أغلق

عاجل.. قراءة تنموية لحقائق سوق العمل في محافظة إربد وأسئلة التنمية المحلية..

عاجل.. قراءة تنموية لحقائق سوق العمل في محافظة إربد وأسئلة التنمية المحلية..

صراحة نيوز- كتب: د. زهور غرايبة
في قراءة موضوعية لواقع سوق العمل في محافظة إربد خلال عامي 2023 و2024 حسب دائرة الاحصاءات العامة، أبرزت مجموعة من المؤشرات التي تستدعي التوقف والتأمل من منظور تنموي وطني مسؤول. ففي عام 2024، بلغت نسبة المتعطلين من الذكور 37.5% مقابل 53.3% بين الإناث (هذهِ الأرقام للعزاب الذين لم يسبق لهم الزواج)، فيما سجل عام 2023 نسب تعطّل بلغت 39.1% للذكور و53.3% للإناث. وتعكس هذه الأرقام استمرار فجوة واضحة بين الجنسين في فرص الدخول إلى سوق العمل، رغم التقارب الزمني وتغيّر الظروف الاقتصادية.

وفي المقابل، تشير مؤشرات التشغيل في المحافظة إلى أن فرص العمل المتاحة ما تزال تميل لصالح الذكور مقارنة بالإناث، الأمر الذي يعكس تحديات مرتبطة بطبيعة سوق العمل، وشروطه، ومدى ملاءمته لواقع النساء، خاصة فيما يتعلق بالاستقرار الوظيفي، وبيئة العمل، وفرص الاستمرار والتطور المهني.

وتزداد دلالة هذه المؤشرات عند ربطها بمستوى التعليم؛ إذ تُظهر بيانات التعليم العالي في محافظة إربد أن الإناث يشكّلن 62.1% من خريجي مستوى البكالوريوس في عامي 2023 و2024، مقابل 37.9% للذكور. ويعكس هذا الواقع استثمارًا وطنيًا مهمًا في تعليم النساء، لكنه في الوقت ذاته يكشف عن فجوة قائمة بين مخرجات التعليم وفرص التشغيل، حيث لا تتحول الشهادة الجامعية بالضرورة إلى فرصة عمل متكافئة.

أما فيما يتعلق بصافي فرص العمل المستحدثة، فتشير البيانات إلى تقارب نسبي بين الجنسين. ففي عام 2024، بلغ عدد فرص العمل المستحدثة للذكور 4348 فرصة مقابل 4850 فرصة للإناث، بينما سجل عام 2023 عددًا أعلى للذكور بلغ 5038 فرصة مقابل 4803 للإناث. ورغم هذا التقارب، إلا أن أثر هذه الفرص على خفض نسب التعطّل، خصوصًا بين النساء، ما يزال محدودًا، ما يشير إلى أن التحدي لا يكمن فقط في عدد الفرص، بل في نوعيتها واستدامتها وملاءمتها للواقع المحلي.

وفي قراءة تنموية أوسع، يتضح أن محافظة إربد تمتلك رصيدًا بشريًا وتعليميًا مرتفعًا، إلى جانب حراك اجتماعي واقتصادي نشط، إلا أن هذا الرصيد يحتاج إلى مواءمة أدق مع متطلبات سوق العمل. فالفجوة القائمة تعيد تسليط الضوء على أهمية التوسع الجاد في مسارات التعليم والتدريب المهني والتقني، وربطها بالقطاعات الإنتاجية والاستثمارية، بما يسهم في خلق فرص عمل حقيقية ومستدامة.

وفي هذا السياق، تبرز المسؤولية الاجتماعية المترتبة على المؤسسات بوصفها شريكًا أساسيًا في مسار التنمية المحلية، لا باعتبارها جهة مقدِّمة للخدمات فقط، بل كفاعل تنموي يسهم في بناء الإنسان وتعزيز قدراته. فالمؤسسات، الرسمية والأهلية والخاصة، مدعوة إلى مواءمة برامجها مع الاحتياجات الفعلية للمجتمع، وتبنّي نهج تشاركي يتيح للمستفيدين أن يكونوا جزءًا من عملية التخطيط والتنفيذ والتقييم، بما يعزز الشعور بالملكية والمسؤولية المشتركة.

ويكتمل هذا النهج حين يُبنى العمل التنموي على مبدأ الاعتماد على الذات، لا الاتكالية وبرامج التمويل وحدها التي أصبحت قاب قوسين أو أدنى أن تنفذ وتنتهي دون بديل، بحيث تُصمَّم التدخلات لتعزيز المهارات، وتحفيز المبادرة، وربط التمكين بالفرص الاقتصادية الحقيقية. فالتنمية المستدامة تتحقق عبر شراكات فاعلة، ومسؤولية مجتمعية واعية، واستثمار طويل الأمد في الإنسان، بما ينسجم مع الرؤية الوطنية، والإرادة السياسية العليا في البلاد التي ترى في التنمية البشرية أساسًا للتقدم والاستقرار.

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *