البريطانيون قلقون بشأن الاعتماد على الصين في الصناعة

البريطانيون قلقون بشأن الاعتماد على الصين في الصناعة

أتاحت المملكة المتحدة، أكثر من غيرها من الدول الأوروبية الكبرى، رؤوس أموال بنيتها التحتية الوطنية الحيوية للمستثمرين الأجانب، وخاصة الصينيين؛ واليوم مع تصاعد التوترات التجارية التي قد تصل إلى الحرب بين الصين والولايات المتحدة، يتزايد النقاش السياسي في لندن حول الاستراتيجية التي ينبغي اتباعها فيما يتعلق ببكين.

هكذا استهلت صحيفة “لوموند” الفرنسية افتتاحيتها بعنوان “البريطانيون قلقون بشأن الاعتماد على الصين”، موضحة أنه منذ أن اضطرت حكومة كير ستارمر إلى تمرير قانون عاجل يوم السبت الماضي الموافق 12 أبريل للسيطرة على أفران الصهر في سكانثورب، التي هدد مالكها الصيني جينجي بتصفيتها، وبدأ البريطانيون يسألون أنفسهم سؤالا أساسيا، وهو السؤال الذي تجنبوه منذ فترة طويلة: “هل من المعقول أن نسمح للبنية الأساسية الوطنية الحيوية بأن تصير معتمدة إلى هذا الحد على رأس المال الأجنبي، وخاصة رأس المال الصيني، في حين أن العالم صار غير مستقر وحمائيا بشكل متزايد؟”. وأعيد فتح النقاش حول الاستراتيجية التي يجب اتباعها تجاه بكين داخل حزب العمال، الذي تولى السلطة منذ يوليو 2024، وبين المحافظين، في حين تم إهمال السيادة الصناعية للبلاد لفترة طويلة.

ويعد فرنا الصهر في سكانثورب، في شمال لينكولنشاير، آخر أفران الصهر في البلاد القادرة على إنتاج خام الفولاذ، وهو أمر ضروري لصناعات الأسلحة والبناء والطيران. وهما تابعان لشركة الصلب البريطانية، وهي شركة وطنية رائدة سابقة، التي غيرت نطاقها وملكيتها عدة مرات قبل أن تستحوذ عليها شركة جينجي في عام 2020.

ومع تسارع وتيرة إزالة الصناعة في عهد تاتشر، شهدت المملكة المتحدة، التي كانت أكبر منتج للصلب في نهاية القرن التاسع عشر، إغلاق معظم أفرانها العالية، بعد أن صارت ضحية لسوق دولية شديدة التنافسية، وعوقبت بأسعار الطاقة الباهظة. وكانت البلاد ثامن أكبر منتج أوروبي في عام 2023، بعد إسبانيا وفرنسا وبلجيكا، بواقع 5.6 مليون طن من الصلب سنويا، مقارنة بـ 1.019 مليون طن يتم إنتاجها في الصين.

وكانت حكومة ستارمر تتفاوض دون جدوى في الأسابيع الأخيرة مع جينجي – الذي قال إنه يخسر الكثير من المال في سكانثورب – لإنقاذ أفران الصهر من الإغلاق، وعرضت 500 مليون جنيه إسترليني (583 مليون يورو) كمساعدات حكومية للانتقال إلى فرن صهر كهربائي.

حتى أن جوناثان رينولدز، وزير التجارة، اقترح تمويل الفحم والحديد اللازمين لإبقاء أفران الصهر قيد التشغيل ـ فإذا نفدت هذه المواد فإنها تبرد ويصبح إعادة تشغيلها مستحيلا تقريبا. لكن المسؤولين التنفيذيين في الشركة رفضوا ذلك. وقال رينولدز يوم السبت 12 أبريل: “إن الحكومة تفاوضت بحسن نية مع جينجي، لكن في الأيام الأخيرة اتضح أن نيتها لم تكن شراء المواد الخام اللازمة لإبقاء أفران الصهر عاملة”.

من جانبه، يرى توري إيان دنكان سميث، أحد أبرز النواب المنتقدين لبكين في مجلس العموم، أن قيام شركة جينجي بتعريض أفران الصهر المتبقية في بريطانيا للخطر لم يكن سلوكا مفاجئا؛ لأن الشركة، من خلال الضغط من أجل إغلاقها، تعلم أننا سوف نضطر إلى الحصول على الصلب مباشرة من الصين”.

ومن خلال فرض ضريبة قدرها 25% على واردات الصلب الي الولايات المتحدة الأمريكية، فمن المؤكد أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يدفع الصين، أكبر منتج للصلب في العالم، إلى البحث بشكل عاجل عن أسواق بديلة. وفي صباح يوم السبت، رفض عمال أفران الصهر دخول المسؤولين التنفيذيين لشركة جينجي إلى موقع سكانثورب، خوفا من قيامهم بتخريب منشأة الإنتاج.

وقال أليستير ماكديارميد، الأمين العام المساعد لاتحاد المجتمع، النقابة الرئيسية لعمال الصلب، في بيان الليلة الماضية: “إنه أمر يذهل العقل، لكننا نعلم الآن أن شركة جينجي كانت تحرم أفراننا من المواد الخام حتى تتمكن من إغلاق إنتاج الصلب في سكانثورب وتغذية المطاحن لدينا من عملياتها في الصين”.

لكن لين جيان، المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية، حذرت الحكومة البريطانية، يوم /الإثنين/، من أي “تسييس” للتعاون التجاري بين البلدين، حتى لا يقوض ثقة الشركات الصينية في الاستثمار في المملكة المتحدة”. فيما قال المتحدث باسم الحكومة البريطانية: “لسنا على علم بأي أعمال تخريب في موقع سكانثورب. واذا كان قد صار من الواضح أن شركة جونجي تريد إغلاق أفران الصهر، فهي شركة خاصة ليست مملوكة للدولة الصينية”.

لكن نواب حزب العمال يدقون ناقوس الخطر. اذ قالت هيلينا كينيدي، الرئيسة المشاركة للمجموعة البرلمانية للتحالف من أجل الصين عن حزب العمال البريطاني: “هناك حاجة إلى مراجعة عاجلة لأمن الاستثمارات التي تحتفظ بها الشركات الصينية في بنيتنا التحتية، التي قد تشكل خطرا على مصالحنا الوطنية”. فيما أشار ليام بيرن، رئيس لجنة التجارة في وستمنستر عن حزب العمال، إلى أنه: “ليس كل المستثمرين لديهم نوايا حسنة. ولم يعد الأمن الاقتصادي شأنا ثانويا”.

وخلصت صحيفة “لوموند” الفرنسية إلى أن “عملية إنقاذ سكانثورب في اللحظة الأخيرة تبدو أشبه بنوبة ذعر أكثر من كونها تكشف عن استراتيجية صناعية طويلة الأجل؛ فموقف حكومة ستارمر يفتقر إلى التماسك. فلدي وصوله إلى داونينج ستريت، أراد ستارمر إعادة إحياء العلاقات مع الصين، بهدف معلن يتمثل في جذب المزيد من رأس المال للمشاركة في تمويل تطوير المشروعات الكبرى والحد من التكلفة على المالية العامة.

وقام وزراؤه بزيارات عديدة إلى بكين في الأشهر الأخيرة: فقد قامت المستشارة راشيل ريفز وزيرة الخزانة بزيارة الي بكين في يناير، وكان وزير الطاقة إيد ميليباند هناك في مارس، وكان دوجلاس ألكسندر، وزير التجارة، لا يزال في زيارة رسمية إلى بكين وهونج كونج يوم الثلاثاء 15 أبريل”.

نقلا عن البورصة

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *