من حلم الفرح إلى سرير العناية المركزة..«عروس المهندسين» توقفت حياتها بعد جلسة تجميل (قصة كاملة)

من حلم الفرح إلى سرير العناية المركزة..«عروس المهندسين» توقفت حياتها بعد جلسة تجميل (قصة كاملة)

«ما صدقتش وأنا سامع صوت الدكتور بيقول لي: بنتك في غيبوبة وعلى جهاز التنفس الصناعي بالعناية المركزة، حسيت إن الأرض بتتسحب من تحت رجلي، وهى على الحال ده من حوالى أسبوعين، ونسبة الوعى عندها 1%، وفرحها كان يوم 3 سبتمبر المقبل»، يقول «كرم»، والد «إسراء» بصوت متقطع وهو جالس على مقعد خشبي أمام أحد المستشفيات، حيث ترقد ابنته منذ أيام فاقدة الوعي، بعد أن تحول حلمها بجلسة تجميل بأحد المراكز في منطقة المهندسين في الجيزة، إلى كابوس يهدد حياتها، بسبب حقنة خطأ.

«إسراء»، فتاة في الـ 26 من عمرها، لم تكن تختلف عن كثيرات من بنات جيلها، تتابع إعلانات مراكز التجميل على مواقع التواصل الاجتماعي، وتنجذب إلى الصور اللامعة والوعود السريعة.

الإعلان الممول لمركز شهير ظهر أمامها مرات متكررة، حتى قررت أن تتواصل معهم، «قالوا لها إن الموضوع بسيط، ساعات وتطلع مبسوطة»، يضيف شقيقها «عبدالله» الذي كان آخر من رأى «إسراء» قبل أن تدخل المركز لإجراء العملية.

في يوم الأربعاء الموافق 13 أغسطس الجارى، توجهت الفتاة إلى العيادة الكائنة في شارع جزيرة العرب بالمهندسين، دفعت 100 ألف جنيه قيمة الاتفاق، كانت قد حولتها على دفعتين قبل الموعد، معتقدة أن كل شيء تحت السيطرة، «إسراء بنت منظمة، ما بتحبش تسيب حاجة ناقصة، جمعت الفلوس، ورتبت، وكانت فرحانة إنها هتعمل حاجة لنفسها»، يقول «عبدالله»، وهو يحدق في الأرض كأنه يعيد شريط الساعات الأخيرة قبل انهيار شقيقته.

لكن مساء ذلك اليوم، تلقّت الأسرة اتصالًا غيّر مجرى حياتها، «رن التليفون حوالي الساعة 11 بالليل، أطباء في مستشفى خاص بيقولوا لي: ألحق، أختك هنا في العناية المركزة، قلبها وقف وقدروا يرجعوا النبض»، يروي «عبدالله»، الذي لم يصدق في البداية، لكنه توجه إلى مستشفى خاص كائن في ميدان لبنان بالجيزة، وهناك وجد أخته مسجاة على السرير، محاطة بالأجهزة والأنابيب.

غيبوبة كاملة لعروس قبل زفافها بسبب إهمال طبي محتمل

التقرير الطبي المبدئي الذي تسلمه يؤكد أنها وصلت إلى الطوارئ وهي تعاني من توقف في عضلة القلب وفشل في وظائف الجسم، وتم إجراء إنعاش قلبي رئوي متقدم حتى عاد النبض، إذ وضعت على جهاز التنفس الصناعي، أُعطيت أدوية لرفع الضغط وتحسين كفاءة القلب، لكنها دخلت في غيبوبة كاملة، والأشعة المقطعية كشفت عن التهاب رئوي، وبالكشف الظاهري ظهرت آثار وخز بالإبر في الفخذين والبطن.

«أنا شفت بعيني آثار الحقن، ما كانش المفروض يحصل كده، مش ده اللي اتفقوا عليه معاها»، يقول والد العروس، بغضب ممزوج بالحزن، إنه بالنسبة له، لم تعد القصة مجرد خطأ طبي محتمل، بل جريمة متكاملة الأركان، «اللي حصل مع بنتي شروع في قتل»، يضيف وهو يلوّح بيده.

«عبدالله»، شقيق العروس، لا ينسى تفاصيل تلك الليلة، «دخلت عليها وهي على الجهاز، عينيها مقفولة، مش بترد.. سألت الدكتور: هو في أمل؟ ما ردش غير بكلمة واحدة: ندعي».

بلاغ رسمي من أسرة عروس المهندسين ضد مركز تجميل شهير

تقدمت الأسرة ببلاغ رسمي إلى النيابة العامة ضد مدير المركز والطبيب الذي أجرى العملية، في الشكوى، التي حملت توقيع شقيقها «عبدالله» المحامي، طالبت العائلة بفتح تحقيق قضائي، وضبط وإحضار المتهمين، والتحقيق في طبيعة المواد التي حُقنت بها الفتاة، ومعاينة العيادة وكاميرات المراقبة.

«إحنا مش عايزين غير الحق، بنتي دخلت تمشي برجليها، ودلوقتى محطوطة على جهاز تنفس صناعي ومفروض هتعمل عملية شق حنجرى ولو عاشت هتفضل طول عمرها كده، ده اسمه إيه؟»، يتساءل الوالد بحرقة.

بينما يتحدث، يخرج من حقيبته كومة من الأوراق: إيصالات تحويل الأموال، صورة من بطاقة الطبيب، صور فوتوغرافية لابنته داخل العناية المركزة، موضوعة على أجهزة المراقبة والتنفس الصناعي. يضعها أمامه واحدة تلو الأخرى، كمن يعرض أدلة في محكمة، قبل أن يربت عليها بحذر وكأنها وثائق حياة معلّقة بين البقاء والفقد.

«إسراء كان لسة مكتوب كتابها وفرحها بعد أسابيع»، يقول «عبدالله»، ثم يتوقف قليلًا قبل أن يضيف: «الفرح اتأجل.. وبقى فيه احتمال إنه ما يتعملش»، ووسط هذا، تتردد دائمًا جملة واحدة على لسان الأب: «أنا مش هسيب حق بنتي».

والد وشقيق «إسراء» ضحية حقنة مركز التجميل في المهندسين- تصوير: محمد القماش

تفاصيل تحقيق النيابة في مركز تجميل تسبب في إصابة عروس

شقيق «إسراء»، بدوره يحاول أن يكون واقعيًا، لكنه لا يخفي خوفه: «لو ما فوقتش، هنعمل إيه؟ هنبقى قاعدين نستنى معجزة، واللي ضيعها لازم يتحاسب، يمكن تحافظ على باقي البنات من نفس المصير».

بدأت نيابة شمال الجيزة، في الاستماع لأقوال أفراد أسرة «إسراء»، واستدعت شقيقها «عبدالله»، الذي تقدّم بالبلاغ الرسمي، ليشرح تفاصيل ما جرى منذ لحظة الاتفاق مع المركز وحتى وصول شقيقته في غيبوبة إلى مستشفى خاص، ومنه نٌقلت إلى آخر لإجراء عملية شق حنجرى بحال استفاقتها من الغيبوبة.

وكلفت النيابة بسرعة إجراء التحريات حول المركز الطبي والمسؤولين عنه، وطلبت معاينة مقر العيادة في شارع جزيرة العرب، وفحص كاميرات المراقبة وسجلات المرضى، والتأكد من سلامة المواد المستخدمة عبر إرسال عينات للفحص المعملي.

أمرت النيابة أيضًا بعرض «إسراء» على الطب الشرعي فور استقرار حالتها لبيان صلة السببية بين الحقن وتوقف القلب وما تلاه من مضاعفات، إلى جانب سماع أقوال الفريق الطبي وأفراد الأمن في المستشفى، للوقوف على ملابسات الحالة.






تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *