في تطور صادم هز الأوساط الديموغرافية والاقتصادية، انهار معدل الإنجاب في المملكة العربية السعودية إلى مستويات تاريخية خطيرة وصلت إلى 1.9 طفل لكل امرأة، وهو رقم قد يبدو عادياً للوهلة الأولى، لكنه يحمل في طياته قنبلة موقوتة تهدد مستقبل 35 مليون مواطن. خلال ثلاث سنوات فقط، فقدت المملكة ثلث قدرتها على تجديد سكانها طبيعياً، في انحدار مروع يضعها تحت خط معدل الإحلال السكاني البالغ 2.1 طفل. الخبراء يدقون ناقوس الخطر: كل يوم تأخير في المواجهة يعني 274 طفل أقل سنوياً.
وتكشف الإحصائيات المرعبة الصادرة عن الهيئة العامة للإحصاء عن انهيار بنسبة 18% خلال ثلاث سنوات فقط، حيث تراجع المعدل من 2.3 طفل لكل امرأة في 2020 إلى 1.9 في 2023. الدكتورة سارة الغامدي، أخصائية الديموغرافيا بجامعة الملك سعود، تصف الوضع بكلمات مرتجفة: “هذا التحول الجذري يفوق حتى التوقعات الأكثر تشاؤماً، ونحن نشهد انهياراً صامتاً في البنية الأساسية لمجتمعنا.” فاطمة، أم لطفلين من الرياض، تجسد هذا الواقع المؤلم: “التكاليف المعيشية والتعليمية المرتفعة حولت حلم الأسرة الكبيرة إلى كابوس مالي نخشى مواجهته.”
قد يعجبك أيضا :
وخلف هذا الانهيار الديموغرافي المروع تكمن شبكة معقدة من العوامل المدمرة: ارتفاع تكاليف المعيشة بشكل جنوني، وتأخر سن الزواج لمستويات قياسية، وتحول المرأة السعودية نحو التركيز على الحياة المهنية على حساب الإنجاب. هذا المسار الكارثي يضع السعودية على نفس الطريق المظلم الذي سلكته اليابان وكوريا الجنوبية قبل عقود، حيث تحولت من مجتمعات نابضة بالحياة إلى “مقابر للأحياء” تعج بكبار السن. البروفيسور أحمد العسيري، خبير السكان بجامعة الإمام، يحذر بنبرة يائسة: “نحن نكرر نفس الأخطاء المميتة، لكن بوتيرة أسرع وتأثير أعمق يهدد بمحو هويتنا الديموغرافية.”
قد يعجبك أيضا :
وسيضرب هذا الزلزال الديموغرافي كل بيت سعودي خلال العقدين القادمين بلا استثناء، حيث تتوقع الدراسات المرعبة نقصاً حاداً في القوى العاملة الشابة، وانفجاراً في أعباء رعاية المسنين، وانهياراً تدريجياً في أنظمة التقاعد والضمان الاجتماعي. السيناريوهات المحتملة تتراوح بين كارثة اقتصادية شاملة أو اعتماد كامل على العمالة الأجنبية، أو إعادة هيكلة مؤلمة للنظم الاجتماعية بأكملها. منى الشهري، موظفة حكومية وأم لطفل واحد، تبكي وهي تقول: “أرى مستقبلاً مظلماً ينتظر ابني الوحيد – مجتمع من المسنين ونقص مدمر في كل الخدمات الأساسية.”
المملكة تقف اليوم على حافة هاوية ديموغرافية تتطلب تدخلاً جراحياً فورياً من أعلى مستويات القيادة لوضع استراتيجيات إنقاذ طارئة قبل أن تسقط في “فخ الديموغرافيا المنخفضة” الذي لا مفر منه. رؤية 2030 باتت تحتاج لمراجعة جذرية عاجلة تضع السياسات الديموغرافية كأولوية وجود أو عدم. السؤال المصيري الآن: هل ستستطيع المملكة كسر هذه الدوامة القاتلة وإنقاذ مستقبل أجيالها القادمة، أم ستصبح مجرد قصة تحذيرية أخرى عن كيفية انهيار الحضارات من الداخل؟
