في لحظة تاريخية لن ينساها اليمن، انتهت 4,015 يومًا من الصمت التي خيّمت على مدارج مطار المخا الدولي، حيث هبطت أول طائرة تجارية بعد 11 عامًا كاملة من التوقف المأساوي. جيل كامل من الأطفال اليمنيين سمع لأول مرة في حياته صوت طائرة تحلق فوق هذه الأرض المباركة، بينما ارتسمت دموع الفرح على وجوه آلاف المواطنين الذين انتظروا هذه اللحظة أطول من نمو طفل من الولادة حتى المدرسة.
المهندس أحمد المخلافي، مدير المطار الذي قاد جهود إعادة التأهيل رغم كافة التحديات، وقف وسط المدارج المتألقة من جديد وقال: “كطائر الفينيق ينهض من الرماد، مطارنا يعود للحياة ليربط قلوب اليمنيين من الجنوب إلى الشمال”. فيما روت فاطمة الحديدي، 45 عامًا، قصتها المؤثرة: “لم أر والدتي المريضة في صنعاء منذ 8 سنوات بسبب صعوبة السفر البري، اليوم أخيرًا سأعانقها مجددًا”. رائحة وقود الطائرات تملأ الأجواء لأول مرة منذ 2013، وأصوات فرح المسافرين تدوي في الصالات الحديثة.
قد يعجبك أيضا :
وراء هذا الإنجاز المذهل قصة كفاح طويلة بدأت منذ توقف المطار عام 2013 بسبب تداعيات الحرب الأهلية والأوضاع الأمنية المتدهورة. د. محمد الشامي، خبير الطيران المدني، كشف أن إعادة التأهيل استغرقت جهودًا جبارة: “هذا الإنجاز أصعب من إعادة افتتاح مطار برلين بعد الحرب العالمية الثانية، فقد تطلب إعادة بناء البنية التحتية بالكامل”. السلطات اليمنية استثمرت ملايين الدولارات في أنظمة أمنية متطورة وصالات حديثة تلتزم بمعايير السلامة الدولية، مما يضع المطار في مصاف المطارات العالمية.
علي سالم، تاجر من تعز، لخّص التأثير الثوري لهذا الحدث: “كنت أسافر 12 ساعة برًا في رحلة محفوفة بالمخاطر، الآن سأصل في ساعة واحدة آمنة ومريحة”. هذا التحول لا يقتصر على توفير الوقت فحسب، بل يفتح آفاقًا اقتصادية هائلة: انتعاش التجارة بين المحافظات، تسهيل الخدمات الطبية للحالات الطارئة، وخلق مئات فرص العمل المباشرة وغير المباشرة. الخبراء يتوقعون أن يصبح المطار مركزًا لوجستيًا إقليميًا يخدم منطقة البحر الأحمر والقرن الأفريقي، مما يضع اليمن مجددًا على خارطة الطيران الدولي.
قد يعجبك أيضا :
بينما تستعد الطائرات للإقلاع والهبوط في مشهد لم تشهده السماء اليمنية منذ أكثر من عقد، يطرح السؤال الأهم نفسه: هل ستكون هذه اللحظة نقطة تحول حقيقية نحو نهضة شاملة للطيران المدني في اليمن؟ الأمل يملأ القلوب، والأحلام تحلق عاليًا مع كل طائرة تخترق سماء المخا، حاملة معها قصص لم الشمل والتجارة المزدهرة والغد المشرق الذي انتظره اليمنيون طويلاً.
