
أعلنت وزارة الأوقاف عن موضوع خطبة الجمعة القادمة 29 أغسطس 2025، الموافق 6 ربيع الأول 1447 هـ، وهي بعنوان «سماحة الإسلام».
وقالت وزارة الأوقاف إن الهدف من هذه الخطبة هو التوعية بصور ومظاهر سماحة الإسلام، ووجوب نشر ذلك بشكل عمليّ.
الحمدُ لله ربِّ العالمينَ، فطرَ الكونَ على الرحمةِ، وبثَّ في الوجودِ آياتِ الحكمةِ، نحمدُه سبحانَهُ على نعمةِ الإسلامِ، دينِ السماحةِ والسلامِ، الذي شرع لنا سبلَ الخيرِ، وأنارَ لنا دروبَ اليُسر، وَنَسْأَلُهُ الهُدَى وَالرِّضَا وَالعَفَافَ وَالغِنَى، ونَشْهَدُ أنْ لَا إلهَ إِلا اللهُ وحدَهُ لا شَريكَ لَهُ، ونَشْهدُ أنَّ سَيِّدَنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَصَفِيُّهُ مِنْ خَلْقِهِ وَحَبِيبُهُ وَخَلِيلُهُ، صَاحِبُ الخُلُقِ العَظِيمِ، النَّبِيُّ المُصْطَفَى الَّذِي أَرْسَلَهُ اللهُ تَعَالَى رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ، اللَّهُمَّ صَلِّ وسلِّمْ وبارِكْ علَيهِ، وعلَى آلِهِ وَأَصحَابِهِ، ومَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إلَى يَومِ الدِّينِ، وَبَعْدُ:
فإنّنا نعيشُ أيامًا مباركةً نستحضرُ فيها ذِكرَى مَوْلدِ سيدِ الخلقِ سيدِنا محمدٍ صلى الله عليه وسلم، الذي أرسلَهُ اللهُ رحمةً للعالمينَ، ومَن تدبَّر سيرتَهُ العطرةَ وجدَ السماحةَ منهجًا نورانيًّا في حياتِه كلِّها، في بيتِهِ، مع أصحابِهِ، مع أعدائِهِ، فلم يُكره أحدًا على الإسلامِ، بل دعا بالحكمةِ والموعظةِ الحسنةِ، إنّهُ نبيُّ السماحةِ، في القولِ والعملِ، في العبادةِ والمعاملةِ، في السلمِ والحربِ.
عبادَ اللهِ، تأمَّلُوا هذا المشهدَ العظيمَ الذي تتبدّى فيهِ سماحةُ هذا الدينِ الفخيمِ، حيث أرادَ «ثمامةٌ» أن يؤذيَ المسلمينَ، فجيء به إلى منبعِ السماحةِ والرحمةِ صلوات ربي وسلامه عليْهِ الذي كان عنوانًا للجمالِ الممزوجِ بالجلالِ، فكانَ جمالُ الخُلُقِ، ورحابةُ الصدرِ، والتعاملُ الراقي، والقلبُ الكبيرُ، حين سرى الأمرُ المحمديُّ «أطلقوا ثمامة» قطرةَ ندى تسقطُ على أرضٍ عطشى، لتشقَّ طريقَ الإيمانِ إلى أعمقِ زوايا قلبِ ثُمَامة، فتذيب جليدَ العداوةِ المستحكمةِ، وتحوِّل الخصمَ اللدودَ إلى صحابيٍّ جليلٍ يردّد تلك الكلماتِ الخالدةَ: «أشهدُ أن لا إله إلا اللهُ، وأشهد أن محمدًا رسولُ الله»، ثم أردفَ بكلماتٍ تُخلدُ سماحةَ هذا الدينِ في النفوسِ: «واللهِ يا محمدُ، ما كانَ على وجهِ الأرضِ وجهٌ أبغض إليَّ مِن وجهكَ، فقد أصبحَ وجهُكَ أحبَّ الوجوهِ إليَّ، وما كان من دينٍ أبغض إليَّ مِن دينِكَ، فأصبحَ دينُكَ أحبَّ الدينِ إليَّ”.
أيّها الكرامُ، إنَّ خطابَ الكراهيةِ الذي حرَّف مقاصدَ الشرعِ الشريفِ وشوَّهَ صورةَ الإسلامِ النقيةَ الزاهيةَ، قد جعلَ من التعاملِ مع غيرِ المسلمينَ بابًا للغلظةِ والعداوةِ، ولكن تدبَّرُوا وتروَّوْا: ألم يأتِ الإسلامُ ليحررَ العقولَ من قيودِ الغلوِّ والتشددِ؟ أليسَ الخطابُ المحمديُّ الممزوجُ بالسماحةِ والعدلِ والرأفةِ يطلقُ الأرواحَ مِن سجونِ الشحناءِ والبغضاءِ؟ أما رأيتم الجنابَ المعظمَ صلواتُ ربِّي وسلامُه عليهِ سيدَ أهلِ التسامحِ يقومُ لجنازةِ غيرِ مسلمٍ، ويزورُ مريضًا على غيرِ دينِه، فكان مثالًا حيًّا لما يدعو إليه هذا البيانُ الإلهيُّ: {لَّا يَنْهَاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْـمُقْسِطِينَ}، فلنواجهِ الفكرَ المتطرفَ بسماحةِ الدينِ، فإنَّ دينَنا الحنيفَ ينبذُ العنفَ والإقصاءَ، ويعلي من شأنِ التسامحِ والتعايشِ مع الدنيا كلِّها.