
منذ أن دوّى صدى الثورة السورية الكبرى في عشرينيات القرن الماضي، بقيادة سلطان باشا الأطرش، تحولت جبال السويداء إلى رمز للمقاومة والكرامة الوطنية. كانت صخورها السوداء تُخفي خلفها قرى صغيرة متماسكة، وبيوتًا تحتضن ضيوفها كما تحضن الجبال الينابيع.
في تلك الأرض، حيث تتعانق الحقول مع الكروم، وحيث يختلط وقع حوافر الخيل بأصوات الحصادين، لم يكن الانتماء مجرد هوية طائفية أو عرقية، بل عقد شرف مع الأرض والحرية.
تقع محافظة السويداء في الجنوب الشرقي من سوريا، على السفوح الشرقية لجبل العرب، متاخمةً لمحافظة درعا غربًا، وبادية الشام شرقًا، والأردن جنوبًا، هذا الموقع يجعلها حلقة وصل بين بلاد الشام وشبه الجزيرة العربية، ونقطة تماس حساسة مع الجولان المحتل، ما يفسر حضورها الدائم في معادلات الصراع الإقليمي.
واليوم وبعد قرابة قرن على ذلك المشهد، تعود السويداء إلى واجهة الأحداث، لكن الرايات المرفوعة ليست رايات الاستقلال، بل شعارات «الحماية» التي ترفعها إسرائيل على حدودها، ذريعةً للتوغل في العمق السوري، وكأن الجغرافيا تحولت إلى مسرح يعيد تمثيل مشاهد من الماضي، لكن بأدوار وأزياء جديدة.
في القرن التاسع عشر، كانت بيت لحم شاهدة على نزاع ديني حول مفاتيح كنيسة المهد، بين الكاثوليك والأرثوذكس، ما بدا شأنًا لاهوتيًا تحوّل إلى صراع بين أساطيل فرنسا وروسيا على إرث الدولة العثمانية.
اندلعت حرب القرم، وارتفعت راية «حماية الأقليات» لتغطية مدافع البحر، اليوم، تتكرر المشاهد على حدود الجولان، لكن اللاعبين يرفعون أعلامًا مختلفة، ويتحدثون لغات أخرى، فيما الجوهر واحد: الأقليات تتحول إلى أوراق على طاولة الجغرافيا السياسية، تُسحب عند الحاجة وتُترك عند انتهاء الدور.