في تطور صادم يكشف حجم الكارثة الاقتصادية الصامتة، سجلت فجوة أسعار الصرف بين شمال اليمن وجنوبه رقماً مذهلاً يتجاوز 203%، حيث يباع الدولار الواحد بـ534 ريالاً في صنعاء مقابل 1617 ريالاً في عدن. في نفس البلد، نفس اليوم، نفس الساعة… دولار واحد يشتري أشياء مختلفة تماماً! بينما تقرأ هذه السطور، ملايين اليمنيين يواجهون واقعاً اقتصادياً متناقضاً يهدد بتمزيق النسيج الاجتماعي للبلد إلى الأبد.
نجح البنك المركزي في عدن في تحقيق استقرار نسبي مذهل للريال اليمني رغم التحديات الجسام، مسجلاً سعراً ثابتاً للدولار عند 1617 ريالاً للشراء و1632 ريالاً للبيع. أحمد الصنعاني، موظف حكومي براتب 80 ألف ريال شمالي، يروي مأساته: “راتبي الذي يساوي 150 دولاراً هنا، لو كنت في عدن لما تجاوز 50 دولاراً. نحن نعيش في عوالم اقتصادية مختلفة داخل البلد الواحد.” الفرق الصادم البالغ 1083 ريالاً بين سعر الدولار في المنطقتين يعكس عمق الأزمة التي تشق اليمن إلى اقتصادين منفصلين.
قد يعجبك أيضا :
تعود جذور هذا الانقسام المالي المدمر إلى عام 2016 عندما انقسمت المؤسسات الحكومية مع تصاعد الحرب، مما خلق نظامين نقديين متضادين. كما انقسمت ألمانيا إلى شرقية وغربية، انقسم الريال اليمني إلى شمالي وجنوبي، لكن بفجوة أكبر من الفرق بين راتب مدير تنفيذي وعامل نظافة. د. فائق الصايدي، الخبير الاقتصادي، يؤكد: “هذا الاستقرار في الجنوب نتيجة سياسات نقدية حكيمة، لكن استمرار الانقسام يهدد بخلق دولتين اقتصادياً.”
فاطمة المهرية، تاجرة في عدن، تشهد على التحسن النسبي: “السوق أصبح أكثر استقراراً من العام الماضي، لكن قلبي يعتصر ألماً للإخوة في الشمال.” المواطن في صنعاء يحتاج اليوم 3 أضعاف المال لشراء نفس السلع المستوردة مقارنة بنظيره في عدن، مما يفاقم التفاوت الاجتماعي ويخلق فرصة ذهبية للمضاربين. هذا التباين الحاد يهدد بترسيخ انقسام لا عودة منه، حيث تنهار العملة في الشمال بسرعة الضوء بينما تستقر في الجنوب كالجبال الراسخة.
قد يعجبك أيضا :
رغم النجاح النسبي في تحقيق الاستقرار بالمناطق المحررة، تبقى الصورة الكاملة قاتمة مع استمرار تفكك الاقتصاد الوطني. الخبراء يحذرون من خطر انهيار كامل للريال الشمالي، مما يستدعي تدخلاً عاجلاً قبل فوات الأوان. السؤال المصيري الذي يؤرق الجميع: هل سيبقى اليمن بلداً واحداً اقتصادياً أم ستكرس هذه الفجوة الصادمة انقساماً لا عودة منه؟
