
منذ بداية انتشار مواقع التواصل الاجتماعى، اعتاد المستخدمون مشاركة صور الأطفال من مختلف الأعمار، خاصة الرضع الذين يظهرون بمظهر لطيف يلفت الانتباه. وفى البداية، كان الأمر يقتصر على نشر صور فردية للأطفال أو استخدام صورهم كصورة شخصية على الحسابات الإلكترونية، إلا أن التطور السريع فى منصات التواصل مثل «إنستغرام» و«تيك توك» جعل من مشاركة صور وفيديوهات الأطفال ظاهرة واسعة الانتشار. ومع مرور الوقت، تحولت هذه الظاهرة لدى بعض المستخدمين إلى وسيلة لجذب المشاهدات وزيادة التفاعل، وفى بعض الحالات للتربح المادى من خلال الإعلانات أو البث المباشر.
فى نوفمبر الماضى، أصدر المجلس القومى للطفولة والأمومة فى مصر تحذيرًا بشأن استغلال الأطفال على مواقع التواصل الاجتماعى، خاصة من قبل ذويهم، بغرض تحقيق أرباح من خلال البث المباشر أو زيادة عدد المشاهدات. وأكد المجلس أنه سيوفر الحماية اللازمة للأطفال، وسيتخذ كافة الإجراءات القانونية وفقًا لقانون حماية الطفل.
وأوضحت سحر السنباطى، الأمين العام للمجلس، أن التقدم التكنولوجى الهائل يمثل من جهة فرصة ذهبية للتعلم والمعرفة، لكنه فى الوقت نفسه يحمل مخاطر جسيمة تهدد سلامة وأمان الأطفال. وشددت على أن المجلس يولى اهتمامًا بالغًا بمشكلة إيذاء الأطفال عبر الإنترنت، نظرًا لتعارضها التام مع أهدافه ورؤيته فى توفير بيئة آمنة وحاضنة لكل طفل. وأشارت إلى أن المجلس يعمل على تنفيذ العديد من المبادرات والبرامج لحماية الأطفال من جميع أشكال الاستغلال والعنف.
من أبرز المبادرات التى أطلقها المجلس حملة «بأمان»، التى تهدف إلى توعية الأطفال وأولياء الأمور بمخاطر الإنترنت وطرق الوقاية منها. وأكدت السنباطى أن المشكلة لا تقتصر على الإنترنت فحسب، بل تمتد لتشمل دور الأسرة فى حماية الأطفال، لافتة إلى أن انشغال الآباء والأمهات عن التفاعل مع أبنائهم يمثل تحديًا كبيرًا فى عملية التربية، ويجعل الأطفال أكثر عرضة للمشكلات النفسية والاجتماعية.
كما شددت على أن حماية الأطفال مسؤولية مشتركة تقع على عاتق جميع أفراد المجتمع، داعية المواطنين إلى الإبلاغ عن أى حالات استغلال للأطفال عبر الخط الساخن «16000» الذى يعمل على مدار الساعة، أو من خلال تطبيق «واتساب» على الرقم «01102121600»، أو عبر الرسائل الخاصة بصفحات المجلس على مواقع التواصل الاجتماعى.
من جانبه، أوضح صبرى عثمان، مدير عام الإدارة العامة لنجدة الطفل، أن المادة «96» من قانون الطفل تنص على أن الطفل يعد معرضًا للخطر إذا كانت ظروف تربيته أو بيئته تهدد سلامته الجسدية أو النفسية أو الأخلاقية، بما فى ذلك حالات الإهمال أو الإساءة أو الاستغلال.
كما تحظر المادة «291» من قانون العقوبات أى مساس بحق الطفل فى الحماية من الاتجار به أو استغلاله جنسيًا أو تجاريًا أو اقتصاديًا، أو استخدامه فى الأبحاث أو التجارب العلمية، وتفرض عقوبة السجن المشدد لمدة لا تقل عن خمس سنوات وغرامة لا تقل عن 50 ألف جنيه ولا تجاوز 200 ألف جنيه على كل من باع أو اشترى طفلًا أو عرضه للبيع أو استغله بأى شكل.
وفى السياق نفسه، ينص القانون رقم «64» لسنة 2010 بشأن مكافحة الإتجار بالبشر على معاقبة مرتكب جريمة الاتجار بالبشر بالسجن المؤبد وغرامة تتراوح بين 100 ألف و500 ألف جنيه.
كما توضح المادة «99» من قانون الطفل أن لجان حماية الطفولة الفرعية لها صلاحية تلقى الشكاوى حول حالات تعرض الطفل للخطر، واستدعاء الأطراف المعنية للتحقيق، واتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة إذا لم تتمكن من حل المشكلة بشكل مباشر.
وبالرغم من أن بعض الأهالى يظهرون مع أطفالهم بشكل بعيد عن أشكال التربح المادى أو استغلال الأطفال، إلا أن هذا الأمر قد يعرض الطفل لعدة مشاكل تؤثر على النفسية والسلوك.


وبحسب تقرير «الأطفال ووسائل التواصل الاجتماعى» الصادر عن مؤسسة Kids Mental Health Foundation، هناك عدة مخاطر مباشرة على الصحة النفسية والسلوك نتيجة استخدام الأطفال لوسائل التواصل، أبرزها:
– الخوف من فوات الفرص (FOMO): مشاهدة أقرانهم يشاركون فى فعاليات أو تحديات قد تدفعهم لتجربة سلوكيات خطيرة.
– التركيز المفرط على المظهر: خاصة لدى الفتيات، مما يضعف صورة الجسد لديهن بسبب الضغوط للحفاظ على حضور بصرى مثالى.
– إضعاف مهارات التفاعل الواقعى: نتيجة قضاء وقت طويل على الإنترنت بدلاً من التفاعل وجهًا لوجه.
– الطابع الدائم للمحتوى المنشور: حيث تظل الأخطاء أو المنشورات المسيئة موجودة ويمكن أن تؤثر على مستقبل الطفل.
– التأثير على نمو الدماغ: بسبب تصميم المنصات لاستغلال نظام المكافأة فى الدماغ، مما قد يغير طريقة بحث الطفل عن المكافآت.
– التعرض للإعلانات الموجهة والمحتوى السلبى وخطاب الكراهية.
التنمر الإلكترونى والتعرض لمحتوى أو علاقات مع أشخاص مجهولين قد يسعون للإيذاء.
فى المقابل، يشير تقرير Raising Children Network إلى أن وسائل التواصل الاجتماعى، إذا استخدمت بشكل آمن ومدروس، يمكن أن تقدم فوائد للأطفال والمراهقين، منها: تعزيز العلاقات الاجتماعية والتواصل مع العائلة والأصدقاء، ودعم التعلم وتوسيع المعرفة، وتنمية الهوايات والاهتمامات، وتعزيز الإبداع من خلال إنشاء محتوى متنوع، ومساعدة بعض الفئات مثل الأطفال ذوى الإعاقة أو من خلفيات ثقافية معينة على إيجاد مجتمعات داعمة.
لكن التقرير يؤكد أن هذه الفوائد لا تتحقق إلا فى ظل وجود إرشادات واضحة للاستخدام، مثل تحديد أوقات ومواقع استخدام المنصات، وضبط إعدادات الخصوصية، والحذر قبل النشر، واحترام الآخرين، وعدم مشاركة المعلومات الشخصية.
وبالرغم من أن بعض الأطفال يظهرون بشكل عابر مع ذويهم فى بداية الأمر، إلا أن إعجاب المشاهدين قد يدفع الأهالى لتصوير أطفالهم ونشر الفيديوهات بشكل شبه يومى حتى يحظوا بمشاهدات وإعجاب قد يحول الأمر لفرصة تربح مالى فيما بعد.
من أشهر الحسابات التى أثارت الجدل حساب الطفلة الأذربيجانية «Nafas Huseynova»، الذى يديره ذووها، ويضم أكثر من 10 ملايين متابع. تنشر الطفلة فيديوهات أثناء اللعب أو الرقص مع أسرتها، لكن التعليقات السلبية تحاصر المحتوى، حيث يتهم البعض الأسرة باستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعى لجعل الطفلة تبدو غير حقيقية، بينما يرى آخرون أن والديها يحرمونها من عيش طفولتها بشكل طبيعى.
وفى مصر، اشتهر الطفل صاحب حساب «زيزو بالسمنة البلضاي»، الذى يعرض من خلال فيديوهاته وجبات الطعام التى تعدها عائلته. ورغم الطابع الطريف للمحتوى، إلا أنه تحول لمادة للسخرية على «تيك توك» وتبادل النكات على الطفل، وقد تستمر تلك النكات موجودة على «تيك توك» أو غيره حتى بعد أن يكبر الطفل عمريًا.
وتطرح هذه الظاهرة تساؤلات حول حدود مشاركة الأطفال على الإنترنت، والتأثيرات طويلة المدى لمثل هذا الظهور على حياتهم ونظرة المجتمع إليهم، ووجود نسبة لندمهم على تلك الفيديوهات، خاصة وأنهم فى عمر لا يسمح لهم باتخاذ قرارات قد تؤثر على حياتهم فيما بعد.
وأكدت النائبة مرثا محروس، وكيل لجنة الاتصالات بمجلس النواب، أن الآليات التشريعية المتعلقة بضبط المحتوى على مواقع التواصل الاجتماعى موجودة منذ فترة، لكن التحدى الأكبر يكمن فى قوة تطبيق هذه التشريعات، بالتوازى مع رفع مستوى الوعى المجتمعى، خاصة فى ظل غياب هذا الوعى لدى شريحة كبيرة من المواطنين.
وأوضحت أن غياب الوعى بأصول التعامل مع وسائل التواصل الاجتماعى يمثل مشكلة رئيسية، مشيرة إلى أن هناك ما يمكن تسميته بـ«الحلقة التنفيذية» التى تربط بين القوانين والتطبيق الفعلى لها على أرض الواقع.
وأكدت أن كثيرين ينظرون إلى وسائل التواصل الاجتماعى باعتبارها أداة للتسلية أو للترويج فقط، فى حين أنها يمكن أن تكون أداة فعالة للتربية والتعليم ودعم التحصيل الدراسى إذا أُحسن استخدامها.
وأضافت أن التشريعات تضع إطارًا واضحًا للتعامل مع المحتوى، سواء كان جيدًا أو سيئًا، لكن الأهم هو الحفاظ على القيم التى تحمى المجتمع من أى استغلال، خاصة فيما يتعلق بظاهرة التربح غير المشروع من المحتوى الموجه للأطفال، وهو ما توليه القوانين الحالية أهمية كبيرة.