بعد 10 أعوام من أزمة اللاجئين التي هزت أوروبا.. أسرة سورية أصبحت ألمانية

بعد 10 أعوام من أزمة اللاجئين التي هزت أوروبا.. أسرة سورية أصبحت ألمانية

 بعد نحو عشرة أعوام من فرارها من الحرب الأهلية في سوريا، كالمعتاد جلست رهاف الشعار على أريكتها في ضاحية ببرلين، تحتسى القهوة العربي بالهيل.

وعندما وصلت هي وزوجها وبناتها الثلاثة إلى ألمانيا بصفتهم لاجئين، تكيفوا سريعا في وطنهم الجديد : تعلموا اللغة ونجحوا في الحصول على على فرص عمل والتحقوا بالمدارس.

وقالت الشعار / 44 عاما/ لوكالة أسوشيتد برس (أب) ” لقد بذلنا الكثير من المجهود، لكني فخورة بما حققناه”.

وقد أصبح أفراد الأسرة بأكملها مطلع هذا العام مواطنين  ألمان، وقاموا بشراء منزل بحديقة جميلة.

وقال باسم وهبة/ 52 عاما/ زوج الشعار ” نحن ألمان”.

وكانت أسرته ضمن مهاجرين من سوريا والعراق وأفغانستان لجأوا إلى ألمانيا، حيث وصل العدد لذروته عام 2015 وبلغ أكثر من مليون لاجئ . و أدى وصول الكثير من طالبي اللجوء في عام واحد للضغط على موارد البلاد، ووقوع عواقب مازالت تعاني منها ألمانيا بعد مرور عشرة أغوام،  من أبرزها صعود الأحزاب اليمينية المتشددة المناهضة للهجرة.

وعلى الرغم من نجاح اندماج الأسرة في المجتمع الألماني، فإن ذلك لم يتم بدون تضحية. فقد اضطرت الاسرة وآخرون للتخلي عن منازلهم وثقافتهم ولغتهم، وفي بعض الأحيان التقاليد العزيزة عليهم.

وفي 31 أغسطس/آب 2015، في الوقت الذي  كانت تواجه فيه أوروبا ما كان يطلق عليه حين ذاك أزمة اللاجئين، فتحت المستشارة الألمانية السابقة أنجيلا ميركل حدود ألمانيا أمام المهاجرين. وفي ظل انتقادات داخلية وخارجية، وعدت ميركل  المواطنين بوعدها الشهير ” سوف نتعامل مع الأمر”.

وقوبل اللاجئون في البداية بالترحيب لدى وصولهم إلى محطات القطارات. وفتحت الأسر الألمانية أبوابها لاستقبالهم طوال أشهر، حيث كافحت المدن المكتظة بالسكان لتوفير أماكن إقامة لهم.

وقامت المدارس والكليات المجتمعية بفتح عشرات الآلاف من ” فصول الترحيب” للأطفال بالإضافة إلى فصول دمج للبالغين لمساعدتهم على دراسة اللغة الألمانية والحصول على وظيفة والعثور على منزل في وطنهم الجديد.

وقال يوناس فيدنير الخبير في الهجرة بمركز برلين للعلوم الاجتماعية” الكثير من الأمور سارت بصورة جيدة على نحو مفاجئ”.

وأصبحت ألمانيا أبرز جهة للجوء في أوروبا، حيث ارتفع تعداد سكانها بنسبة 2ر1% خلال عام 2015- فيما تعد أعلى نسبة منذ عام 1992- بسبب الهجرة، حسبما جاء في بيانات مكتب الإحصاء الاتحادي.

ومع مرور الوقت، في ظل وصول المزيد من طالبي اللجوء بحثا عن فرص أفضل، وليس بالضرورة الفرار من الخطر، أثار ارتفاع وتيرة الهجرة المخاوف الاقتصادية والشعور المعادي للأجانب بين بعض الألمان.

ويذكر أنه قبل اندلاع الحرب الأهلية في سوريا عام 2011، كانت أسرة وهبة تعيش حياة جيدة. فقد عمل لأعوام بشركة تصنع الكعك والشكولاتة والعصير، في حين كانت تقوم زوجته بتربية الأبناء. ولكن مع اشتداد وتيرة الحرب، تصاعدت مخاوفهم بشأن سلامة الأسرة.

وفي ديسمبر/كانون الأول 2012، استهدفت قنبلة المدرسة الابتدائية التي ترتادها ابنتهما الكبرى رجاء أثناء وجودها في الفصل. ولم تصب رجاء في الهجوم، ولكنه كان بمثابة إشارة لهم بالمغادرة.

وقالت الشعار لزوجها ” علينا أن نرحل”.

وقالت الشعار وزوجها إن البداية الجديدة في ألمانيا كانت صعبة: فهما لا يتحدثان اللغة الألمانية، كما أن فصول الشتاء كانت أكثر برودة مما كانت عليه في سوريا، كما أن السلطات في البداية لم تعترف بشهاداتهما الجامعية.

ولكنهما أصرا على النجاح، وقاما بالانخراط في فصول لتعلم الألمانية، وقاما في البداية بالتدرب لدخول سوق العمل. وعثرت الشعار، التي تعمل كمهندسة مدنية على وظيفة مستقرة بوزارة النقل، وألحقت بناتها الثلاثة بمدرسة ثانوية جيدة.

وقالت الشعار” أنا فخورة، وكنت محظوظة بوجود أشخاص جيدين حولي” في إشارة إلى الألمان الذين ساعدوهم عندما كانوا لاجئين، وأصبحوا أصدقاء لهم. ولكنها واجهت أيضا عداء بصفتها أجنبية.

وقد دفع الغضب إزاء الهجرة لصعود حزب البديل من أجل ألمانيا اليميني المتطرف، الذي سيكون ثاني أكبر حزب في حال أجريت الانتخابات اليوم، وفقا لاستطلاعات الرأي. ويساند الناخبون في أماكن أخرى في أوروبا بصورة متزايدة الأحزاب القومية اليمينية، التي تتعهد بتقييد الهجرة.

وفي استطلاع رأي حديث تضمن السؤال عن مستوى ” تعامل ألمانيا مع تدفق نحو 5ر1 مليون لاجئ ما بين 2015 و 2020″ أجاب 21 % بـ ” جيد” و 41% بـ ” أقل من جيد، وقال 37% ” غير جيد مطلقا”. وجمع معهد فورسا البيانات بالنيابة عن شبكة ” ار تي ال” ما بين 22 إلى 25 أغسطس/آب الماضي. وشمل الاستطلاع 1006 أشخاص.

وعلى الرغم من أن الكثير من الألمان أعربوا عن غضبهم من خلال احتجاجات إزاء  الموقف المعادي للهجرة من جانب حزب البديل من أجل ألمانيا، فإن المستشار الألماني فريدريش ميرتس، الذي ينتمى للحزب الديمقراطي المسيحي يمين-الوسط استند في حملته الانتخابية على التعهد بإنهاء ” الهجرة غير المنظمة”. وبمجرد تولى الحكومة الجديدة مقاليد السلطة، عززت على الفور من القيود على الحدود للحد من الهجرة إلى ألمانيا، كما بدأت في تسريع عملية ترحيل طالبي اللجوء المرفوضين والمجرمين.

وقالت الشعار إنها تراقب صعود اليمين المتطرف بقلق، ولكن في نفس الوقت لا تريد أن تترك نفسها عرضة للخوف لأنها تشعر أن أسرتها فعلت كل شيء بصورة صحيحة، حتى إذا كان الاندماج في المجتمع الألماني ليس سهلا.

وقد أنهت ابنتها الكبرى رجاء / 20 عاما/  الدراسة في  المدرسة الثانوية، وتعتزم الانضمام لكلية الفنون، كما ستبدأ ابنتها الوسطى رازان / 17 عاما/ عامها الأخير في المدرسة بعد عطلة الصيف، وستكون الأبنة الصغرى رنين / 13 عاما/ التي تم انتخابها لتكون ممثلة الفصل العام الماضي في الصف الثامن قريبا.

وعلى الرغم من سقوط نظام بشار الأسد العام الماضي، لا تعتزم الأسرة العودة إلى موطنها . ولكن الشعار قالت إنها هي وزوجها دائما ما يشعران بالحنين  لسوريا.