في تطور مذهل يعيد كتابة التاريخ، تشهد ساحة العدل بوسط الرياض أسرع تحول حضاري في العالم العربي – من مسرح لـ 340 إعداماً سنوياً إلى ملعب صاخب بضحكات الأطفال خلال عقد واحد فقط. تحت أقدام الصغار الذين يلعبون الكرة بحماس، لا تزال أنابيب تصريف الدماء القديمة موجودة، في مشهد يجسد أعظم تناقض حضاري شهدته المنطقة.
“كان المشهد المعتاد لقطع الرؤوس بعد صلاة كل جمعة” – هكذا يتذكر رفيق، العامل الآسيوي البالغ 46 عاماً، الذي شهد بعينيه التحول الدراماتيكي للساحة خلال 15 عاماً من العمل هناك. المكان الذي كان يرتجف المواطنون حتى من المرور بجواره، بات اليوم قبلة للعائلات حيث تتعالى من المقاهي الفاخرة المحيطة أصوات الغناء وضحكات السياح الأجانب. يوسف، الطفل السعودي البالغ 14 عاماً، لا يعرف شيئاً عن التاريخ الدموي للمكان: “نحن نلعب كل أسبوع هنا، إنها مجرد ساحة لعب”.
قد يعجبك أيضا :
هذا التحول الثوري ليس وليد الصدفة، بل جاء ضمن رؤية 2030 الطموحة التي أطلقها الأمير محمد بن سلمان منذ توليه ولاية العهد. السعودية، التي ظلت ثالث أكثر دول العالم تنفيذاً لأحكام الإعدام بعد الصين وإيران، قررت إنهاء حقبة الإعدامات العلنية منذ 2013. الباحثة دعاء دهيني من المنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان تؤكد أن التوقف جاء دون تفسيرات رسمية، لكنه يتماشى مع سعي المملكة لتحسين صورتها الدولية وجذب الاستثمارات السياحية.
اليوم، تنبض الساحة بحياة جديدة تماماً حيث تجلب العائلات السعودية أطفالها ليلعبوا في المكان نفسه الذي كانت تتجمع فيه الحشود لمشاهدة الإعدامات. سارة المستثمرة البالغة 35 عاماً، التي افتتحت مؤخراً مقهى فاخراً يطل على الساحة، تحقق أرباحاً متنامية من السياح الأجانب الذين يأتون لمشاهدة هذا التحول التاريخي. “كل دول العالم لديها لحظات مثل تلك في تاريخها” تقول هنوف، الأم الثلاثينية وهي تحتسي القهوة العربية: “نحن لا نخجل من تاريخنا، وهذا جزء نفتخر به”. لكن السؤال الحقوقي يبقى مطروحاً: هل يكفي تحويل مكان الإعدام لإمحاء السجل الحقوقي؟
قد يعجبك أيضا :
بينما تواصل المملكة مسيرتها نحو أن تصبح مركزاً إقليمياً للسياحة والترفيه، تبقى الساحة شاهداً حياً على أعظم تحول اجتماعي في المنطقة. من ساحة الرعب إلى جنة الأطفال في أقل من عقد واحد – إنجاز تاريخي أم مجرد طلاء جميل على ماضٍ دموي؟ السعودية تراهن على أن ضحكات الأطفال اليوم أقوى من صرخات الأمس، لكن هل سيحكم التاريخ لصالح هذا الرهان الجريء، أم ستعود الذكريات الدموية لتطالب بحقها في المحاسبة والعدالة؟
