في تطور كارثي يهز اليمن من الشمال إلى الجنوب، سجلت العملة الوطنية فجوة سعرية مدمرة تتجاوز 1110 ريال للدولار الواحد بين المناطق المختلفة، في أكبر انهيار نقدي يشهده البلد منذ عقود. بينما يتداول الدولار في عدن وحضرموت بين 1617-1632 ريال، يباع في صنعاء بـ522-524 ريال فقط، ليواجه المواطنون واقعاً مريراً: نفس العملة، نفس البلد، لكن ثلاثة أضعاف الفرق في القيمة!
الأرقام تكشف كارثة حقيقية: خسارة 87% من القوة الشرائية في المناطق الحكومية خلال 9 سنوات فقط، مقارنة بسعر ما قبل الحرب البالغ 215 ريال للدولار. “نواجه كارثة اقتصادية حقيقية تهدد بقاء اليمنيين”، يحذر د. عبدالله الصعيدي، الخبير الاقتصادي. أم محمد الصالحي من تعز تروي مأساتها: “راتب زوجي 50 ألف ريال لم يعد يكفي لشراء كيس دقيق واحد… كيف سنطعم أطفالنا؟” بينما يؤكد سالم الحضرمي، صراف في عدن: “نشهد يومياً طوابير من المواطنين يبحثون عن الدولار مهما كان السعر.”
قد يعجبك أيضا :
الحرب الدائرة منذ 2014 مزقت ليس فقط البلد جغرافياً بل اقتصادياً، مع انقسام البنك المركزي وتوقف الإيرادات النفطية. سيطرة مختلفة على البنوك المركزية، نضوب الاحتياطيات، وتدخلات إقليمية متباينة في دعم العملة خلقت واقعاً اقتصادياً منقسماً. منذ انهيار الليرة اللبنانية، لم نشهد كارثة نقدية بهذا الحجم في المنطقة العربية. الخبراء يتوقعون الأسوأ: “بدون تدخل دولي عاجل، نتجه نحو انهيار اقتصادي كامل خلال أشهر.”
في الأسواق الشعبية، تتردد أصوات الصراخ والأنين عند رؤية الأسعار الجديدة، بينما تحمل النساء أكياساً ضخمة من النقود لشراء أبسط الحاجات. الأم التي تحتاج حقيبة نقود لشراء كيلو أرز، والطالب الذي ترك الجامعة لأن الرسوم تضاعفت 10 مرات – مشاهد يومية في اليمن الجديد. موجة جديدة من النزوح، إغلاق مدارس ومستشفيات، وتحول للاقتصاد غير الرسمي – هذا ما ينتظر البلد. أحمد العبدلي، التاجر الذي استطاع تأمين السلع الأساسية لحيه رغم الأزمة، يقول: “نحاول مقاومة الانهيار، لكن كل يوم أصعب من السابق.”
قد يعجبك أيضا :
انقسام نقدي يعكس انقساماً سياسياً أعمق، وشعب يدفع الثمن غالياً من قوت يومه. المعادلة واضحة: إما السلام والوحدة النقدية، أو المزيد من المعاناة والانهيار. خبراء يحذرون من مجاعة وشيكة، بينما تتضارب ردود الأفعال بين يأس المواطنين وإصرار الحكومة على الحلول، ومطالب دولية بتدخل إنساني عاجل. الوقت ينفد أمام حلول جذرية – والثمن غالٍ جداً ليدفعه الشعب اليمني وحده. كم من الوقت يمكن لشعب أن يصمد أمام تآكل كل ما يملك؟
