
فى أجواء غمرتها الأناشيد والمدائح النبوية، وتزيّنت بأنوار الذكرى العطرة، احتفلت نقابة الصحفيين، مساء أمس الأول، بذكرى المولد النبوى الشريف، فى احتفالية كبرى جمعت بين البعد الدينى والروحانى من جهة، والدور الاجتماعى للنقابة من جهة أخرى، عبر توزيع تأشيرات عمرة على عدد من أعضائها وأسرهم.


الاحتفال الذى امتلأت به قاعة النقابة حمل حضورًا نوعيًا من الشخصيات الدينية والفكرية والإعلامية، فى مقدمتهم الدكتور أسامة الأزهرى، وزير الأوقاف، والدكتور محمد عبدالدايم الجندى الأمين العام لمجمع البحوث الإسلامية، والدكتور محمد مصطفى الياقوتى، وزير الأوقاف السودانى الأسبق، إلى جانب نقيب الصحفيين خالد البلشى، وأعضاء مجلس النقابة، وسط تفاعل واسع من الصحفيين وأسرهم الذين حرصوا على المشاركة فى الأمسية التى امتزجت فيها الكلمة بالإنشاد، والروحانيات بالتكريم.


وقدّم الحفل الإعلامى الدكتور وليد الحسينى، وسط حضور حاشد امتلأ به مسرح النقابة، ليبقى الحدث شاهدًا على مزيج من القيم الدينية والإنسانية والاجتماعية التى تجمع بين الكلمة الصادقة والرسالة الروحية.
وقال جمال عبد الرحيم، سكرتير عام نقابة الصحفيين، لـ«المصرى اليوم»، إن النقابة شهدت فعالية مهمة نظمتها لجنة الشؤون العربية ولجنة الحج والعمرة برئاسة محمد السيد الشاذلى عضو المجلس، حيث تم تسليم تأشيرات العمرة لعدد من الزميلات والزملاء الصحفيين المقرر سفرهم الخميس المقبل.
وكشف عن اتفاق مبدئى بين وزارة الأوقاف ونقابة الصحفيين على تنظيم دورات تدريبية مشتركة، إلى جانب الترتيب لتوقيع بروتوكول تعاون قريبًا بين النقابة ومجمع البحوث الإسلامية يتضمن برامج تدريبية للصحفيين فى مجالات النشر والإعلام الرقمى، وكذلك دورات متخصصة يقدمها الصحفيون المصريون للأئمة فى مجالات الصحافة والإعلام.


وافتُتح اللقاء بتلاوة من آيات الذكر الحكيم للقارئ بالإذاعة والتليفزيون، الشيخ منتصر الأكرت، قبل أن يتقدم نقيب الصحفيين خالد البلشى بكلمة ترحيبية عبّر خلالها عن اعتزاز النقابة بإحياء هذه الذكرى العطرة التى تعكس مكانة رسول الإنسانية صلى الله عليه وسلم فى وجدان الأمة كلها، وأكد أن الاحتفال لا يقتصر على الذكرى الدينية فقط، بل هو تجديد للعهد بالقيم التى جاء بها الرسول الكريم من صدق وأمانة وعدل ورحمة.
وأكد الدكتور أسامة الأزهرى، وزير الأوقاف، خلال كلمته فى احتفالية نقابة الصحفيين بذكرى المولد النبوى الشريف، أن الاحتفال بميلاد النبى الكريم صلى الله عليه وسلم ليس مجرد مناسبة دينية، بل هو مناسبة لإحياء قيم الرحمة وبناء الإنسان وتعزيز محبة الأوطان وإعمارها.
ووجّه الأزهرى التهنئة للصحفيين والصحفيات وأعضاء النقابة بهذه المناسبة، مشيدًا بمبادرة النقابة لإدخال البهجة على قلوب أعضائها عبر توزيع تأشيرات العمرة، داعيًا الفائزين بها أن يجعلوا لمصر نصيبًا من دعائهم فى جوار بيت الله الحرام.
وأشار إلى مبادرة «صحح مفاهيمك» التى أطلقتها الوزارة بالتعاون مع أكثر من ١٥ وزارة وهيئة بالدولة، موضحًا أنها ليست جهدًا فرديًا وإنما عمل مؤسسى يستهدف مواجهة التحديات الفكرية والسلوكية التى يواجهها المجتمع، من خلال تكامل علوم الاجتماع والقانون والإعلام والعلوم الإنسانية.


وتوقف الأزهرى عند هموم الأمة العربية والإسلامية، مؤكدًا أن جراح السودان وليبيا واليمن وسوريا والعراق لا تغيب عن وجدان المصريين، ونرفض رفضًا قاطعًا تهجير أشقائنا الفلسطينيين من أرضهم، ولا حل للقضية الفلسطينية إلا بقيام الدولة الفلسطينية على حدود ١٩٦٧ وعاصمتها القدس الشرقية.
وأضاف أن احتفال هذا العام بالمولد النبوى يكتسب دلالة خاصة لمرور ١٥٠٠ عام على ميلاد النبى صلى الله عليه وسلم، داعيًا إلى استلهام رسالته فى حماية الإنسان من الحزن واليأس والحيرة، وغرس قيم حب الأوطان والعمل والإبداع وبناء العمران.


ووجه التحية لنقابة الصحفيين باعتبارها «المنبر العريق والجامع لرموز الصحافة المصرية»، مؤكدًا أن الصحافة المصرية كانت ومازالت ركيزة أساسية فى حماية الوعى الوطنى، قائلاً: «نحن معًا، وزارة الأوقاف ونقابة الصحفيين وكافة مؤسسات الوطن، نحمل أمانة هذا الوطن على أكمل وجه بإذن الله».
وأشار الدكتور محمد عبدالدايم الجندى، الأمين العام لمجمع البحوث الإسلامية بالأزهر الشريف، إلى أن الصحفى لابد أن يأخذ أمانته وروافد معرفته من سيرة سيدنا رسول الله ﷺ، موضحًا أن ميلاد النبى كان ميلادًا للوجود كله، ولمكارم الأخلاق التى تمثل أساس رسالة الصحافة.
وأضاف «الجندى» أن رسالة النبى ﷺ كانت بلاغًا للحق، ورسالة الصحفى هى بلاء وصبر فى سبيل كشف الحقيقة، مشيرًا إلى أن الصحفى يسير على خطى الرسول حين يشق الظلام بنور الكلمة، والنقد البنّاء هو جوهر العمل الصحفى، مثلما كان الرسول ﷺ يصوب الأخطاء بحكمة ورحمة بعيدًا عن التجريح والتشهير، وهو ما يتناغم مع نزاهة مهنة الصحافة.
وأوضح أن الصحفى الصادق يوجه قلمه للإصلاح وبناء الوطن، وأن التوازن والشمول فى الطرح من سمات الصحافة الراقية، تمامًا كما كان منهج النبى ﷺ فى النظر إلى الصورة الكاملة، لافتا إلى أن تكريم الله تعالى للقلم فى قوله تعالى: «ن والقلم وما يسطرون» يضع مسؤولية عظيمة على الصحفيين، باعتبار الكلمة سلاحًا ووسيلة لبناء الوعى وحفظ التاريخ، مؤكدًا أن الصحافة اليوم مطالبة بتصحيح المفاهيم وكشف التضليل، خاصة فى مواجهة الرواية الصهيونية التى تحاول طمس الحقائق.
وأكد أن الصحفى ليس مجرد ناقل للخبر، بل هو شاهد صدق على الأحداث، ولسان حال الأمة فى قضاياها المصيرية.
وقال الدكتور محمد مصطفى الياقوتى، وزير الأوقاف السودانى الأسبق، إنه يشارك باسم شعب السودان الشقيق فى هذه المناسبة المباركة ليؤكد عمق التوأمة التاريخية بين مصر والسودان، مشيدًا بما وصفه بـ«الأواصر المتجذرة التى صنعها الله بين الشعبين»، والتى انعكست فى الشعر والأدب والفن والموسيقى.
وأضاف أن مصر لم تبخل يومًا بعلمها ولا بعطائها، فهى واحة العروبة وسلاحها، وموطن العلم الذى أنار المنطقة بأسرها»، مشيرا إلى أن هذه الروابط الثقافية والفكرية جعلت حضور الأدباء والشعراء والفنانين من البلدين متداخلًا، حتى بدا وكأن الإعلام واحد والمشرب واحد، مؤكدًا أن هذا الإرث يستوجب إعادة إحيائه فى مواجهة التحديات الراهنة.
وأوضح أن ميلاد النبى محمد صلى الله عليه وسلم يمثل النموذج الأسمى للاقتداء فى قيم الرحمة والأخلاق والقيادة، موضحًا أن الله تعالى وصف القرآن بأنه «عظيم» كما وصف نبيه بأنه «على خلق عظيم»، ليكون وعاءً جامعًا للقيم الإنسانية كافة، واحتفالنا بالمولد لا يقتصر على الجانب الشعورى، بل هو دعوة عملية إلى استلهام القيم النبوية وتطبيقها فى واقعنا، استجابة لقوله تعالى: (وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا).
ونوه بأن احتفال نقابة الصحفيين بالمولد النبوى يعكس زخمًا روحيًا وثقافيًا مهمًا، مشيدًا بما تضمنه من فقرات وبرامج أحيت سيرة النبى الكريم صلى الله عليه وسلم، ومثل هذه الفعاليات تذكّرنا دائمًا بضرورة الاجتماع على حب النبى، الذى يمثل النجاة الحقيقية، ومنه نستمد روح الصبر على الشدائد، والتفانى فى العمل والإخلاص، مؤكّدًا أن السيرة العطرة للنبى مليئة بالدروس المستفادة التى ينبغى استحضارها وتطبيقها فى واقعنا المعاصر.وقال خالد البلشى: «نحتفل بذكرى مولد الرحمة المهداة، سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وهى مناسبة نستعيد فيها معانى الرحمة والمحبة والعمل والإخلاص، التى حملها النبى الكريم للبشرية كلها، إن ميلاد النبى ليس مجرد ذكرى تاريخية، بل هو ميلاد متجدد لقيم العدالة والإنسانية التى نحتاجها فى واقعنا».
وأضاف: «نسأل الله أن يجعل هذه الذكرى العطرة دافعًا لمزيد من العمل والإخلاص فى رسالتنا المهنية، وأن يرحم أمواتنا، وأن يحفظ مصر وشعبها، وأن يديم علينا نعمة الاجتماع على الخير فى كل مناسبة كريمة».
وأوضح جمال عبدالرحيم أن الصحافة المصرية تستمد أخلاقياتها من قلب الرسالة المحمدية، قائلاً: «ميلاد النبى هو ميلاد للصحفى الحر الذى لا يعرف إلا الصدق، ولا يتحرك إلا فى إطار الأمانة، والنقابة تؤمن بدورها المجتمعى فى دعم أعضائها ماديًا ومعنويًا، معتبرًا أن هذه الاحتفالية امتداد لتاريخ طويل من التلاحم بين النقابة وأبنائها.
وعقب الكلمات الرسمية، امتلأت القاعة بالأنغام الروحانية، حيث قدّم المبتهلان بالإذاعة والتليفزيون الشيخ محمود هلال والشيخ منتصر الأكرَت مجموعة من الابتهالات والمدائح النبوية، منها «قمرٌ»، و«تجلّى مولد الهادى»، و«الله الله على نور رسول الله»، وسط تفاعل واسع من الجمهور الذى ردّد الأناشيد فى حالة وجدانية مميزة.
وقدّم الشيخ إبراهيم الصوفى فقرة لشرح مناسك العمرة وفضلها، وتخللها تكريم كل من الدكتور أسامة الأزهرى، والدكتور محمد عبدالدايم الجندى، والدكتور محمد مصطفى الياقوتى بدرع نقابة الصحفيين، قام بتسليمها النقيب خالد البلشى وسكرتير عام النقابة جمال عبدالرحيم.
وأكملت فرقة المداحين من أبناء الطريقة البرهامية الأمسية بعدد من الأناشيد التراثية مثل «سلام سلام يا خير البرايا» و«المصطفى المعصوم»، والتى أضفت على الحفل طابعًا وجدانيًا خاصًا.
وقبل ختام الحفل قدّمت فرقة الساحة للإنشاد باقة من القصائد والمدائح النبوية التى لاقت تفاعلًا واسعًا من الحضور، حيث شدَت بباقة من أشهر الأعمال الروحانية، من بينها: «كل القلوب إلى الحبيب تميل»، ومقطع من البردة للإمام البوصيرى، إلى جانب «يا أفضل الرسل الكرام جميعهم»، و«نسمات هواك لها أرج»، و«نور أطل على الحياة رحيما»، و«بشرى لنا نلنا الهنا»، و«الله يشهد».
واختُتمت الأمسية بتوزيع تأشيرات عمرة على عدد من أعضاء النقابة وأسرهم، فى إطار مبادراتها الاجتماعية لدعم الصحفيين ورعاية أسرهم، وهو ما جمع بين بهجة الذكرى العطرة وتقدير الدور المجتمعى للنقابة.
وقال الشيخ محمود هلال، المبتهل بالإذاعة والتليفزيون، لـ«المصرى اليوم»، إن مشاركته فى احتفال نقابة الصحفيين بالمولد النبوى الشريف تمثل سعادة خاصة له، مؤكدًا أن هذه الذكرى العطرة تجدد معانى المحبة والاشتياق لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وتبعث الأمل والروحانية فى قلوب المصريين.
وأضاف أن الابتهالات والمدائح النبوية التى يرددها المنشدون فى مثل هذه المناسبات تفتح القلوب على معانى الرحمة والصفاء، وتذكّر الأمة بسيرة نبيها الكريم وما تحمله من دروس فى الإخلاص والعمل والصبر على الشدائد، مشددًا على أن مصر ستظل عامرة بأفراحها واحتفالاتها بميلاد النبى فى كل زمان ومكان.
يُذكر أن نقابة الصحفيين اعتادت على إحياء المناسبات الدينية والوطنية، ليس فقط باعتبارها طقوسًا روحانية، وإنما باعتبارها فرصة للتواصل بين أعضائها وأسرهم، وتعزيز البُعد الاجتماعى للنقابة.