البرلمان البريطاني ينعقد على وقع أزمة إغلاق مصنع للصلب شمال إنجلترا
الاربعاء 16 ابريل 2025 | 01:02 مساءً

مصنع صلب في إنجلترا
في تحرك نادر، عقد البرلمان البريطاني جلسة طارئة بعد عطلة عيد الفصح، ليس لمواجهة حرب أو هجوم إرهابي أو وفاة أحد أفراد العائلة الملكية، بل لمناقشة الإغلاق المحتمل لمصنع الصلب في سكونثورب شمال إنجلترا، وهو ما اعتبرته الحكومة تهديدًا استراتيجيًا للصناعة الوطنية.
إغلاق مصنع الصلب في سكونثورب شمال إنجلترا
أكدت الحكومة أن شركة “جينجي” الصينية، المالكة لمجمع الصلب البريطاني في سكونثورب، أعربت عن نيتها إلغاء طلبات المواد الخام اللازمة لتشغيل الأفران، وهو ما قد يؤدي إلى توقف بريطانيا عن إنتاج الصلب الخام لأول مرة منذ الثورة الصناعية.
وأقر البرلمان مشروعًا يمنح الحكومة السلطة الطارئة لإدارة المصنع، بل وصلت الإجراءات إلى منع موظفي “جينغي” من دخول الموقع باستخدام الشرطة.
وصرّح جوناثان رينولدز، وزير الدولة للأعمال والتجارة، بأن خيار تأميم المصنع بالكامل مرجّح، مما يعني أن الحكومة قد تضطر لتولي عملية صناعية معقدة ومكلفة، طالما كانت تحت إدارة شركات خاصة، غالبًا أجنبية.
تراجع دور بريطانيا في صناعة الصلب
رغم تاريخها العريق، أصبحت بريطانيا لاعبًا صغيرًا في سوق الصلب العالمي، إذ لا تمثل سوى 0.3% من الإنتاج العالمي، وتعتمد بشكل كبير على الواردات لتلبية الطلب المحلي.
ويمثّل قرار الحكومة باستعادة السيطرة على المصنع إشارة قوية على التغير في نهج الدول الغربية تجاه الصناعات الحيوية ذات الأهمية الاستراتيجية، لا سيما في ظل بيئة اقتصادية وجيوسياسية تتسم بقدر كبير من الغموض، حيث تواجه بريطانيا معضلة الموازنة بين الالتزام بالعولمة والحفاظ على سيادتها الصناعية.
تاريخ متقلب وملكية مثيرة للجدل
شهدت ملكية شركة بريتش ستيل، المشغّلة للمجمع، تغييرات عدة منذ خصخصتها في ثمانينيات القرن الماضي، لكن فترة ملكية “جينغي” التي بدأت في 2020 كانت من بين الأكثر اضطرابًا، وقد أدت وفرة الصلب الصيني في الأسواق إلى ضغط كبير على قطاع الصلب البريطاني، الذي يعاني بالفعل من ارتفاع تكاليف الإنتاج، خاصة في مجال الطاقة.
ووفقًا لما أعلنته “جينجي”، فإن المصنع يخسر نحو 700 ألف جنيه إسترليني يوميًا، على الرغم من ضخ استثمارات كبيرة، مما يجعل استمراريته غير قابلة للتحمل ماليًا.
رد فعل صيني وتحذيرات سياسية
ردت وزارة الخارجية الصينية، على لسان المتحدث باسمها لين جين، محذّرة بريطانيا من تحويل التعاون الاقتصادي إلى نزاع سياسي أو أمني، معتبرة أن مثل هذه التصرفات قد تقوّض ثقة الشركات الصينية في بيئة الاستثمار البريطانية.
وفي الجلسة البرلمانية الطارئة التي عقدت السبت الماضي، اتهم الوزير رينولدز شركة “جينجي” بمحاولة تخريب المصنع عمدًا، من خلال إلغاء ودفع مستحقات طلبيات الحديد الخام والفحم، مما كان سيؤدي إلى توقف أفران الصهر، وهي عمليات لا يمكن استئنافها بسهولة بعد تبريدها.
وقال رينولدز: “لا يمكن للحكومة أن تقف مكتوفة الأيدي بينما الحرارة تتسرب من آخر أفران الصهر في المملكة المتحدة”.
أبعاد سياسية واقتصادية أوسع
يرى مراقبون أن قرار رئيس الوزراء كير ستارمر باستعادة السيطرة على المصنع يحمل أبعادًا سياسية واستراتيجية، ففي حين يشكل الصلب جزءًا من “فخر وتراث” بريطانيا، فإن له دورًا حاسمًا في البنية التحتية والدفاع، خاصة في ظل تقليص الولايات المتحدة وجودها العسكري في أوروبا، مما يعزز الحاجة إلى استقلال صناعي أوروبي.
كما تأتي هذه الخطوة في وقت حساس سياسيًا، إذ يقترب موعد الانتخابات المحلية في مايو المقبل، وقد استبق حزب الإصلاح البريطاني اليميني المتشدد، بقيادة نايجل فاراج، المشهد بدعوته العلنية إلى تأميم المصنع بالكامل، مما وضع حزب العمال الحاكم أمام تحدٍ سياسي مباشر، خاصة مع احتمالية فقدان 2700 وظيفة في حال إغلاق المصنع.
سابقة قد تمتد لقطاعات أخرى
وفي مقارنة لافتة، لم تتدخل الحكومة العام الماضي لإنقاذ مصنع الصلب الكبير في بورت تالبوت بويلز، حيث أُغلقت أفران الصهر وأُعلنت خطة للانتقال نحو إنتاج صلب منخفض الانبعاثات باستخدام الكهرباء، ما أدى إلى فقدان نحو 2800 وظيفة.
ويعتقد المؤرخ البريطاني ديفيد إدجيرتون، أستاذ التاريخ الحديث في “كينجز كوليدج لندن”، أن ما يحدث في سكونثورب قد يشكل سابقة تاريخية، مضيفًا أن الحكومة كانت مترددة جدًا في اتخاذ هذه الخطوة، لأنها قد تفتح الباب أمام استعادة السيطرة على قطاعات حيوية تم خصخصتها سابقًا، مثل الكهرباء والمياه والسكك الحديدية، والتي تعاني حاليًا من أزمات تشغيلية حادة.
نقلا عن الجريدة العقارية