
من قلب بكين إلى السهوب الروسية، يتشكل عالم جديد على وقع الأزمات والحروب، وعلى أنقاض نظام دولي عاش عقودًا تحت الهيمنة الغربية. اليوم، يطلّ التنين الصيني والدب الروسي بوجهين متلازمين، كأنهما يخطّان ملامح توازن جديد في زمن مضطرب، زمن ما بعد الوباء والحرب في شرق أوروبا.
لم تعد المسألة مجرد تحالف عابر أو تقاطع مصالح مرحلي. ما نشهده هو إعادة رسم خرائط القوة: اقتصاد ضخم يتكئ على التجربة الصينية، وقوة عسكرية تمتد بظلالها من البحر الأسود إلى قلب آسيا الوسطى، وفي الخلفية شعوب مرهقة تبحث عن بدائل لهيمنة الدولار ولإملاءات العولمة بنسختها الأميركية.
الحرب في أوكرانيا كانت الشرارة، لكنها لم تكن السبب الوحيد، لقد كشفت هشاشة النظام الدولي القديم، وأظهرت كيف أن أوروبا لم تعد قادرة على فرض معادلاتها، وكيف أن الولايات المتحدة باتت تترنح بين أزماتها الداخلية ومغامراتها الخارجية. في المقابل، قدمت موسكو وبكين رواية أخرى: عالم لا يدار من مركز واحد، بل بتوازن أقطاب، كل له مصالحه ورؤيته وتاريخه.
لكن، هل يستطيع التنين والدب أن يخلقا حقًا نظامًا متعدد الأقطاب، أم أن ما يحدث مجرد انتقال في موازين القوى، ستتبعه صراعات أكثر دموية في الشرق الأوسط وشرق أوروبا؟
النزاع لم يعد سياسيًا وعسكريًا فحسب، بل صار اقتصاديًا بامتياز. الحرب على الدولار تزداد شراسة، فروسيا والصين ومعهما مجموعة “بريكس” يحاولون الدفع بعملات بديلة في التجارة العالمية، والبحث عن تسويات باليوان والروبل والروبية. في المقابل، يزداد الغرب تمسكًا بـ “سلاح الدولار” كأداة عقاب وردع.
الطاقة أيضًا باتت ساحة حرب. الغاز الروسي لم يعد يتدفق إلى أوروبا كما كان، والبدائل باهظة الثمن. فيما تفتح الصين ممرات جديدة عبر آسيا الوسطى والمحيط الهندي، وتحاول ربط الأسواق بخطوط سكك وموانئ ومبادرات “الحزام والطريق”. الممرات البحرية من الخليج إلى المتوسط أصبحت بدورها مجال تنافس شديد، حيث تحاول القوى الكبرى ضمان السيطرة على عقد التجارة العالمية.