التثقيف السياسي.. شرط النجاة من الفوضى في زمن الألفية الثانية

التثقيف السياسي.. شرط النجاة من الفوضى في زمن الألفية الثانية

لم تعد الفوضى التي تضرب المجتمعات في منطقتنا وليدة لحظة، بل هي انعكاس مباشر لصعود أنصاف المثقفين وأشباه السياسيين إلى المنابر ومواقع القرار. أصبح من المألوف أن نشهد مرشحين يعتلون المقاعد النيابية أو يتولون مناصب قيادية، وهم لا يملكون أبسط أدوات الفهم السياسي ولا الحد الأدنى من الإلمام بمفردات العمل البرلماني.

كيف يمكن أن نثق في نائب لا يعرف معنى اقتراح أو طلب إحاطة أو استجواب؟ وكيف يمكن أن نطمئن لمسؤول لا يجيد التعامل مع المنظومات الرقمية في عصر الاقتصاد الرقمي والذكاء الاصطناعي؟ وما الذي ننتظره من قيادي يجهل حساب عوائد القروض الدولية، أو يعجز عن التمييز بين الموقع والتموضع في أزمات جيوسياسية كبرى مثل صراع غزة؟.

إن هذه الفوضى ليست مجرد خلل إداري، بل هي انعكاس لـ”مأساة سياسية فلسفية” يعيشها المجتمع حينما يُختزل العمل السياسي في شعارات انتخابية رخيصة أو “شهادات استراتيجية” معلّقة على صفحات التواصل الاجتماعي بلا رصيد معرفي حقيقي.

في الألفية الثانية، لا يمكن أن يكون المرشح مجرد وجاهة اجتماعية أو صوت قبيلة أو صدى دعاية إعلامية. فالمجتمع المدني، إذا أراد أن يحافظ على حدوده الأخلاقية والأمنية، يحتاج إلى معهد للتثقيف السياسي، سنتين على الأقل، يمر عبره كل من يطمح إلى الترشح أو تقلّد المناصب. التثقيف ليس ترفًا، بل هو سلاح وعي يحدد مصير الشعوب بين النهضة والانهيار.

إننا أمام سؤال فلسفي أعمق:

هل يمكن لمجتمع أن يدخل عصر المعرفة الرقمية بعقلية السوق القديمة والسرادقات الانتخابية؟

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *