أغلق

عاجل.. العمالة .. إسفين يُدقّ في سيادة الأوطان

عاجل.. العمالة .. إسفين يُدقّ في سيادة الأوطان

صراحة نيوز- عوض ضيف الله الملاحمة

كل شعوب الأرض لا تخلو من خونة وعملاء رخيصون ، يبيعون أوطانهم مقابل دريهمات ، او مكاسب تشبههم . والخيانات تشهدها الأوطان في كل الأزمان ، حتى في حالات الرخاء ، والأمان ، والإستقرار . لكنها تظهر ، وتنتشر بشكل ملفت للنظر عندما تكون الأوطان ترزح تحت الإحتلال .

ولنا الكثير من الأمثلة خاصة ماحدث بين هتلر واحد العملاء الفرنسيين — حسبما تسعفني ذاكرتي المتواضعة — حيث قدّم هذا الفرنسي الخائن العميل الكثير والخطير الذي سهّل إحتلال هتلر لباريس ، كونه كان ضابطاً في الجيش الفرنسي . وبمجرد ان بسط هتلر سيطرته على فرنسا ، طالب العميل الفرنسي بمكافأة جزلة تتناسب مع ما قدّم من خدمة للرايخ الألماني ، فطلب من هتلر ان يوليه منصباً مرموقاً في فرنسا . فرد عليه هتلر بكلمات وقعت على أذنيه كالصاعقه عندما قال له بكل جلافة وقسوة : لا يمكنني الثقة بمن خان وطنه ، سنقدم لك مكافأة مالية مجزية ، ولتنصرف بعد ذلك .

إبتُليت القضية الفلسطينية بالكثير من الخيانات المتعددة والمتنوعة بأشكالها وانواعها . حيث شهِدت ، وتشهد ، وستشهد الكثير من الخيانات الفاقعة الخطيرة . وغرابة ما يحدث من خيانات يتناسب وطبيعة القضية ، وتعقيداتها ، وخصوصيتها .

سبق لي ان زرت الأراضي الفلسطينية المحتلة عدة مرات خلال الأعوام ١٩٩٧ — ٢٠٠٢ م . وفي إحدى الزيارات تعرفت على أحد المسؤولين في إحدى الوزارات في السلطة الفلسطينية . وتحدثنا كثيراً عن القضية الفلسطينية تحديداً . لكنه كان يركز على المعيقات ، والعقبات الكأداء التي تنخر في النضال الفلسطيني ، وتشوهه ، وتحبطه .

كان ذلك الرجل الفلسطيني المخلص لقضيته ، يركز على فشل السلطة ، وكان يعتبر انها أصابت القضية في مقتل ربما لن تبرأ منه .

كما كان يركز على إنتشار العملاء داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة . وحدثته مقاطعاً : بان العمالة والخيانة موجودة بين كافة شعوب الأرض منذ بدء الخليقة . قال صحيح ما تقول ، لكن نسبة العملاء عندنا كبيرة . ومع إصراري على وجهة نظري بانه يضخم التوصيف ربما لسببين : أولهما : انه يعيش في الداخل ويطلع على التفاصيل . وثانيهما : أن إنتمائه لقضيته أوصله للتشدد في أحكامه . فقال : أبداً ، وسوف أُجيبك بأدلة ميدانية ستشاهدها بنفسك . فاستغربت ، وقلت : يا رجل هدء من روعك ، وأجنح للعقل والمنطق ، كيف يمكنني ان أشاهد عمالة بنفسي ؟ فاستقلينا سيارته ، وذهبنا الى منطقة ما ، قال لي : ما هذه ؟ أجبت : يبدو انها مستوطنة صهيونية ، بسبب إحاطتها بسورٍ عالٍ ، مكهرب ، وشائك وقطع الزجاج مغروزة في الإسمنت ، وأضفت : كما يؤكد توقعي وجود بوابتين فقط ، وتهجع سيارة عسكرية صهيونية من نوع ( سكاوت ) عند كل بوابة مع حراسة يبدو انها مشددة . لاذ بالصمت ، واستمر في قيادة سيارته لعدة كيلومترات ، ثم أشار الى منطقة تشبه الأولى ، وقال لي : ما هذه أيضاً ؟ أجبت بكل ثقة بانها تشبه المستوطنة الأولى التي شاهدناها .

صَمتَ ، وقال لي اين تود الذهاب ؟ قلت له : الى المسجد الأقصى حتى أصلي العصر ، وابقى حتى صلاتي المغرب والعشاء حتى أصليهما فيه ، بعدها اعود الى الفندق الذي أقيم فيه . قال لي بلغة الواثق : إذا سوف أجيبك بإختصار : ما شاهدته هما مستوطنتان شيدتا خصيصاً للعملاء الذين ينكشفون وينفضح أمرهم عند الفلسطينيين ، فينقلهم العدو للإقامة فيهما حماية لهم حتى لا تتم تصفيتهم ، ولعلمك داخلها مدن متكاملة من حيث الخدمات بحيث لا يحتاجون للخروج خارجها ، حيث تتوافر كافة وسائل الترفيه ، وتُصرف لهم مخصصات مالية بسخاء .

كما انني في إحدى زياراتي استأجرت سيارة لتوصلني الى رام الله . وأثناء تجاذبنا اطراف الحديث ، أفصح لي السائق بأنه دخل سجون الاحتلال عدة مرات بإرادته . قلت له مستغرباً : كيف ؟ ولماذا ؟ قال : انه كان ينفذ تكليفاً بقنص العصافير . استفزني بما قال ، وقلت بعصبية : ( بتتخوث ) ؟ فأقسَم بان ما يقوله صحيح . وقلت له : انتهينا . قال دعني اوضح لك : كان يتم تكليفي بافتعال مشكلة معينة ، تتسبب بدخولي السجن ، لأرصد واتتبع سلوك بعض المساجين الفلسطينيين ، ممن يقومون بدور المخبرين للعدو ، حيث يتقربون للمناضلين المسجونين للحصول على معلومات منهم ، واقوم بتصفيتهم جسدياً داخل السجن . وعندما تأكدت من جدية حديثه ، سألته : وكم عميلاً فلسطينياً قتلت داخل السجون ؟ قال : ( ١٣ ) عميلاً .

ما حثني على كتابة هذا المقال ، ما تابعته بألم ، وحسرة حول ما تناقلته وسائل الإعلام عن إغتيال العميل الخائن / ياسر ابو شباب . والأدهى والأمرّْ انهم ليسوا افراداً بل تنظيماً يقدره البعض بالألوف . وفرحتي كانت كبيرة بتصفيته على يد أعضاء من جماعته .

لا ادري كيف يسيرون بطريق العمالة الدنيء ، وهم يعرفون عدالة قضيتهم ؟ وان الكيان الذين يودون خدمته هو كيان استعماري استيطاني إحلالي مجرم ، سرق أرضهم ، وهتك عرضهم ، وقتل شبابهم وشيوخهم وأطفالهم ونسائهم ؟ كيف يقبلون ان يكونوا عملاء لكيان يقتل ويدمر ويهلك الحرث والنسل في بلدهم !؟ ولو افترضنا مجازاً انهم يلجأون للعمالة لتحقيق مكاسب شخصية ، منها : ضمان سلامتهم من القتل على يد العدو ، وتحصيل مكاسب مادية دنيئة مثلهم ، كيف يسعون لهذا في حين ان ابناء جلدتهم يُقتلون ويتضورون جوعاً . ثم الا يخشون من إنكشاف عملاتهم التي ستؤدي الى تصفيتهم ؟ لا أدري ، ولا أفهم كيف يبررون عمالتهم ؟

العملاء انهكوا حركات التحرر الفلسطيني ، وربما أدى ذلك الى إفشال السير في طريق التحرر والتحرير . وهل ننسى من إغتال الشيخ / احمد ياسين ، والدكتور / عبدالعزيز الرنتيسي ، وغيرهما الكثير . ونتذكر الآلية التي كانت تُمكِّن العدو من قنصهم بدقة عجيبة . حيث كان العملاء يضعون طلاءاً خاصاً مُشِعّاً على عربة الشيخ احمد ياسين ، وعلى سيارات الآخرين ، وتقوم الطائرات بالتقاط الإشعاع وإصابة الهدف بدقة متناهية .

إبراز نقاط الضعف ، وإظهار أحد معيقات النضال الفلسطيني الداخلية ، لا يعني ، ولا ينفي المقاومة البطولية الشرسة التي قدمها ، وسيقدمها الأبطال الشجعان الشرفاء من الشعب الفلسطيني العظيم . وليعلم القراء الكرام انني لا أسرد ذلك شماتة أبداً ، بل الغاية التأشير على مكامن الخلل لإنعاش النضال الفلسطيني الهادف لتحرير الأرض وتحرر الإنسان ، فالخيانة والعمالة نقيصة وسقوط ، وإسفين يُدقّ في سيادة الأوطان .

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *