علي جمعة

في خطوة فكرية جديدة تعكس رؤيته العميقة لواقع الأمة الإسلامية ومستقبلها، دعا الدكتور علي جمعة، عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف ومفتي الجمهورية الأسبق، إلى تأسيس علم جديد يُطلق عليه “حفريات القرآن”، يكون مخصصًا لاستكشاف الأبعاد الجغرافية والتاريخية للنصوص القرآنية باستخدام أدوات علمية حديثة، بما يسهم في استعادة الدور الحضاري للأمة الإسلامية.
توليد العلوم شرط للمشاركة الحضارية
وخلال ظهوره في بودكاست “مع نور الدين”، أوضح الدكتور علي جمعة أن عودة المسلمين للمشاركة الحضارية العالمية لا تتحقق إلا عبر توليد علوم جديدة تواكب العصر، قائلًا:”توليد العلوم سمة من سمات الحضارات. لا بد أن نبتكر ونضيف، لا أن نكرر ما قاله السابقون فقط”.
واقترح في هذا السياق تأسيس علم جديد يخدم النصوص القرآنية تحت اسم “حفريات القرآن”، يتضمن قواميس ومراجع متخصصة تتناول مواقع الأنبياء، وأحداث التاريخ القرآني، وتوثيق الأزمنة والأمكنة التي وردت في الكتاب الكريم.
ما هو المقصود بـ”حفريات القرآن”؟
فسّر الدكتور علي جمعة هذا المفهوم الجديد بقوله:”يعني فين سفينة نوح؟ فين الكهف اللي اتكلم عنه القرآن؟ فين أصحاب الجنة؟ فين هي سبأ؟ وإيه حكايتها؟”.
وأوضح أن هذا العلم يجب أن يتناول مواقع مثل سد ذي القرنين، والبوابة الحديدية، وأماكن يأجوج ومأجوج، ويبحث في القبائل المرتبطة بهم، مؤكدًا أن هذه الأسئلة المشروعة بحاجة إلى إجابات علمية دقيقة، تُبنى على أُسس جغرافية وتاريخية ومعرفية.
دعوة للاقتداء بالتجربة المسيحية
وأشار إلى أن المؤسسات الدينية المسيحية سبقت في هذا المجال، عبر تأسيس قواميس ومراجع شاملة للكتاب المقدس، وثقت المواقع الجغرافية بدقة، مثل “فاران” و”الصحراء”، وهو ما اعتبره نموذجًا يُحتذى به في التعامل مع القرآن الكريم.
جهود سابقة ومبادرات فردية
واستشهد الدكتور علي جمعة بعدد من الجهود السابقة في هذا المجال، من أبرزها كتاب للشيخ أحمد حسن الباقوري، طُبع في دار الشعب، بالإضافة إلى ما نشره المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية في مجلدين كبيرين، تناول فيهما العالم أبو الكلام الأزديبادي آراء الإدريسي ورحلاته الاستكشافية في هذا السياق.
كما لفت إلى أن هناك مبادرات فردية بدأت بالفعل باستخدام أدوات حديثة مثل Google Earth لمحاولة تحديد مواقع وردت في القرآن، لكنه شدد على أهمية تحويل هذه الجهود الفردية إلى علم أكاديمي مؤسسي، له مناهجه وتخصصاته، يمكن الحصول فيه على درجات علمية مثل الماجستير والدكتوراه.
علم مستقل ومدارس أكاديمية
واختتم علي جمعة دعوته بالتأكيد على أن “حفريات القرآن” يجب أن يتحول إلى علم مستقل تُبنى حوله المدارس والبرامج الأكاديمية، ويُعقد له مؤتمرات علمية دولية، بحيث يسهم في إحياء العلاقة بين النص القرآني والتاريخ والجغرافيا، ويُقدّم فهمًا معاصرًا يعزز من مكانة الإسلام في الخطاب الحضاري العالمي.