائية وارداته إلى الواجهة من جديد لتحجيمها، في خطوة تهدف لدعم الإنتاج المحلي وتقليل فاتورة الاستيراد، لكنها تثير مخاوف من تكرار تشوهات سابقة في السوق، وفق مصادر مطلعة بالقطاع.

رخص جديدة لتعزيز الإنتاج المحلي

في مايو الماضي، أعلنت وزارة الصناعة في بيان لها، أنها بصدد طرح عدد من رخص إنتاج خام البليت -مرحلة الصهر- لتلبية احتياجات الصناعة من الحديد القابل للحام، والمقاوم للزلازل، والصالح للاستخدام في المياه المالحة والبيئات البحرية، وكذلك لتلبية كافة الاستخدامات الفنية والهندسية المتقدمة.

الرخص الثلاثة الجديدة، وبإجمالي كميات إنتاج تصل إلى 2.7 مليون طن، تتوزع بين 1.5 مليون طن للأولى، ومليون طن للثانية، و200 ألف طن للرخصة الثالثة، وفق ما علمت “إيكونومي بلس” من مصادر لها.

تقدم للمنافسة على هذه الرخص نحو 13 شركة، لكن حتى الأن، قدمت 3 شركات فقط عروضا فنية إلى الهيئة العامة للتنمية الصناعية التابعة لوزارة الصناعة، وهي شركة العشري للصلب ( على الرخصة الكبيرة)، وشركة الجارحي للصلب (على الرخصة المتوسطة)، وشركة الجيوشي للصلب (على الرخصة الأقل).

اتخاذ القرار في العروض الفنية للرخصة الجديدة ينتظر اجتماع خاص بين مجلس الوزراء ووزارة الصناعة، بحسب ما قاله رئيس الغرفة التجارية بالقاهرة، وأحد المتقدمين بعرض فني لإحدى الرخص الجديدة، أيمن العشري لـ”إيكونومي بلس”.

جدوى الخطوة.. بين فائض الإنتاج وفاتورة الاستيراد

زيادة قدرات إنتاج البليت محليا يعفي مصر من استيراد كميات تتراوح بين 1.5-2 مليون طن من البليت سنويا بما يقترب من 1.5 مليار دولار تقريبا كل عام، وفق تقديرات مصادر إيكونومي بلس.

وإجمالا، تستورد مصر خامات لصناعة الصلب كل عام يما يقترب من 4 مليارات دولار، بما في ذلك الأيررون أور الذي تعتمد عليه مصانع الصلب من الدورة المتكاملة في مصر، بحسب المصادر.

تنتج مصر كميات من البليت _ المرخص_ محليا بطاقات تقترب من 10 ملايين طن سنويا عبر 5 مصانع تقريبا، ومع إضافة الطاقات من الرخص المطروحة حديثا ستقترب من 13 مليون طن، وهو يدعم وجهة نظر وزارة الصناعة لتقليل فاتورة واردات الخام، بحسب المصادر.

لكن، يقل حجم الاستهلاك الفعلي محليا عن هذه المستويات بما يبلغ 7 ملايين طن في المتوسط سنويا.

إذن ما الحاجة إلى الرخص الجديدة؟

الدولة ترى حاجتها لزيادة الإنتاج المحلي من البليت طالما أن الواردات مستمرة، رغم أن الإنتاج المحلي لديه طاقات فائضة بحيث لا تعمل المصانع المنتجة فعليا بكامل طاقتها الإنتاجية السنوية، وتأتي الرخص الجديدة بهدف تحقيق الاكتفاء الذاتي، وفق المصادر.

فسرت المصادر ذلك بأن المصانع تنتج حاجتها من الخاصة من البليت، ولا تنتج أي كميات لبيعها إلى مصانع الدرفلة التي تلجأ لاستيراد نحو بين 1.5-2 مليون طن سنويا من البليت في ظل هذا الوضع.

مصانع الدورة المتكاملة لا تنتج البليت لصالح مصانع الدرفلة بسبب ارتفاع تكاليف الإنتاج عليها في ظل الأسعار التي يمكن البيع بها محليا، وبالتالي فهي تفضل إبقاء إنتاج احتياجاتها فقط لتجنب تكبد خسائر.

علاقة الرخص الجديدة بالرسوم

مع دخول الطاقات الجديدة لإنتاج البليت، تسعى بعض مصانع الدورة المتكاملة، بالإضافة إلى المستفيدين من رخص الصهر الجديدة إلى تحجيم الواردات على اعتبار أنها تأكل من حصتهم السوقية، وبالتالي فالعائد على الاستثمار ربما يكون أقل، بحسب ما قاله أحد مصادر “إيكونومي بلس” في مصنع دورة متكاملة.

الأسبوع الماضي، نوه بيان لوزارة الصناعة عن شكاوى قدمها مصنعي البليت والحديد الصاج بشأن تضررهم من تشوهات جمركية نتيجة فرض رسوم جمركية على المنتجات النهائية أعلى من الرسوم المفروضة على الخام ومستلزمات الإنتاج.

الوزارة وجهت بدراسة شاملة لمعالجة هذه التشوهات من خلال وزارة الاستثمار والتجارة الخارجية بالتنسيق مع وزارة المالية والبنك المركزي المصري بما يسهم في مساندة المنتجات المصنعة محليا، مع اتخاذ إجراءات صارمة وضوابط مشددة من كافة الجهات المسؤولة عن نفاذ البضائع المستوردة للسوق المصري لحماية الصناعة المحلية من الممارسات التجارية الضارة، بحسب البيان.

عودة رسوم الحماية.. تكرار لتجربة مثيرة للجدل

اللجوء إلى فرض رسوم جمركية على واردات البليت لم يكن هو الأول من نوعه، إذ فرضت وزارة الصناعة رسوما نسبتها 15% في أبريل 2019، واستمرت لنحو 32 شهرا قبل أن تلغيها الوزارة لاحقا في نوفمبر من العام 2021.

لكن، مع عودة الحديث عن إعادة فرضها مرة أخرى، قالت مصادر لـ”إيكونومي بلس”، إن الحكومة ألغت الفرض الأول للرسوم في سياق مراجعة شاملة للرسوم الجمركية على مدخلات الإنتاج لحماية الصناعة المحلية ومعالجة التشوهات الجمركية التي أضرت بالمصنعين في مرحلة الدرفلة والتي تضم نحو 25 مصنعا، وهي الأسباب نفسها التي قد تعود من أجلها الرسوم مرة أخرى.

حذرت المصادر، من عودة رسوم البليت في شكلها القديم، خاصة وأن تجربة الفرض الأولى أصابت الصناعة بتشوهات إنتاجية كبيرة أضرت بالسوق والمنتجات التي يقدمها للمستهلكين.

التجربة السابقة.. أفران مخالفة ومنتجات رديئة

التجربة الأولى دفعت الكثيرين لإنشاء أفران صهر بصورة فردية، وإن كانت بطاقات إنتاجية صغيرة، لكنها بعدد كبير لا حصر له، لتتحول هذه الأفران إلى ما هو أشبه بالمسابك الخاصة بإنتاج أغطية الصرف الصحي، لكن أصحابها يستخدمونها لإنتاج البليت من الخردة المحلية، ولكن بمواصفات فنية سيئة، بحسب المصادر.

قبل فرض الرسوم في 2019، كانت مصر تستورد ما بين 3.5-4 ملايين طن من البليت، لكن الرسوم أوقفت العملية الاستيراد تقريبا، ومع إلغاء الرسوم في نهاية 2021 انخفضت الواردات إلى 1.5-2 مليون طن سنويا، وبالتالي فإن الأفران غير المقننة حصلت على الحصة الأخرى بحسب مصدر في أحد المصانع الكبيرة.

المصدر فسر: “القدرات الإنتاجية من البليت لمصانع الدورة المتكاملة لم ترتفع خلال فترة التجربة الأولى للرسوم ما يعني اختفاء نحو مليوني طن من الواردات، هذه الكميات كانت من نصيب العدد الكبير من الأفران المخالفة.

تقنين أوضاع أفران الصهر المخالفة

في 2024، أعلنت وزارة الصناعة في بيان لها عن العمل على تقنين أوضاع نحو 34 مصنعا حديدا غير مرخصة ولا تراعي المواصفات المطلوبة، وكان المقصود بها أفران الصخر المخالفة، لكن الوزارة لم تفصح عن ذلك صراحة في بيانها.

الوزارة حددت شرطا أساسيا لتقنين الأوضاع وهو أن لا تقل الطاقة الإنتاجية للفرن الواحد عن 100 ألف طن سنويا، بحسب ما قاله أحد أصحاب الأفران غير المقننة لـ”إيكونومي بلس”.

لاحقا، وبعد أن اكتشفت الوزارة ضئالة الأفران المخالفة التي يمكن أن تستوفي شرطها الأساسي للإنتاج، قللت حجم الإنتاج المطلوب إلى 70 ألف طن سنويا.

بناءً على ذلك قننت الوزارة أوضاع نحو 16 مصنعا فقط من إجمالي 34 أعلنت عنها، لكن العدد الحقيقي يرتفع جدا عن هذه الأرقام، كما توجد أفران كثيرة بطاقات أقل من 5000 طن سنويا، ما يوضح الوضع في ظل الرسوم الجمركية على واردات البليت.

ما الحل؟

المصادر قالت إن الوزارة يجب عليها دراسة الأوضاع الحقيقة للصناعة وما آلت إليه في ظل التجربة الأولى، بحيث تتم الموازنة بين تكلفة الواردات في مقابل التلكفة الحقيقية للإنتاج المحلي، أو تشجيع المصانع المحلية المنتجة للبليت بصورة أو بأخرى على زيادة إنتاجها لتعويض احتياجات مصانع الدرفلة التي تلجأ للاستيراد.

مصانع الصلب في مصر

مصانع الصلب المصرية في العادة هي 3 أنواع، بإجمالي نحو 30مصنع.

النوع الأول هو مصانع الدورة المتكاملة التي تصنع خام الحديد الأولي من “الأيرون أور” وعددها 3 مصانع، والثاني هو مصانع الدورة المتوسطة والتي تبدأ التصنيع من مرحلة صهر الخام وعددها 5 مصانع – تضم الثلاثة الأولى بينها، والنوع الأخير هو مصانع درفلة البليت وعددها يتجاوز 25 مصنعا وتعمل جميعها في المرحلة الأخيرة فقط من عمليات التصنيع وتشهد أقل قيمة مضافة في عملية تصنيع الصلب المصري.

The post “البليت”.. معضلة دعم الإنتاج المحلي وتشوهات السوق appeared first on Economy Plus.

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *