في خطوة أثارت الجدل، رفضت السلطات السورية طلب الجزائر تسليم 500 من المقاتلين الجزائريين وأعضاء مليشيات “البوليساريو” الذين شاركوا في دعم نظام بشار الأسد، متورطين في عمليات قمع وقتل ضد الشعب السوري.
ويكشف هذا القرار عن أبعاد أعمق للعلاقات الجزائرية-السورية، ويدل على محاولات النظام الجزائري التغطية على تورطه في الصراع السوري.
المغرب الحكيم
أكد خبراء ومحللون أن الموقف المغربي من الأزمة السورية كان أكثر حكمة، حيث دعمت الرباط المعارضة السورية واستضافت مؤتمر أصدقاء الشعب السوري عام 2012؛ في حين اختارت الجزائر دعم النظام السوري عبر إرسال مقاتلين، وهو ما يضعها اليوم في موقف حرج أمام المجتمع الدولي.
ويأتي رفض دمشق للطلب الجزائري ليكشف عن أزمة جديدة في السياسة الخارجية الجزائرية، التي تواجه انتقادات متزايدة بسبب تحالفاتها المثيرة للجدل مع أنظمة دموية.
وفي هذا الإطار، قال عبد الفتاح الفاتحي، مدير مركز الصحراء وإفريقيا للدراسات الاستراتيجية: “بينما كان التعاطي المغربي مع الشأن السوري ذكيا، حيث حرص جلالة الملك محمد السادس في استشراف صحيح لمستقبل النظام السياسي في سوريا؛ ولذلك استقبلت الرباط قادة المعارضة السورية، واحتضنت في سنة 2012 اجتماعات مؤتمر أصدقاء الشعب السوري، الذي اعترف في مراكش، بائتلاف المعارضة السورية كممثل شرعي للشعب السوري… سارع النظام الجزائري إلى التدخل في الشؤون الداخلية لسوريا بإرسال مقاتلين جزائريين ومن جبهة “البوليساريو” للمشاركة في عمليات تقتيل الشعب السوري الثائر”.
جزائر المليشيات
قال الفاتيحي، ضمن تصريح لهسبريس، إن “زيارة أحمد عطاف، وزير الخارجية الجزائري، لدمشق لاستعادة مقاتلي بلده ومقاتلي جبهة “البوليساريو” محاولة من النظام العسكري الجزائري لإخفاء تورطهم في أعمال العنف في سوريا وتورطا فاضحا لتدخلاتها السافرة في الشؤون الداخلية لدولة سوريا وعديد الدول الإفريقية والعربية”.
وأكد مدير مركز الصحراء وإفريقيا للدراسات الاستراتيجية أن “الزيارة المخيبة التي قام بها وزير الخارجية الجزائري إلى سوريا لم تكن دعما ولا مناصرة للقيادة السورية الجديدة على تجاوز تحديات إعادة البناء؛ ولكن كانت بغرض سحب دلائل تورط القيادة السورية في تقتيل الشعب السوري”، لافتا إلى أن “التفاوض من قبل الجزائر لاستعادتهم دليل عن وجود علاقة مشبوهة للجيش الجزائري لإرسال مقاتلين إلى سوريا لاقتتال الثوار السوريين”.
وأضاف المتحدث ذاته: “طبيعي أن ترفض السلطة السورية الطلب الجزائري ليعود خائبا من دمشق، في سياق تقديم المتورطين في قتل الشعب السوري أمام العدالة وأن سوريا لا يمكنها تقديم تنازلات تخص حقوق الشعب السوري”، مردفا أن “السلطات السورية الجديدة تقتنع اليوم بضلوع القيادة الجزائرية في دعم آلة القمع والتقتيل التي اعتمدها نظام بشار الأسد لمحاربة الثوار السوريين”.
وأبرز مدير مركز الصحراء وإفريقيا للدراسات الاستراتيجية أن زيارة أحمد عطاف تشي للسلطات السورية الجديدة حرص الجزائر على محاولة تكييف موقفها المناهض للثورة السورية فيما بعد سقوط حليفها بشار الأسد بإعادة إيجاد مداخل تتيح لها أن تكون ضمن السياق السوري القادم، خصوصًا مع الإشارات الإيجابية التي ما فتئ يبعث بها الشرع”.
النظام المعزول
قال أحمد نور الدين، خبير العلاقات الدولية، إن “هذا الرفض يعتبر من بين آخر أوراق التوت التي تساقطت عن الوجه الإجرامي للنظام العسكري الجزائري. وهذه الحادثة تكرس الخيارات الفاشلة للجزائر في سياستها الخارجية وفي تحالفاتها مع الأنظمة الدموية عبر العالم، وهي مؤشر على قرب سقوط النظام الجزائري مثلما سقطت الأنظمة الدكتاتورية والعسكرية التي سبقته”.
وسجل الخبير في العلاقات الدولية، ضمن تصريح لهسبريس، أن “الرفض السوري أمر طبيعي وكان متوقعا، وانتقال وزير خارجية الجزائر احمد عطاف إلى دمشق من أجل طلب تسليم المرتزقة الجزائريين كان غباء أو وقاحة وفي أحسن الأحوال كان بمثابة الغريق الذي يتشبث بقشة للنجاة، إذ لا يمكن للحكومة السورية أن تسلم مجرمي حرب شاركوا في تقتيل الشعب السوري دون محاكمتهم والاقتصاص من جرائمهم. وأكيد أن العقوبات في حق هؤلاء ستكون مضاعفة لأنهم في التوصيف القانوني يعتبرون مرتزقة وقتلة مأجورين”.
انتهاك قانوني
أكد أحمد نور الدين أن “القانون الدولي يمنع حتى على النظام السوري نفسه أن يواجه المدنيين بالأسلحة الفتاكة، فما بالك بجزائريين ومرتزقة “البوليساريو” الذين ليس لهم أي مبرر أو غطاء قانوني أصلا لقتل المدنيين من الشعب السوري”.
وفي هذا الصدد، اعتبر الخبير في العلاقات الدولية أن “مشاركة الجزائر في الحرب ضد الشعب السوري الأعزل يقدم دليلا آخر على الطبيعة الدموية للنظام العسكري الجزائري، ويؤكد تورطه في تحالفات إجرامية مع محور الشر ثلاثي الأضلاع الذي كان يضم النظام السوري البائد إلى جانب إيران والجزائر”.
وذكر نور الدين أن “الجزائر لها سوابق في محاربة الشعب الليبي أثناء ثورته، ولها سوابق مع دولة مالي التي تتهمها رسميا بدعم الجماعات الإرهابية شمال مالي، وللجزائر تحالفات مع أنظمة مارقة أخرى مثل فنزويلا وكوريا الشمالية وغيرها”؛ مردفا: “لذلك، على المغرب ألا يدع هذه الفرصة تمر دون السعي دبلوماسيا وبكل قوة وبتعاون مع حلفائنا إلى تصنيف الجزائر دولة راعية للإرهاب وتهدد الأمن والاستقرار في جوارها المباشر وعبر العالم من خلال تحالفاتها المشبوهة مع الأنظمة الشمولية والدكتاتورية”.