مسجد أحمد بك الديب بالشرقية.. تحفة معمارية توثق قرنًا من التاريخ

مسجد أحمد بك الديب بالشرقية.. تحفة معمارية توثق قرنًا من التاريخ

تُعد محافظة الشرقية واحدة من أبرز المحافظات ذات الطابع التاريخى العريق، لما تتمتع به من موقع جغرافى متميز، وثروات أثرية فريدة تعكس حضارة ممتدة منذ آلاف السنين، وتحديدًا من خلال ما تضمه من آثار إسلامية وقبطية تعود إلى عصور تاريخية متعددة، بدءًا من العصور الفرعونية، وحتى الأيوبية، والعثمانية.

مسجد أحمد بك الديب

وتنفرد الشرقية دون غيرها من محافظات الوجه البحرى بوجود عدد كبير من المعالم والمواقع الأثرية التى تنتشر بين ربوعها، فضلًا عن متاحفها المتنوعة التى تضم كنوزًا من المعلومات التاريخية والحضارية، والتى تمثل نوافذ ثقافية تطل على الماضى، وتسهم فى تعزيز فهم تاريخ الأمة وهويتها الثقافية.

وتحرص «المصرى اليوم» دائمًا على رصد الآثار الإسلامية والقبطية فى محافظة الشرقية، والتى ربما لا يعلمها الكثير رغم أنها تعكس أهمية المحافظة التاريخية على مدار العصور.

مسجد أحمد بك الديب

يقول الدكتور مصطفى شوقى، مدير عام الآثار الإسلامية والقبطية بالشرقية، أن المتاحف لم تعد فقط أماكن لعرض القطع الأثرية، بل أصبحت مراكز علمية وتثقيفية هامة، تلعب دورًا محوريًا فى نشر العلوم والمعرفة، وتوثيق التراث الإنسانى، إلى جانب مساهمتها فى تشكيل الوعى المجتمعى وإحياء روح الانتماء.

مسجد أحمد بك الديب

وأضاف مدير عام الآثار الإسلامية والقبطية، إن محافظة الشرقية تُعد من المحافظات ذات المكانة التاريخية العظيمة، لما تضمه من كنوز أثرية ترجع إلى آلاف السنين، وتشكل جزءًا هامًا من التاريخ المصرى، وتمتلك تراثًا فريدًا يجمع بين عراقة التاريخ، وجمال العمارة الإسلامية، وأصالة التقاليد، ومن بين هذا التراث يقف مسجد أحمد بك الديب بمدينة الزقازيق، كأحد أبرز الشواهد الحية على روعة العمارة الإسلامية الحديثة فى دلتا مصر.

شُيّد مسجد سيد بك أحمد الديب عام ١٣٢٦هـ / ١٩٠٨م، ويقع فى أحد التقاطعات الحيوية بمدينة الزقازيق، فى زاوية حادة من الشارع، ما أضفى على تصميمه شكلًا معماريًا غير تقليدى يشبه شبه المنحرف، وقد استطاع المعمار أن يستغل هذا الموقع لينتج عملًا معماريًا نادرًا على مستوى محافظات الدلتا.

وأوضح «شوقي»، أن المسجد يُصنف ضمن الآثار الإسلامية المسجلة رسميًا، كواحد من النماذج التى تجمع بين جمال التصميم ووظائف المبنى المتعددة، لافتًا أنه ليس مجرد مسجد للصلاة، بل مركز دينى، وتعليمى، وسكنى، وتجارى فى آن واحد، وأن تخطيطه الذكى يجعله من أقرب النماذج إلى المجموعات المعمارية الكبرى فى القاهرة التاريخية.

وصف الدكتور مصطفى شوقى المسجد بأنه يجمع بين الطراز المملوكى والحداثة، حيث يبلغ ارتفاع الواجهة الرئيسية حوالى ٦ أمتار يتوسطها مدخل تذكارى بارز يتكون من عقد ثلاثى مملوء بالمقرنصات الدقيقة على هيئة خلية نحل، ويستند المدخل إلى عمودين اسطوانيين بتاج كورنثى فاخر، ويعلو المدخل نقش تأسيسى يحمل اسم المنشئ وتاريخ البناء، كما أن المئذنة مكونة من ثلاثة طوابق: «قاعدة مربعة، بدن مثمن، بدن أسطوانى، قبة مضلعة صغيرة»، وتتميز بنوافذ ذات عقود منكسرة ومشربيات حجرية، ما يعكس الدقة والزخرفة الإسلامية التقليدية.

وتابع مدير عام الآثار الإسلامية والقبطية، أن هناك ضريحًا يقع داخل المسجد، ويضم قبر السيد أحمد بك الديب، وهو مصنوع من رخام فاخر بزخارف مشابهة لمدافن الإمام الشافعى، وحوش الباشا، تعلوه أبيات شعرية بخط الثلث تتحدث عن كرم المنشئ ومكانته، مؤكدًا أن دمج هذه العناصر المعمارية بهذا الشكل فى بناء واحد هو انعكاس لفكر معمارى متقدم للغاية، ويدل على أن المنشئ كان يطمح لبناء مؤسسة مجتمعية متكاملة، وليس مجرد مكان للعبادة.

وأضاف أن محافظة الشرقية لا تقل أهمية عن غيرها من المحافظات الكبرى من حيث التراث، لكنها فقط بحاجة إلى إعادة اكتشاف وتسليط الضوء على كنوزها المنسية، لافتًا مسجد أحمد بك الديب يعد نموذجًا لما يمكن أن تساهم به العمارة الإسلامية فى تشكيل وجدان المجتمع، ليس فقط عبر الطراز، بل من خلال الوظيفة الاجتماعية، والدينية، والتعليمية التى قدمها المسجد على مدار أكثر من قرن، وإذا أردنا أن نحافظ على هويتنا الثقافية، فعلينا أن نعيد النظر فى تراثنا المحلى، ونمنحه التقدير والاهتمام الذى يستحقه، وأن المسجد ما هو إلا صفحة ناصعة من هذا التراث، تستحق أن تفتح على مصراعيها أمام الأجيال القادمة.

وأكد «شوقي» أن قطاع الآثار يعمل بالتنسيق مع مختلف الجهات المعنية على تنظيم عدد من الندوات التثقيفية داخل المحافظة، بهدف توعية الشباب والطلاب بأهمية الآثار الإسلامية والقبطية الخاضعة لإشراف وزارة السياحة والآثار، والتى تنتمى لعصور تاريخية متعددة، وذلك فى إطار تعميق الشعور بالانتماء الوطنى، وتعزيز الاعتزاز بالتراث والحضارة المصرية لدى الأجيال الجديدة، بما يسهم فى الحفاظ على الهوية الثقافية المصرية.

وتابع مدير عام الآثار الإسلامية والقبطية، أن محافظة الشرقية تحتضن العديد من المواقع الأثرية التى تعود إلى العصور الإسلامية والقبطية، والتى تُمثل امتدادًا تاريخيًا يعكس تعاقب الدول والأسر الحاكمة على أرضها، وتنتشر بين قراها ومدنها المساجد الأثرية، والأديرة، والمقامات، والقباب، والقصور التى ترجع إلى عصور الأيوبيين، والمماليك، والعثمانيين.







تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *