«جبلٌ على كتفى».. عندما يتحقق الانسجام والتماسك النصى فى الكتاب الشعرى

«جبلٌ على كتفى».. عندما يتحقق الانسجام والتماسك النصى فى الكتاب الشعرى

صدر عن بيت الحكمة للثقافة كتاب شعرى للشاعرة سارة حامد حواس، يتضمن ٣٨ قصيدة كتبتها فى الفترة من أغسطس ٢٠٢٤ حتى مارس ٢٠٢٥.

وفى هذا الكتاب الشعرى «جبلٌ على كتفى» نحن أمام لسان مغاير يحتفى باللغة فى إشراقها وتجليها؛ مبتعدا عن القوالب المقننة، والمحفوظة أكاديميا، فقد تخلت الشاعرة فى نصوص كتابها الشعرى عن أكاديميتها الصارمة، والشعر بطبيعته كائن فوضوى يبحث عمن يسكن هذه الفوضى فى حركية مستمرة.

فالشاعرة تعيد تشكيل ذواتها المتأرجحة منتجة شعرا ليس وصفيا، مستغلة طاقتها الإبداعية التى كمنت طويلا؛ كى تفجر جزءا من سيرتها مع أمكنة وأزمنة وبشر، وكان مبضعها حادا، وهى تقطع أوصال الأنفس التى التقت فى مسيرتها، سائرة فى خط مواز تارة، ومتقاطع تارة أخرى لتقدم سمات لروحها المنشطرة، والتى رأيتها طبقات فوق بعضها البعض.

هذا كتاب شعرى يمكن أن تقرأه بوصفه سيرة لروح، أو تتعامل معه بوصفه سجادة فارسية، تتكون من نسيج واحد، اشتغلته يد عارفة ماهرة فى توزيع الألوان وتداخلها، بحيث عندما تنتهى من القراءة تكون قد خرجت برؤية كلية لعالم سارة حواس عبر شبكة من الجماليات والعلاقات التى تحمل النص الكلى إلى أفق جديد.

تكتب سارة حواس بضمير المتكلم، ولكن ليس من باب التعظيم والتفخيم، فالشاعر لا يفعل ذلك؛ لأنه آت من مناطق الهزيمة والضعف والانكسار، والكتابة تقويه، وتضعه فى مرتبة ومكانة أخريين.

ولكنها ذهبت نحو ضمير المتكلم للالتفات بشكل تلقائى من دون تعمد أو تكلف؛ كى لا يسأم قارئها أو يمل، جاذبة إياه، وأيضا للاعتراف والكشف وإزالة الستر والحواجز، ولا شك أن الشاعرة سارة حواس على وعى بأن الشعر هو الجنس الأدبى الذى يمارس فيه «ضمير المتكلم» طغيانه، فنحن نرى «أنا» الشاعرة القلقة الباحثة عن المعنى، معنى وجودها، ولغتها، تحملها مخيلة قوية تتسم بالبكارة والجدة، ومن ثم جاءت النصوص التى قامت على هذا الضمير سلسة، عمادها الوضوح، وليس المباشرة والتقريرية، فالذات الشاعرة تهدم وتبنى فى الوقت نفسه، فهى تقلب حقائق الأشياء والكائنات، إذ لها نظر خاص إلى هذا العالم، مستخدمة إيقاعات خافتة من خلال التكرار وتتابع ضمير الشاعرة الذى يتكلم، وقد تجلى ذلك فى نصوص كثيرة فى كتابها الشعرى (جبل على كتفى) القائم على العلاقات الشكلية والدلالية المبتكرة بين أجزاء التعبير الشعرى.

يتحقق الانسجام والتماسك النصى والترابط بين الأجزاء المتناثرة فى الكتاب الشعرى، واستخدام سارة حواس لضمير المتكلم وتوظيفها له أضفى على نصها حيوية وحركة فى أدائها، وجعل جوهر المعنى قريبا رغم بعده الذى يحتاج إلى تأويل أكثر مما يحتاج إلى شرح أو تفسير.

ولا تقع الشاعرة فى النمط السائد، فهى تكسر ما تعارف عليه، وتغامر لغويا خارجة عن السياق الشائع، فهى تغادر ما هو تقليدى وسائد ومكرر، بحيث نجد أنفسنا طوال الوقت أمام دهشة لم تكن منتظرة، فالشاعرة تحول كل ما تراه إلى مادة شعرية، مستنطقة ذاتها بأكثر من طريقة أسلوبية، ذات الشاعرة التى تأسست على ضمير المتكلم (أنا) جاءت فى الكتاب الشعرى فاعلة ومنتجة للفعل، وبانية للدلالة، حتى إنها تمثل عصب الكتاب الشعرى، حيث تثرى النص بدلالات متنوعة. وبقدر ما كشفت الشاعرة فقد أضمرت وأخفت وسترت؛ لإدراكها أن الشعر فن الكشف والإخفاء معا.

وقد وظفت الشاعرة سارة حواس ضمير المتكلم فى كتابها الشعرى بشكل اعتمد على حاستها وحدسها فى تعاملها مع اللغة؛ الأمر الذى جعل النص الشعرى يأتى واحدا محمولا على الترابط والتماسك.

وترتكز سارة حواس على مشهدية لافتة متغيرة تعول على تحولات نفسية وروحية تصعد وتهبط، مستفيدة مما انتهى إليه الشعر فى العالم، وما وقر فى صدر ذاكرتها التى لا تنسى، معتبرة (الشعر لحظة ميلاد بعد موت طويل)، وأنه (ولادة من رحم تتألم)، وأنه (لغة لا تعرف الكلام)، (نزيف صامت)، (جسد بقلبين)، وبمصاحبتها الفطرية للشعر جعلتها تكشف عن قانونها غير الملزم لها أو لأحد سواها؛ لأنه يتغير بتغير الحال، فجرحت قانون السكون والحركة فى إيقاعها الشعرى وارتأت أن الشعر (موسيقى تاهت من نوتتها)، و(ساعة بلا عقارب)، و(تفاحة سقطت على رأس نيوتن).

ففى كتابها الشعرى تستبعد أى نظام مسبق من عقيدتها الشعرية، وهى تركض داخلها، حيث يطير كلامها بعيدا، وهى عادة ما تتحرك داخل النص تحركا منضبطا حتى وإن شطحت، وما رأيت أحسن من الشطح عند الشاعر؛ لأنه لا يصدر إلا عن أهل المعرفة، حيث التباعد والاسترسال، ومن يتجوهر يشطح، وهو مستحب فى الشعر وسواه من الفنون.

غلاف الكتاب

ونورد هنا ثلاث قصائد من «جبل على كتفى»:

صفحة بيضاء

صفحة بيضاء خاوية

محت أى لون زائد عليها.

صفحة قوية تحملت كل الألوان

حتى الأسود صار رفيقها طويلا

تشبث بها

صار جزءا منها

لكنها أعلنت تمردها عليه

تشبث بها أكثر فتمردت أكثر

فاقت قوتها تشبثه

فصارت حرة.

قصيدة ناقصة

كتبت قصيدة قصيرة

لكنها موحية

شعرت بانتهائها عند هذه الكلمة: «حرة»

لماذا شعرت حينها بوخزة فى معدتى؟

هل لأنها شعرت بنقصان أم بعدم الاكتمال؟

حدسى تمتم بكمالها

قلبى دق ناقوس الصمت

كل ما فى هتف بالاكتفاء عند هذا الحد

لكننى مازلت أتألم

شعور غريب ضرب عصفورى الأزرق

لم يهدأ حتى هممت بكتابة قصيدة أخرى

لم يطر حتى بدأت أنبش بكلمات فى كتاب الشعر

طارت من رأسى على صفحتى البيضاء

لم أشعر بها، طارت من دون أجنحة

همست فى فمى بدلا من أذنى

سمعتها، شعرت بها

فكتبت قصيدة ناقصة.

لا أفكار فى المتن

مجرد هوامش تجتاح الغرفة.

لا صوت فى الضجيج

مجرد أفواه تتحرك صامتة.

لا شىء ساكن

مجرد حركات فى الهواء بلا هدف.

لا أعين فى الوجوه

مجرد رؤوس عمياء بلا حواس.

لا شق فى القلب ليدخل إليه النور

مجرد حجر أصم يعوى فى العتمة.

لا جرس فى مدارس الغزلان

مجرد أشباح تطوف فى المقبرة.

لا قمر فى النافذة

مجرد كرة بيضاء تتقاذفها فتيات

فى العشرين.

لا أجيد التفلسف

ولا التحدث عن

فلاسفة أولين.

فقط أجيد التحدث

عما يقسم روحى نصفين:

كقراءة قصيدة طويلة

كتبتها شاعرة وهى تحلم

أو كترجمة قصيدة

كتبها شاعر عاشق

يعد حبيبته بالبقاء

أجيد التحدث عما

يحمل روحى إلى كل عال

وعمن نسج روحه بطاقة حب

قدمها فى يوم أثير

عمن سخر أشجاره السخية

لتظلل روحا بهتت إثر فراق

غير محسوب.

قالوا لى: «أنت صوفية الهوى»

ولم أتحدث عنها

رددت بهمهمة المحبين

همست بضحكة منتصرة:

بل هذا عدوى المحبين

وقد صدر للشاعرة سارة حامد حواس من قبل

«ثقب المفتاح لا يرى: عشرون شاعرة أمريكية حائزات على جائزتى نوبل وبوليتزر، بيت الحكمة للثقافة (يناير ٢٠٢٤)، القاهرة، الطبعة الثانية مايو ٢٠٢٤ ميلادية، ووصل إلى القائمة القصيرة لجائزة جابر عصفور للترجمة التى ينظمها المركز القومى للترجمة، القاهرة مارس ٢٠٢٥

و«قبلة روحى: مائة قصيدة قصيرة من شعر أحمد الشهاوى»، جامعةكلكتا، الهند (أغسطس ٢٠٢٤)،

«ولاؤهم للروح.. عشرون شاعرا أمريكيا حازوا جائزة بوليتزر» مختارات شعريك وسير، بيت الحكمة للثقافة، يناير ٢٠٢٥، القاهرة؟

وتعمل الشاعر سارة حامد حواس مدرسا بقسم اللغة الإنجليزية، كلية الآداب، جامعة المنصورة

– وشاركت فى مهرجان الشعر العالمى مراكش، المغرب (إبريل ٢٠٢٤).

– ومهرجان مينيج باو الدولى، بادنج، إندونيسيا (مايو ٢٠٢٤)، وقدمت ورقة بحثية بعنوان «محو الأمية الثقافية من وجهات نظر مختلفة.

– وشاركت فى لقاء المفكرين والكتاب، كلكتا، الهند (نوفمبر ٢٠٢٤) ضيفة شرف. وأقيم لها حفل لتوقيع كتابها «قبلة روحى: مائة قصيدة قصيرة من شعر أحمد الشهاوى».

– كما شاركت فى مهرجان بابل الدولى للثقافات والفنون إبريل ٢٠٢٥م.

وقد أشرفت على القراءات الشعرية للشعراء الأجانب فى الدورتين الخامسة والخمسين والسادسة والخمسين ٢٠٢٤، ٢٠٢٥ بمعرض القاهرة الدولى للكتاب.







تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *