في تطور صاعق يهز القلوب، سجلت العملة اليمنية انهياراً تاريخياً وصل إلى 530.50 ريال مقابل الدولار الواحد، مما يعني أن راتب موظف حكومي لشهر كامل لا يتجاوز قيمة 94 دولاراً أمريكياً فقط. هذا الرقم المرعب يضع 30 مليون يمني على شفا هاوية اقتصادية حقيقية، حيث تحذر التقارير من أن كل دقيقة تمر قد تشهد انهياراً أعمق يقضي على آخر بقايا القوة الشرائية لشعب يصارع من أجل البقاء.
وسط صمت مريب من البنك المركزي اليمني، كشفت الأرقام الرسمية عن كارثة اقتصادية حقيقية – انهيار بنسبة 1800% منذ بداية الحرب، حيث ارتفع الدولار من مستويات معقولة إلى أرقام خيالية تحول الحياة إلى جحيم يومي. أحمد محمد، الموظف الحكومي الذي يتقاضى 50 ألف ريال شهرياً، يروي معاناته بصوت مكسور: “راتبي الشهري بالكامل لا يكفي لشراء 100 دولار، كيف أطعم أطفالي الخمسة؟” بينما تتراكم أكوام الأوراق النقدية المتهالكة أمام محلات الصرافة كشاهد على مأساة عملة تحتضر.
قد يعجبك أيضا :
الجذور العميقة لهذا الانهيار المدمر تمتد إلى عام 2016، حين انقسم الجهاز المصرفي اليمني بين صنعاء وعدن، مما خلق نظامين نقديين منفصلين في دولة واحدة ممزقة. الدكتور عبدالله الحكيمي، الخبير الاقتصادي المتمرس، يحذر بنبرة قاتمة: “هذا الاستقرار المؤقت مثل عين العاصفة – هدوء خادع قبل الانهيار الحقيقي”. التاريخ يعيد نفسه بقسوة، فالتجارب السابقة في 2018 و2020 شهدت استقراراً مشابهاً انتهى بانهيارات مدوية، مما يجعل الوضع الحالي أشبه بألمانيا في العشرينات حين احتاج المواطن عربة يد لحمل النقود لشراء رغيف خبز.
في شوارع صنعاء وتعز والحديدة، تتحول رحلة شراء الأدوية إلى مغامرة مالية محفوفة بالمخاطر، حيث تعيش العائلات اليمنية كابوساً يومياً يتجدد مع كل إشراقة شمس. فاطمة العنسي، التاجرة الصغيرة التي طورت استراتيجية البقاء، تكشف سرها: “أستغل أي استقرار مؤقت لتخزين البضائع، لأن الأسعار غداً قد تكون أعلى بـ20%”. الطلاب اليمنيون في الخارج يواجهون معضلة مؤلمة – تحويل 1000 دولار لدفع رسوم جامعية يتطلب الآن أكثر من نصف مليون ريال، مبلغ خيالي يحطم أحلام جيل كامل. سالم البخيتي، الصراف في السوق المحلي، يصف المشهد المؤلم: “الناس تأتي كل صباح بوجوه مليئة بالخوف تسأل: هل ارتفع الدولار اليوم؟”
قد يعجبك أيضا :
رغم التنفس المؤقت الذي يوفره تجميد الأسعار، يبقى السؤال المصيري معلقاً في الهواء كسيف مسلط على رقاب 30 مليون يمني: كم من الوقت ستصمد هذه الأسعار أمام ضغوط الواقع الاقتصادي المرير؟ الخبراء ينصحون بتنويع المدخرات وعدم الاعتماد على عملة واحدة، بينما يحذرون من أن المستقبل النقدي لليمن رهين بإنهاء الحرب وإعادة توحيد الجهاز المصرفي. في بلد تحول فيه الريال اليمني إلى منزل يحترق ببطء، كل يوم قد يكون الأخير قبل انهيار جديد يقضي على ما تبقى من أحلام شعب يستحق حياة كريمة.
