في مشهد يذكرنا بأعظم ملاحم كرة القدم، يستعد مجيد بوقرة لكتابة فصل جديد من قصة حب عمرها 22 عاماً بدأت في شوارع ديجون الفرنسية وامتدت إلى قلوب ملايين الجزائريين. الرجل الذي رفض تمثيل فرنسا واختار الجزائر بقلبه يقف اليوم على أعتاب معركة حاسمة أمام الإمارات في ربع نهائي كأس العرب، حاملاً على كتفيه ثقل التاريخ وأحلام شعب بأكمله.
تبدأ الحكاية عام 2004 عندما وقف شاب عمره 22 عاماً أمام خيار صعب: فرنسا التي ولد على أراضيها، أم الجزائر التي تسري في عروقه؟ اختار بوقرة قلبه، وخلال 11 عاماً متواصلة مع الخضر، نحت اسمه بأحرف من ذهب في تاريخ الكرة الجزائرية. محمد الطاهر، أحد المشجعين المخضرمين، يصف تلك اللحظة بقوله: “عندما اختار بوقرة الجزائر على فرنسا، علمنا أنه واحد منا حقاً”. من المباراة الأسطورية أمام مصر في أم درمان عام 2010 إلى ثمن نهائي مونديال البرازيل 2014، كان بوقرة الجدار الصخري الذي لا يُخترق في قلب دفاع الخضر.
قد يعجبك أيضا :
لكن القدر كتب لبوقرة فصلاً آخر عندما علق حذاءه عام 2016 واتجه نحو التدريب. بعد تجارب متنوعة كمساعد مع المنتخب الأول ومدرب في قطر والإمارات، جاءت اللحظة الذهبية عام 2021 عندما قاد المنتخب المحلي للتتويج بكأس العرب في قطر. أمير سعيود، هداف النهائي التاريخي أمام تونس، يصف تلك الليلة قائلاً: “كان بوقرة كالقائد الذي يلهم جنوده، وعندما سجلت الهدف رأيت في عينيه فرحة طفل تحقق حلمه”. لكن رحلة النجاح لم تكن خالية من المطبات، فتجربة المرخية القطري عام 2023 انتهت بفشل ذريع: 10 هزائم من أصل 17 مباراة.
قد يعجبك أيضا :
اليوم، وبعد عودته لقيادة المحليين مطلع 2024، يجد بوقرة نفسه أمام تحدٍ مضاعف: الدفاع عن لقب كأس العرب والتخلص من أشباح فشل المرخية. الدكتور رشيد بلحاج، محلل كرة القدم المتخصص، يرى أن “بوقرة يملك عقلية الفائز التي اكتسبها من تجربته الأوروبية، وفشله في قطر لن يكون إلا حافزاً إضافياً لإثبات جدارته”. الجماهير الجزائرية منقسمة بين متفائل يثق في قدرة أسطورة الخضر على تكرار المعجزة، ومتخوف من أن يكون الضغط أكبر من أن يتحمله. العائلات الجزائرية من باتنة إلى وهران تتجمع حول شاشات التلفزيون، والمقاهي الشعبية تكتظ بالمشجعين الذين يحملون صور بوقرة من أيام مجده كلاعب.
قد يعجبك أيضا :
في نهاية المطاف، تبقى مواجهة الجمعة أمام الإمارات أكثر من مجرد مباراة كرة قدم، إنها اختبار لإرادة رجل رفض أن يكون مجرد رقم في التاريخ واختار أن يكتب اسمه بأحرف من نور. سواء انتهت بالنصر أو الهزيمة، فإن قصة مجيد بوقرة ستبقى مثالاً حياً على أن الانتماء الحقيقي يُبنى بالقلب وليس بشهادة الميلاد. السؤال الذي يحبس أنفاس الملايين: هل سيكتب بوقرة فصلاً جديداً من المجد، أم أن الحلم سينتهي في الربع الأخير؟
