في تطور صادم يهز أسس الاقتصاد اليمني، سجلت أسعار الصرف فجوة تاريخية مرعبة بين صنعاء وعدن تصل إلى 1083 ريال للدولار الواحد – وهو فارق يعادل راتب موظف حكومي كامل لمدة شهرين. اليوم في اليمن، نفس الدولار الواحد يشتري ضعف الكمية تماماً حسب المدينة التي تقف فيها، في مشهد كارثي لم تشهده البلاد منذ عقود. كل دقيقة تمر، المزيد من المدخرات تتبخر والعملة تنهار أكثر في انهيار يومي مستمر لا يرحم.
الأرقام تحكي قصة مأساة حقيقية: الدولار الأمريكي يُباع في صنعاء بـ 534-536 ريال، بينما يصل سعره في عدن إلى 1617-1630 ريال، بانهيار يصل إلى 203% في نفس البلد ونفس اليوم. أبو محمد، أب لخمسة أطفال من عدن، يروي مأساته بصوت مختنق: “راتبي 50 ألف ريال لا يكفي حتى لشراء الخبز لأطفالي، الوضع كارثي وخارج عن السيطرة تماماً”. طوابير طويلة تمتد أمام محال الصرافة، وأصوات آلات عد النقود تختلط مع صراخ التجار في مشهد يحبس الأنفاس من هول الكارثة الاقتصادية.
قد يعجبك أيضا :
الأسباب وراء هذا الانهيار المدمر تعود لتراكم سنوات من الصراع والانقسام المؤسسي الذي مزق البلاد. انقسام البنك المركزي، توقف إنتاج النفط بشكل شبه كامل، ونقص حاد في العملة الصعبة خلقوا اقتصادين منفصلين تماماً في بلد واحد. “هذا أسوأ انهيار اقتصادي نشهده منذ بداية الحرب عام 2014”، يحذر د. عبدالله الخبير الاقتصادي. المقارنات التاريخية تشير إلى أن هذا الوضع أسوأ حتى من انهيار العملة الألمانية بعد الحرب العالمية الأولى، حيث أصبح شراء كوب شاي في مدينة بريال واحد يتطلب ثلاثة ريالات في الأخرى.
قد يعجبك أيضا :
التأثير على الحياة اليومية وصل إلى مستويات كارثية حقيقية. فاطمة من صنعاء تروي كيف أصبحت مضطرة لشراء احتياجاتها من عدن بأسعار خيالية تفوق قدرتها المالية. عائلات بأكملها تواجه المجاعة، والأطفال يتركون المدارس للعمل في ظل استحالة التنقل والتجارة بين المدن. رغم هذه المحن، يبرز صمود استثنائي للشعب اليمني، حيث استطاع سالم التاجر تحقيق بعض الأرباح من المضاربة بين المدينتين رغم المخاطر الأمنية الجسيمة، في مثال حي على الإبداع في مواجهة الأزمات.
الخبراء يحذرون من سيناريوهات أكثر قتامة: انهيار اقتصادي شامل، مجاعة واسعة، وهجرة جماعية قد تطال ملايين اليمنيين خلال الشهور القادمة. الحاجة الماسة لتوحيد النظام النقدي وإنهاء الانقسام أصبحت أولوية قصوى لإنقاذ ما يمكن إنقاذه. السؤال المرعب الذي يطرح نفسه: كم من الوقت يمكن لشعب أن يصمد أمام انهيار عملته بهذه الوتيرة المدمرة التي تلتهم مستقبل أجيال كاملة؟
