توطين الصناعة فى مصر.. بين التحديات والفرص

توطين الصناعة فى مصر.. بين التحديات والفرص

كثير من الناس فاهمة إن توطين الصناعة دا يعني نصنع المنتج بالكامل في مصر.. وهذا مفهوم خاطيء.. فالتوطين يعني التصنيع داخل السوق المحلي بنسب متفاوتة من تعميق الصناعة بمنطق القيمة المضافة المرتبط بتكاليف الإنتاج وتوافر المزايا التنافسية.. يعني إيه بالبلدى كدة.. يعني إيه هي المنتجات اللى ممكن اصنعها فى مصر وعندى إمكانيات التصنيع فيها كمدخلات وعمليات إنتاج وبتكاليف أقل من استيرادها.. أو أقدر اجيبها من الدول التى ارتفعت فيها تكاليف الإنتاج وبتدور على مراكز إنتاج تنافسية وقريبة من الأسواق nearshoring.. وعلى فكرة مش لازم انتج كامل المنتج فى مصر بس على الأقل لو قادر انتجه بتكاليف تنافسية محليا ويوفر عليه معاناة استيراده ماليا واجرائيا.. ويوصل إلى الأسواق المحلية والإقليمية والعالمية بأقل تكاليف وأسرع وقت..

وعلى فكرة الاهتمام بمفهوم توطين الصناعة كان قبل العولمة منذ العصور القديمة وليس جديد وتطور واخد منحنى أفضل مع انتشار العولمة الاقتصادية رغم ما يشوبها من تحديات حاليا على مستوى التجارة العالمية بحروب تجارية وسياسات حمائية عنيفة من الدول الرأسمالية ذاتها.. بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية منذ تولي ترامب الحكم سواء فى فترته الأولى أو الثانية بعد عودته إلى الحكم..

فالعولمة اتاحت الفرصة للتعرف على السوق العالمي بكل مكوناته ومزاياه وعيوبه.. ومن خلال التجارة الحرة والانفتاح الاقتصادي للدول؛ وبدأت الدول تجني ثروات من انفتاح الأسواق.. وزادت تنافسية المنتجات وتحسنت جودتها بتطور سبل وآليات الإنتاج ومعايير الجودة والتنافسية العالمية ووتطور أشكال التكامل والتعاون الاقتصادي.. وازدادت الدولة معرفة بمنافسيها فى الأسواق وكيفية الوصول إلى أسواق خارجية مستهدفة مستويات طلب جديدة مرتفعة ومتنوعة؛ وبالتالي زيادة إنتاجها ومواردها.. مما ترتب عليه زيادة الاستيراد والتصدير (التجارة) لحركة السلع فى كافة متسوباتها الإنتاجية سواء كمدخلات خام أو وسيطة أو منتج نهائي وما يترتب على كل مرحلة من عمليات وآلات ومعدات وعوامل إنتاج..وخدمات مرتبطة بها..

فالمنتج غالبا ما يبحث فى ثلاثة عناصر أساسية (السعر- الجودة – الوقت) لمواجهة الطلب أو خلق طلب جديد.. فالسعر يعبر عن التكلفة مقابل العائد.. وهنا تأتي أهمية تكاليف الإنتاج وتنافسيتها…وبيئة الاستثمار المستدف إقامة الصناعة او ضخ الاستثمار فيها.. فقد قامت الصين بتوطين الصناعة داخلها وخارجها بفعل تكاليف الإنتاج.. ولتلبية الطلب المحلي والخارجي (إقليمي وعالمي).. فتوسعها فى الإنتاج فى دول مجاورة او فى أفريقيا والشرق الأوسط او حتى أمريكا اللاتينية بحثا عن عناصر تكلفة اقل مستهدفة الاسواق الخارجية وسهولة الوصول اليها ولمواجة قيود الأسواق عليها مستهدفة كافة أنواع المنتجات من حيث الجودة للوصول إلى تلك الأسواق فى أسرع وقت وأقل تكلفة..

وقد عاد اهتمام عدد كبير من الدول النامية ومنها مصر بتوطين الصناعة ومنها مصر وازداد بشكل كبير بعد 2018 بعد بدء الحرب التجارية الأمريكية الصينية، ومن ثم أزمة كورونا وبعدها أزمة الحرب الروسية الأوكرانية التى سببت أزمة فى سلال الإمداد العالمية وارتفاع الأسعار وتكاليف الشحن وارتفاع الفجوة بين وارداتها وصادراتها والتى سببت لها أزمات متعددة فى موازينها التجارية بسبب اةتفاع تكلفة الواردات مقارنة بحصيلة الصادرات وازدياد عجز موازينها المالية بالتبعية..

وتزايد الاهتمام بالبدء في التركيز على صناعات معينة للاستفادة من المزايا التنافسية لتكاليف الإنتاج فى السوق المصري كسوق محلي كبير ولموقعها الاستراتيجي فى الوصول إلى الأسواق العالمية بما تتيحه الاتفاقيات التجارية التى تتمتع بها للنفاذ الى تلك الأسواق (كصناعة المنسوجات والملابس- الأجهزة المنزلية- السيارات – الأغذية والمشروبات – التعهيد فى مجال تكنولوجيا المعلومات – النباتات الطبية والعطرية- الأثاث والجلود- الطاقة الجديدة والمتجددة والخضراء ومستلزمات إنتاجها الأدوية ومكملاتها – وأدوات ومواد التجميل – الصناعات الإلكترونية والموبايلات…) مع الأخذ فى الاعتبار الجهود المبذولة لتحسين مناخ الاستثمار الذي مازال يحتاج المزيد من الجهود لتحسينه للحد من البيرواقراطية وما يترتب عليها من تكاليف إضافية غير سمية فى ظل مناخ عالمي استثماري وإقليمي يتنافس على جذب الاستثمارات المتنوعة..وافساح المجال للقطاع الخاص للنمو فى بيئة استثمارية جاذبة وتنافسية..

وتظل فرصة مصر لتوطين الصناعة عظيمة جدا ومواتية للتحقيق فى ظل ما تتمتع به من مزايا تنافسية على مستوى تكاليف الإنتاج وعلى مستوى الوصول إلى الأسواق فى أسرع وقت وأقل تكلفة.. وهو ما شجع التهافت الكبير من الشركات الصينية والتركية والمحدود من بعض الشركات الأوروبية على ضخ مزيد من الاستثمارات سواء كتوسعات او استثمارات صناعية جديدة..

ولدى مصر فرصة ذهبية فى هذا الصدد مع موجة الرسوم الجمركية الأمريكية ومع تحول العالم نحو الأخضر going green واقرار الاتحاد الأوروبى لالية تعديل حدود الكربون الCBAM والتى بدأت التطبيق التدريجي من أكتوبر 2023 بزيادة نسب المكونات الخضراء فى كافة المنتجات والخدمات التى سوف تدخل السوق الأوروبى حيث ستمنع المنتجات غير الخضراء من السوق المحلي خلال العشر سنوات القادمة لتصل الى المستهدف صفر انبعثات كربونية فى 20250 من كافة القطاعات..

حيث يبدأ بفض رسوم على انبعثات ثاني أكسيد الكربون بحسب درجة التحول الأخضر.. وبدأت بقطاعات الأسمنت والحديد والصلب وعدد آخر من السلع المستوردة.. لتشجيع الصناعات نحو التحول الأخضر.. وهذه فرصة جيدة لمصر لقربها من السوق الأوروبى فى ظل وجود اتفاقية الشراكة المصرية الأوروبية وما تتيحة من مزايا للنفاذ الى تلك السوق..

ليس فقط من حيث النفاذية إلى السوق الأوروبية بل تنويع المنتجات لتلائم الأسواق التى تتمتع باتفاقيات تجارية معها.. فهناك فرص للمنتجات الخضراء وغير الخضراء.. فسوق افريقيا امام الكثير لتتحول الى الأخضر.. ومصر تعد موقعا متميزا كسوق مركزي للنفاذ إلى كافة الأسواق العالمية بمنتجات خضراء وغير خضراء كل بحسب احتياجاته والمواصفات التى يطبقها.. والاتفاقيات التجارية المنظمة للنفاذ الى تلك الأسواق..

فرص عظيمة .. بتحديات يمكن التغلب عليها لزيادة تنافسية وتوطين الصناعة..

وتحيا مصر..

عودة سلسلة مقالات اقتصادنا يا تعبنا..
مقالة رقم (10)
د. إبراهيم مصطفى

 

نقلا عن البورصة

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *