مصير الإخوان في سوريا: بين إرث الماضي وسياقات الجغرافيا الجديدة

مصير الإخوان في سوريا: بين إرث الماضي وسياقات الجغرافيا الجديدة

من رحم الصدام التاريخي إلى امتحان التكيّف في سوريا الجديدة

الإخوان.. مشروع يتجاوز التنظيم

لم تكن جماعة الإخوان المسلمين يومًا مجرد كيان تنظيمي عابر، بل حملت منذ لحظة التأسيس فكرة تتجاوز حدود الزمان والمكان، لتصبح بمثابة مشروع فكري ـ ديني يسعى إلى إعادة تشكيل المجتمع وفق رؤيتها. غير أن التاريخ أثبت أنّ هذا المشروع ظلّ محكومًا بصدام دائم مع الدولة الحديثة، بدءًا من مصر حيث وُلدت الجماعة، إلى بقية الساحات العربية والإسلامية. وفي كل محطة، كان الصدام يأخذ شكلاً مختلفًا: مرة مع نظام ملكي، وأخرى مع جمهوري عسكري، وثالثة مع تحولات اجتماعية عميقة.. .،

اليوم، تدخل الجماعة في سوريا لحظة حرجة لا تقل تعقيدًا عما عرفته في بلد المنشأ. فبعد سقوط نظام الأسد، يتكشف أمام السوريين سؤال أعمق من مجرد تقاسم سلطة: أي مستقبل يمكن لجماعة عقائدية ـ تنظيمية أن تجده في دولة خرجت من رحم حرب طويلة، وهي تتجه نحو إعادة بناء ذاتها وفق أسس مدنية ودستورية جديدة؟

المفارقة أن المستشار الإعلامي للرئيس الانتقالي، أحمد موفق زيدان، القادم من خلفية إخوانية، هو من أطلق الشرارة بطرحه الصريح حلّ الجماعة. لم يكن تصريحه مجرّد اجتهاد فردي، بل بمثابة إعلان غير مباشر أن مرحلة التنظيمات العقائدية المغلقة قد انتهت، وأن الدولة السورية الجديدة لا تحتمل بقاء كيانات تعيش خارج السياق السياسي والاجتماعي المتغير.. .،

من منظور جيوسياسي، فإن سوريا ما بعد الأسد ليست ساحة مغلقة. هي امتداد إقليمي يتقاطع فيه النفوذ التركي والإيراني والعربي والغربي. وكل هذه الأطراف تنظر بعين الريبة إلى الكيانات الإسلامية التقليدية، لا سيما تلك التي تحمل إرث الإخوان. التجربة الأردنية مثال قريب: حزب مستند إلى مرجعية الإخوان فقد الكثير من قدرته على التأثير بعد سلسلة من القيود والتحولات، فأصبح يعيش خارج الإيقاع العام للدولة. أما في مصر، حيث انطلقت الفكرة، فقد أسدل التاريخ ستاره على سقوط مدوٍ أعاد الجماعة إلى حالة “المنفى الفكري” حتى داخل الوطن.

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *