
كشفت دراسة حديثة عن نوع جديد من أساليب التجسس «عن بُعد» باستخدام مستشعرات «الموجات المليمترية»، إذ حذر فريق من الباحثين في مجال علوم الحاسوب من أسلوب تنصت يُسمى Wireless-Tap، الذي يمكنه التقاط المحادثات الهاتفية من خلال الاهتزازات الدقيقة التي تحدثها سماعة الهاتف أثناء المكالمات.
وأظهرت الدراسة التي نُشرت في مؤتمر WiSec 2025 التابع للجمعية الدولية للحوسبة ACM، المتعلق بالأمن والخصوصية في الشبكات اللاسلكية والمتحركة، كيف تمكن الباحثون من استخدام مستشعر رادار يعمل بتقنية الموجات المليمترية لالتقاط الاهتزازات الناتجة عن المكالمات وتحويلها إلى نصوص مفهومة، حتى من مسافة تصل إلى حوالي 3 أمتار.
وعلى الرغم من أن دقة التقنية الحالية تصل إلى 60% فقط، خاصة عند التعامل مع مفردات تضم حوالي 10 آلاف كلمة، إلا أن الباحثين أشاروا إلى أن هذه النسبة كافية لإثارة القلق بشأن خصوصية الأفراد في المستقبل، إذ يمكن استغلالها لالتقاط كلمات أو أجزاء من محادثات هامة.
وتعد هذه الدراسة جزءًا من مشروع سابق تم تنفيذه في عام 2022، حيث تمكن الفريق من التعرف على كلمات وأرقام وحروف معينة باستخدام رادار وبرمجيات خاصة، مع دقة بلغت 83%.
وهدف الدراسة كان دراسة إمكانية استغلال هذه التقنيات من قبل جهات خبيثة للتنصت على المكالمات الهاتفية عن بُعد، وأوضح الباحثون أن هذه النتيجة ممكنة تقنيًا في ظروف معينة، داعين إلى زيادة الوعي لدى الأفراد حول المخاطر التي قد تواجه خصوصيتهم خلال المكالمات الحساسة.
وأوضح الباحث الرئيسي في الدراسة، سورياودي بساك، أن الأشخاص عند إجراء مكالمات هاتفية عادةً ما يتجاهلون الاهتزازات التي تحدثها سماعة الهاتف والتي تنتقل إلى الجهاز ككل.
وقال بساك: «إذا استطعنا التقاط هذه الاهتزازات باستخدام رادار عن بُعد، ثم معالجتها بواسطة أنظمة تعلم آلي قادرة على تفسير السياق، يمكننا تحديد ما يُقال وتحويله إلى نصوص».
وأضاف أن الهدف من هذه الدراسة هو «فهم الإمكانيات التقنية وتحذير الناس من المخاطر المحتملة».
وتعاون الفريق مع ماهاث جودا، الأستاذ المشارك في علوم وهندسة الحاسوب، واستخدموا مستشعر رادار بالموجات المليمترية، وهو نفس النوع المستخدم في السيارات ذاتية القيادة وشبكات الجيل الخامس.
كما استكشفوا إمكانية تطوير أجهزة صغيرة يمكن دمجها في أدوات يومية مثل الأقلام.
وأكد الباحثون أن التجربة كانت لأغراض بحثية بحتة، تحسبًا لما قد يطوره الأشخاص أو الكيانات الخبيثة في المستقبل.
ولاستخلاص البيانات الصوتية من الإشارات الملتقطة بواسطة الرادار، عدّل الفريق نموذج Whisper مفتوح المصدر، والذي يعتمد على الذكاء الاصطناعي لفهم الكلام، حيث استخدموا تقنية التكيف منخفض الرتبة (Low-Rank Adaptation)، التي تتيح إعادة تدريب 1% فقط من معاملات النموذج لتتكيف مع بيانات الرادار.
وفي التجربة العملية، وضع الباحثون مستشعر الرادار على مسافة عدة أمتار من الهاتف لالتقاط الاهتزازات الدقيقة الناتجة عن الصوت الصادر من سماعة الهاتف، ثم تم إدخال هذه الإشارات إلى النموذج المعدّل، مما أسفر عن تحقيق دقة بلغت 60%.
وأشار الباحثون إلى أن هذه النسبة قد تتحسن من خلال تصحيحات يدوية تعتمد على السياق، مثل تعديل الكلمات أو العبارات عندما يكون هناك معرفة مسبقة بسياق المكالمة.
المقارنة مع قراءة الشفاه
شبه الفريق البحثي التقنية الجديدة بعملية قراءة الشفاه، حيث توفر قراءة الشفاه دقة تتراوح بين 30% و40% من الكلمات المنطوقة، لكن القارئ يستخدم النماذج السياقية لفهم المحادثة بشكل أفضل.
وأضاف بساك: «كما يمكن لقارئي الشفاه تفسير المحادثات استنادًا إلى سياق محدود، فإن نتائج نموذجنا، إذا أُدرجت مع معلومات سياقية، يمكن أن تساعد في استخراج أجزاء من المكالمات الهاتفية عن بُعد».