في تطور يبدو هادئاً على السطح لكنه يخفي عاصفة تحت الرماد، شهد الدولار استقراراً خادعاً في بداية تعاملات اليوم، بينما ما زالت آثار ارتفاعه بـ20 قرشاً خلال أسبوع واحد تحرق جيوب ملايين المصريين. والحقيقة المذهلة أن 36 بنكاً مصرياً تبيع الدولار بأسعار مختلفة في نفس اليوم، خالقة فوضى تسعيرية تربك المواطنين وتفتح باب المضاربة على مصراعيه.
خلف أرقام البنك المركزي الرسمية التي تُظهر متوسط 47.53 جنيه للشراء و47.63 للبيع، تكمن حقائق صادمة. فالفارق بين أقل سعر في بيت التمويل الكويتي وأعلى سعر في مصرف أبوظبي الإسلامي يصل إلى 31 قرشاً – مبلغ يساوي سعر رغيف خبز كامل. “شاهدت الأرقام تتراقص أمام عيني كموج البحر في العاصفة”، تحكي مريم عبدالله، صاحبة محل عطارة، وهي تضطر لتعديل أسعارها أسبوعياً. هذا التذبذب ليس مجرد أرقام على الشاشات، بل سكين تقطع لحم الاقتصاد المصري.
قد يعجبك أيضا :
الجذور العميقة لهذه الأزمة تمتد إلى تبعات تحرير سعر الصرف منذ 2016، حين فتحت مصر صندوق باندورا النقدي. اليوم، تأتي الضغوط من كل اتجاه: التضخم العالمي يقصف الاقتصادات الناشئة، نقص النقد الأجنبي يخنق التجارة، وضغوط الاستيراد تتصاعد مع كل أزمة إقليمية. الخبراء يحذرون من أن هذا الاستقرار المؤقت قد يكون مجرد هدوء ما قبل العاصفة، خاصة مع توقعات بمزيد من التقلبات في الربع المقبل.
لكن وسط هذه العتمة الاقتصادية، تضيء شمعة أمل بمبادرة الشمول المالي لذوي الهمم، حيث بدأت البنوك في تقديم خدمات مجانية شاملة من فتح الحسابات إلى التمويل. د. فاطمة الشربيني، الخبيرة من ذوي الهمم، تروي كيف مكنتها هذه المبادرة من تطوير مشروعها الصغير رغم تقلبات العملة. في المقابل، يعيش أحمد محمود، الموظف الحكومي براتب 8000 جنيه، كابوساً يومياً يرى فيه قوته الشرائية تتبخر مع كل ارتفاع جديد للدولار.
قد يعجبك أيضا :
النتيجة الحتمية لهذا التذبذب المستمر واضحة كالشمس: ارتفاع حاد في أسعار السلع المستوردة، من الطعام إلى الدواء والوقود، وتزايد معدلات التضخم التي تأكل مدخرات الطبقة المتوسطة. الحل يكمن في التحرك السريع: تنويع المدخرات، الاستفادة من البرامج المصرفية الجديدة، وتأجيل المشتريات الكبرى حتى تهدأ العاصفة. السؤال الذي يطرح نفسه الآن: هل سيصمد هذا الاستقرار الهش أمام رياح التغيير القادمة، أم أن المصريين على موعد مع مزيد من التقلبات؟
