
يعد «ألبرت شفايتزر» أحد أعظم عقول القرن العشرين، فقد كان باحثًا وطبيبًا وفيلسوفًا وعالم لاهوت، اشتهر شفايتزر كعازف أرغن فى الحفلات الموسيقية، وذاع صيته عالميًا كعالم موسوعى. حصل شفايتزر على جائزة نوبل للسلام عام 1952 عن فلسفته فى «تقديس الحياة»، والتى عبّر عنها بطرق عديدة، أبرزها تأسيسه ودعمه لمستشفى ألبرت شفايتزر فى لامبارينيه لعلاج المرضى الفقراء بإفريقيا الاستوائية الفرنسية «الجابون حاليًا».
وُلد ألبرت شفايتزر فى 14 يناير 1875 لعائلة ألزاسية- منطقة الألزاس التى كانت جزءًا من ألمانيا فى ذلك الوقت، ثم أصبح مواطنًا فرنسيًا فى عام 1920، عبر انتقال المنطقة إلى فرنسا فى نهاية الحرب العالمية الأولى- كرّست أجيالًا للدين والموسيقى والتعليم. كان والده وجده لأمه قسيسين، وكان جدّاه عازفى أرغن موهوبين.
التحق شفايتزر بدراساته اللاهوتية عام 1893 فى جامعة ستراسبورج. وحصل على درجة الدكتوراه فى الفلسفة عام 1899، وحصل على إجازة اللاهوت عام 1900. بدأ الوعظ فى كنيسة القديس نيكولاس فى ستراسبورج عام 1899، وشغل مناصب إدارية رفيعة مختلفة من عام 1901 إلى عام 1912 فى كلية القديس توما اللاهوتية، وهى الكلية التى التحق بها فى جامعة ستراسبورج. فى عام 1906، نشر كتاب «البحث عن يسوع التاريخى»، وهو الكتاب الذى ارتكزت عليه شهرته كباحث لاهوتى. كتب سيرة ذاتية لباخ عام 1905 باللغة الفرنسية، ونشر كتابًا عن بناء الأرغن والعزف عليه عام 1906، وأعاد كتابة كتاب باخ باللغة الألمانية عام 1908.
قرر شفايتزر الذهاب إلى إفريقيا كمبشر طبى بدلاً من قس، فبدأ عام 1905 دراسة الطب فى جامعة ستراسبورج. وفى عام 1913، وبعد حصوله على شهادة الطب، أسس مستشفاه فى لامبارينيه بإفريقيا الاستوائية الفرنسية، ولكن فى عام 1917، أُرسل هو وزوجته إلى معسكر اعتقال فرنسى كأسرى حرب. وبعد إطلاق سراحه عام 1918، أمضى شفايتزر السنوات الست التالية فى أوروبا، يُلقى محاضرات فى كنيسته القديمة، ويُلقى حفلات موسيقية، ويتلقى دورات طبية، ويكتب «على حافة الغابة البدائية»، و«اضمحلال الحضارة واستعادتها»، و«الحضارة والأخلاق»، و«المسيحية وأديان العالم».
عاد شفايتزر إلى لامبارينيه عام 1924، وكان طبيبًا وجراحًا فى المستشفى، وقسًا لإحدى الكنائس، ومديرًا لقرية، ومشرفًا على المبانى والأراضى، ومؤلفًا لكتب علمية، ومعلقًا على التاريخ المعاصر، وموسيقيًا. نال العديد من الأوسمة، منها جائزة جوته من فرانكفورت، وشهادات دكتوراه فخرية من جامعات عديدة تُشيد بإنجازاته. مُنحت له جائزة نوبل للسلام لعام 1952، التى حُجبت عنه فى ذلك العام، وتسلمها فى 10 ديسمبر 1953. وبجائزة قدرها 33 ألف دولار، أنشأ دارًا لعلاج مرضى الجذام فى لامبارينيه. توفى ألبرت شفايتزر فى 4 سبتمبر 1965، ودُفن فى لامبارينيه.
طبق شفايتزر وجهة النظر المُتمثلة فى مفهوم تقديس الحياة على مسألة ذات أهمية عالمية الانتشار النووى، نشط دوره فى الحركة المناهضة للأسلحة النووية خلال خمسينيات وستينيات القرن الماضى. انضم إلى علماء بارزين لرفع مستوى الوعى العام بضرورة حظر التجارب النووية. مُشددًا على المسؤولية الشخصية لكل فرد تجاه الأجيال الحالية والمستقبلية.
يحتوى كتابه «سلام أم الحرب النووية؟»- صدر فى الأصل باللغة الإنجليزية عام 1958- على ثلاثة خطابات أذيعت من أوسلو بالنرويج فى 28، 29، 30 إبريل فى عام 1958، وهى: «التخلى عن التجارب النووية– خطر الحرب الذرية– المفاوضات على أعلى مستوى» الأقسام الثلاثة من العمل منقولة من برامجه الإذاعية. فى هذا الكتاب الصغير يُطبّق شفايتزر خبرته الفلسفية على أعظم قضية فى ذلك العصر. الانتشار النووى فى نداءات واضحة للجمهور العالمى، يثير القضية ضد الحرب النووية. كما يُظهر فيها غباء وخطورة استمرار سباق التسلح النووى والتجارب النووية التى جرت خلال بدايات الحرب الباردة. ويذهب شفايتزر إلى أبعد من ذلك مُوصيًا بنزع السلاح، لكنه يُجادل بأن ذلك يتطلب تنمية بشرية جذرية: يجب على البشر أن يُنمّوا «روحًا» جديدة من الثقة والأخوة، والتى ستتحقق بإدراك الناس أنها السبيل الوحيد للتقدم والازدهار فى المستقبل. كلمات مُلهمة وصادقة، وإن كانت البشرية، للأسف، لم تُدركها بعد.


فى نداءاته «سلام أم الحرب الذرية؟» يستخدم شفايتزر الإحصاءات والحجج الأخلاقية، لتسليط الضوء على مخاطر الانتشار النووى والحث على إنهاء سباق التسلح من أجل مستقبل البشرية، كما كتب موضحًا فى خطابه الأول «التخلى عن التجارب النووية»: «إن القول الفصل بشأن التجارب النووية ليس لعالم الفيزياء، فهذا الحق يعزى إلى علماء الأحياء والأطباء الذين درسوا الإشعاع الداخلى والإشعاع الخارجى على حد سواء- كما يشدد ألبرت- جاءت الضربة القاضية للدعاية المطمئنة مع الإعلان الموقع من قبل 9235 عالمًا من جميع الدول والمسلم يدًا بيد من العالم الأمريكى الشهير د. لينوس بولينج إلى السكرتير العام للأمم المتحدة فى 13 يناير 1958. فقد أعلن العلماء أن النشاط الإشعاعى الذى ينشأ تدريجيًا عن التجارب النووية يشكل خطرًا بالغًا على أنحاء العالم كافة، ويعد خطيرًا للغاية، لأن عاقبته ستكون عددًا متزيدًا من الأطفال المشوهين فى المستقبل. ولهذا السبب طالبوا باتفاق دولى يضع حدًا للتجارب النووية». كان الكتاب بمثابة تعليق قوى وموجز على سباق التسلح النووى وكان صوتًا مهمًا فى الحركة الأوسع لإنهاء التجارب النووية.