
في الساعات الماضية اجتمع الدكتور مصطفى مدبولي رئيس مجلس الوزراء، بعدد من رؤساء تحرير الصحف والمواقع الإخبارية، منهم أساتذتي وزملائي وشرفت أن أكون ضمن المدعوين للقاء بصفتي رئيساً لتحرير موقع مصر تايمز، وشعرت خلال اللقاء أن رئيس وزراء مصر لديه استعداد أن يجلس حتى يستمع لجميع الحاضرين، لحرصه على توضيح رؤية وتفاصيل عمل الحكومة .
واستمعت لجميع تساؤلات أساتذتي وزملائي، وأجاب رئيس الوزراء عنها ولم يتجاهل أي سؤال أو استفسار خلال الجلسة.
وإنصافاً لـ أساتذتي وزملائي لم يتركوا شيئاً إلا وتم التطرق إليه .
وحين جاءت كلمتي خلال اللقاء وجدت نفسي مهموماً بمشاكل المواطنين وزملائي الصحفيين ومهنة الصحافة التي انتمى إليها منذ أكثر من 15 عاماً.
فمن بين القضايا التى تشغل الناس وتشغلنى شخصيا، قضية المطورين العقاريين الذين يستغلون أوجاع المصريين فأبلغت رئيس الوزراء أنهم “بيبيعوا بمزاجهم وبأسعار متفاوته” ولا يوجد ما يمنعهم من ذلك، كما واجهت رئيس الوزراء بشكاوى أولياء الأمور الذين يتم اجبارهم على اختيار نظام البكالوريا، وتطرقت لتطوير الصحافة الذي وجه الرئيس عبد الفتاح السيسي بوضع خطة لتطويرها خلال الأيام الماضية وتم عقد لقاءات عديدة لمناقشة هذا الأمر، فوجدت نفسي أقول كيف نتحدث عن تطوير الصحافة في عام 2025 ولدينا قانون نقابة الصحفيين منذ عام 1970، كما تطرقت إلى أزمة تواجه زملائي محرري الوزارات وهى عدم الحصول على المعلومات بشكل طبيعي، وطلبت من رئيس الوزراء أن يوجه أعضاء الحكومة بعقد لقاءات شهرية مع زملائي في كل الوزارات للرد على أسئلتهم، ولو كان لدي متسع من الوقت لأبحرت في الأسئلة ونقل أوجاع الشعب المصري على الرغم من أن الزملاء المتواجدين غطوا كل شيء يتعلق بالشارع المصري .
وأثناء رد الدكتور مصطفى مدبولي على ما ذكرته أعلن عن اجتماع مرتقب مع المطورين العقاريين لبحث الأمر الذى تحدثت فيه خلال الأسبوع المقبل، وسرد أسباب ما أدى إلى ذلك، مؤكداً على أنه سيتم مناقشة المطورين العقاريين في الضوابط التي يتم بناءاً عليها تسعير الوحدات السكنية، ويجب أن يتم إقرار الضوابط ووضعها بصورة معينة ويتم اتباعها من المطورين لمنع التفاوت الكبير في التسعير، وأرجع سبب ذلك إلى أن المطورين العقاريين كانوا يسعرون الدولار على “هواهم” في مرحلة سابقة، أما الآن مع استقرار الأوضاع فسعر الدولار واضح والرؤية واضحة للفترة المقبلة، وبالتالي هذه الموضوعات لابد أن يكون لها مراجعات و”هنشوف ضوابط واضحة لعملية التسعير”.
مهزلة المطورين العقاريين
أريد أن أتوقف عند هذه القضية.. هناك المئات من المشروعات التي يتم تنفيذها بطول الساحل الشمالي أغلبها ينفذها شركات تطوير عقاري كبري، يمتلكها رجال أعمال كبار، واسمحوا لي أن اتحفظ على ذكر أسماء الشركات أو رجال الأعمال على الأقل في الوقت الحالي، ولكن هؤلاء استباحوا أموال المصريين وغير المصريين بشكل غير عادي بخلاف عدم الالتزام في الاتفاقات التي أبرمت مع عملائهم بخلاف الطريقة المهينة التي يتعاملون بها مع عملائهم بعد إلزامهم بعقود، الخاسر الوحيد من التوقيع عليها هو العميل، لكن المطور العقاري لديه شئون قانونية صاغت له عقودا تضمن عدم خسارته وليس حقوقه فقط واستباحت حقوق العملاء .
لم يكن وصف رئيس الوزراء للأزمة العقارية مجرد تعليق عابر بل جاء كاشفًا لحقيقة يعرفها كل مواطن: السوق العقاري في مصر تحوّل إلى فوضى، تسعير عشوائي حيث صار كل مطور عقاري يحدد ثمن وحداته وفق “مزاج الدولار” أو تقديره الشخصي، بلا معايير، وبلا التزام، وكأن المواطن مجرد زبون في مزاد علني لا نهاية له، هذا الاعتراف الرسمي يضع المطورين أمام مسؤولية لا يمكن التهرب منها: لم يعد مقبولًا أن يتحكموا في مصير السوق العقاري ومصير ملايين الأسر بمنطق “العرض لمن يدفع أكثر”.
الاجتماع المنتظر بين الحكومة والمطورين العقاريين ليس رفاهية، بل ضرورة لإنهاء هذه الفوضى، ومطلوب وضع ضوابط صارمة للتسعير، وآلية شفافة تحمي المواطنين من جشع المطورون، مع ربط الأسعار بالتكلفة الحقيقية وليس بالمضاربات، ولكن بعد الحساب على ما سبق .
رسالة لرئيس الوزراء
والرسالة هنا لرئيس الوزراء يجب محاسبة هؤلاء على استغلال أوجاع المصريين واستغلال الأزمة التي كانت تمر بها مصر في الوقت السابق، فلابد من حساب على ما حدث من هؤلاء “الحساب قبل العتاب”، لان المطورين العقاريين حولوا حلم السكن والاستثمار عند المصريين إلى سراب بينما هم كدسوا الأرباح على حساب معاناة الناس، ولم يعد ما يفعله المطورون العقاريون في مصر مجرد “تفاوت أسعار”، بل هو جريمة مكتملة الأركان ضد المواطن، هؤلاء الذين يُطلقون على أنفسهم لقب “مطورين” تحولوا في الحقيقة إلى بارونات جشع لا يرون في مصر سوى أرض خصبة للمضاربات، ولا يرون في المواطن سوى خزنة مفتوحة لنهب ما تبقى من مدخراته .

هذه ليست تجارة عقارات.. هذه عملية سطو منظم على أحلام المصريين، والاجتماع المرتقب مع الحكومة يجب أن يكون نقطة فاصلة، إما أن تفرض الدولة ضوابط صارمة للتسعير تربط الأسعار بالتكلفة الحقيقية، وإما أن نُسلم السوق بالكامل لعصابة من المضاربين يعبثون بمصير وطن بأكمله.
كما أرى أن الاجتماع المرتقب الذي حدده الدكتور مصطفى مدبولي رئيس الحكومة، في هذا التوقيت بالتحديد يعد مواجهة قبل حدوث الفقاعة العقارية في السوق العقاري في مصر، والذي يتحدث عنها كل خبراء العقار .
وليعلم المطورين أن الناس لم تعد تنخدع بالشعارات البراقة، ولم تعد تحتمل هذه المهزلة، إذا كان رئيس الوزراء نفسه وصف ما يحدث بأنه فوضى، فإن أقل ما يمكن أن نصف به هؤلاء المطورين هو أنهم تجار أزمات يبيعون الوهم بوجه بارد.
