أغلق

عاجل.. عِبرة .. من الكُرة

عاجل.. عِبرة .. من الكُرة

صراحة نيوز- عوض ضيف الله الملاحمة

معروف عني أنني لست رياضياً . مع أنني كنت أعشق لعب : تنس الطاولة ، والكرة الطائرة ، والكاراتيه ، لكن كل ذلك كان في شبابي المبكر جداً . لكن منذ عقود وحتى شيخوختي الحالية فإنني أكتفي بمشاهدة المصارعة الحرة ، ومشاهدة الرياضات الفردية أحياناً .

أما كرة القدم فلم أكن يوماً من متابعيها . لأنني لا أُحبّ التعصب ، وما ينتج عن المباريات من أحداث عنف ، تعكس جهلاً مُفرطاً ، ومعيباً ، يتعارض تماماً ، بل يسيء الى مفهوم ( الروح الرياضية ) الحضاري الراقي . لكنني كنت أحرص قدر الإمكان على متابعة بعض الفرق الاوروبية مثل فريق / بايرون ميونخ ، ومباريات كأس العالم خاصة عندما يلعب فريق عربي مع فريق أجنبي . وذلك لغايات تشجيع الفريق العربي ، من منطلق قومي .

لكنني عزفت تماماً عن متابعة مباريات كرة القدم الأردنية نهائياً ، بسبب التعصب المقيت ، والحوادث المعيبة التي كانت تحدث بعد المباريات من إشتباكات عنيفة بين المشجعين ، ومن الفاظ بذيئة ، مُخجلة ، مع ان مستوى الفِرق جمعيها متواضع جداً ، ولا يختلف كثيراً عن لعبنا في الحارات ايام طفولتنا ، في طابة من ( شُرطان ) .

تفاجأت ان الأردن يعيش حالة غليان شعبي خلال الشهور والأسابيع الماضية . وتبين لي ان فريق كرة القدم قد أبلى بلاءاً متميزاً ، ومتفرداً ، ربما لم نعهده طيلة العقود الطويلة الماضية . ووصلت إنجازات فريقنا الوطني الى مستويات غير مسبوقة مطلقاً ، منها تأهله للمشاركة في كأس العالم ، يضاف الى ذلك انه أبلى بلاءاً طيباً في مباريات كأس العرب .

أقول هنيئاً لفريقنا الوطني ، ولمدربيه وإدارييه . وأذهب فوراً الى المغزى من المقال .

الرياضة عامة ، هامة ، وضرورية جداً من عدة نواحٍ ، وأهمها الجانب الصحي والبدني ، لأن ( العقل السليم في الجسم السليم ) كما يُقال . وهذه الأهمية لا تقف عند حدود الفرد ، بل انها تطال الجماعات والمجتمعات وحتى الأوطان .

ومن الجيد ، بل ومن المطلوب ان تهتم الدول في تنظيم المسابقات والمباريات وطنياً ، واقليمياً ، ودولياً . لكنني أتحفظ بشدة كبيرة على ان تصبح الرياضة ( أفيوناً ) ، لتخدير الشعوب وإلهائها عمن هو أهم ، والأوطان أحوج اليه .

كما أنني أكره ، بل لا احترم من يتعصبون كثيراً لفريق ما ، للدرجة التى تؤدي الى مشاحنات وبغضاء والتي تصل أحياناً حدّ المشاجرات المُعيبة ، التي لا تفسير لها الا ان من يصل هذا الحدّ من التعصب الا بالغباء ، والتخلف ، والسطحية ، ومحدودية التفكير ، مما يُخرِج الإنسان عن قيمه واخلاقه ، ويُحرج أحياناً شعوب ودول تلك الفئة التي انتهجت التعصب الأعمى المقيت ، المنبوذ والمحتقر مجتمعياً .

أعتقد ان الذين يتعصبون بشدة لفرقهم ولاعبيهم نسيوا ، بل يجهلون معنى مصطلح ( الروح الرياضية ) ، هذا المصطلح الراقي الذي يرتقي بكل من يطبقه ويعتبره نهج حياة . وهنا ، وتحديداً ، أتمنى على مشجعي الأندية الرياضية الأردنية ان يرتقوا بأساليب تشجيعهم الى نواديهم ، وان يتمتعوا بالروح الرياضية الحضارية ، لأن في ذلك مصلحة وطنية كبرى تتمثل في تعزيز الوحدة الوطنية .

وسآتي الى الهدف الثاني من أهداف مقالي هذا ، المتمثل ب ( الإرتقاء بالعطاء اذا توفرت الإمكانيات ) . وهذا ليس محصوراً بالرياضة ، بل بكل جانب من جوانب العطاء للوطن .

ما يميز شعبنا الأردني الإصرار ، والجدية ، والعطاء ، والانتماء للوطن . حيث يمكن ان ينجز الأردني إنجازاً بديعاً ومتميزاً اذا توفرت له ولو إمكانيات ورعاية متواضعة ، لأن الأردني بطبعه يحمل صفات الإنسان المحارب ، الذي لا يهاب الصعاب ، ويعشق التحدي لإثبات الذات ، والعطاء للوطن .

مما إطلعت عليه مؤخراً ان فريق كرة القدم الأردني انجز انجازات مبهرة ، في مباريات التهيئة لكأس العالم ، وكأس العرب . هذه الانجازات المتقدمة المتميزة خارقة للعادة اذا ما قورنت بتواضع ما يُقدّم للفريق ولإدارته من دعم ، وتسهيلات ، ومزايا متواضعة جداً . فمنذ زمن اعرف ان موازنة الاتحاد ضعيفة بل هزيلة ، ولا يتمتع الفريق بأية مزايا ، فلا رواتب ولا مخصصات مجزية ، بل معظم اللاعبين يعيشون حياة فقر شديد . وكنت أسمع قبل سنوات انه يتم تقديم ساندويتشات فلافل للاعبين أثناء التدريبات . وبإختصار لا يتوافر لدى اللاعبين الأردنيين اية رفاهية من الرفاهية التي يتمتع بها اي لاعب على مستوى فِرق العالم .

الخلاصة من مقالي هذا : فريقنا لكرة القدم ، أبدع هذا الإبداع ، وانجز هذه الإنجازات ربما كنتاج لرعاية محدودة وربما طارئة ، او فزعة . ولنعمم الفكرة على مستوى الوطن : تصوروا لو لقي أصحاب المواهب ، و كافة العاملين في القطاع العام رعاية ومتابعة واهتماماً ولو بدرجة الرعاية المحدودة والمستجدة لفريق كرة القدم ؟ أعتقد جازماً ان وطننا الحبيب سيرتقي الى مصاف الدول المتقدمة وسوف يبز دول المنطقة كلها .

كل ما يحتاجه المواطن الأردني الرعاية والتوجيه والدعم ، عندها يكون مبدعاً ومنجزاً ومعطاءاً متميزاً لوطنه الصغير والكبير ، وحتماً سيكون في مقدمة إخوانه العرب نصيراً وداعماً ومسانداً .

كنت في بعض الأحيان وخلال العقود الماضية اسمع عن فوز الفريق الاردني على بعض الفِرق العربية ، لكن دون ثبات في المستوى ، وذلك يكون كما الهبّة الطارئة ، لا تعكس مستوى ثابتاً راسخاً . اما ما اسمعه الان — رغم عدم متابعتي للمباريات — يبدو ان الفوز قد ترسخ وسيستمر في هذه البطولة .

هذا لا يعني انني لا أحب ان يتفوق بلدي ، أبداً ، بل ان ذلك يعود لثلاثة أسباب : اولها : عدم إهتمامي بكرة القدم . وثانياً : لان المعروف ان كرة القدم الأردنية كانت ليست بمستوى يستهويني لمتابعتها ، وثالثاً : للأداء المتواضع للنوادي الرياضية الأردنية ، والأهم ما يحصل اثناء المباريات من افعال وفوضى ومشاجرات مُعيبة ، لدرجة انني ربيت اولادي على عدم الإهتمام بكرة القدم — خاصة البطولات المحلية — حتى أُجنِّبهم الإنخراط في التعصب الأعمى الذي يفت في عضِدِ وحدتنا الوطنية .

للعلم الأردن لديها طاقات ابداعية فردية تنافس عالمياً في مختلف مجالات الحياة : سواء في بطولات الرياضات الفردية ، حيث يحرز أبطال الأردن بطولات عالمية راقية في الكثير من الرياضات الفردية ، دون رعاية او إهتمام رسمي . كما تعج دول الغرب بالمئات من العلماء والمبدعين الأردنيين في كافة العلوم والتخصصات العلمية والإنسانية .

كل إنجاز وطني أسعد به ، وأفرح ، وأفتخر على كافة الأصعدة — لكن دون تعصب — حتى لو على مستوى كرة القدم .

الأوطان بحاجة الى رعاية ، وتخطيط للإرتقاء بها في كافة المجالات الحياتية . ومحور هذا الإرتقاء هو الإنسان او المواطن ، الذي لولاه لما حققت الأوطان تطورها مطلقاً ، بل الأهم والأعظم علينا ان ندرك انه لولا الإنسان لما كان هناك أوطان ، أصلاً ، لأنه هو مبرر وجودها ، ومصدر رقيها وتقدمها ، لنرتقي في المواطن ، حتى يزدهر أردننا ويتقدم ويتطور وينافس بين الشعوب والأمم .

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *