بعد مؤشرات لاحت نونبر الماضي، جاءت آخر التقارير الصادرة عن المنظمة العالمية للأرصاد الجوية (WMO) حول درجات الحرارة المسجلة العام المنقضي، استنادا إلى بيانات من 6 مؤسسات دولية، لتؤكد “التوقعات وفرضيات سابقة بأن “عام 2024 كان الأكثر سخونة على الإطلاق”، بتسجيله “درجة حرارة لسطح الأرض أعلى بنحو 1,55 درجة مئوية من المتوسط المسجل قبل الثورة الصناعية (1760– 1840).
وحسب التقرير، نبهت المنظمة العالمية للأرصاد الجوية إلى أن عام 2024 كان الأكثر حرارة، حيث تجاوزت درجة الحرارة السطحية متوسط الفترة من 1850 إلى 1900 بحوالي 1.55 درجة مئوية”؛ في وقت أبرز أمينها العام أن الأمر لا يتعلق بـ”سنة أو سنتين فقط من درجات الحرارة القياسية، بل عن عقد كامل من السجلات القياسية”، بتعبيره.
وحطّم عام 2024 قياسات سابقة منذ بدء تسجيل درجات الحرارة، إذ كان شاهدا على “حرارة استثنائية على سطح الأرض والمحيطات”، وفق ما رصده التقرير الذي اطلعت هسبريس على أبرز خلاصاته.
وبينما أكد التقرير العالمي للأرصاد الجوية أن “هدف اتفاقية باريس للمناخ بالحد من ارتفاع درجة الحرارة العالمية إلى 1.5 درجات مئوية على المدى الطويل لا يزال قائما؛ لكنه يواجه تهديدا خطيرا”، أطلق أونطونيو غويتيرش، الأمين العام للأمم المتحدة، حسب التقرير، نداء مستعجلا بالقول “على القادة التحرك فورا لتجنب كارثة مناخية… ومعطيات التقرير تثبت أن الاحتباس الحراري حقيقة ملموسة عصية على الإنكار”.
وشدد غوتيريش على أن تسجيل درجات حرارة أعلى من متوسط ما قبل الثورة الصناعية بـ1.5 درجات مئوية في بعض السنوات لا يعني التخلي عن الأهداف طويلة الأجل، مردفا: “هذا يعني أننا بحاجة إلى بذل جهود أكبر للعودة إلى المسار الصحيح. درجات الحرارة المرتفعة التي شهدها عام 2024 تستدعي اتخاذ إجراءات مناخية جذرية في عام 2025. لا يزال هناك وقت لتجنب أسوأ السيناريوهات المناخية؛ لكن على القادة التحرك فورا”.
الميزان الطاقي
محمد سعيد قروق،أستاذ علم المناخ في جامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء، الذي شدد على “ضرورة عدم الاستهانة بما أبرزته بيانات مرصد “كوبرنيكوس”” بخصوص حرارة سنة 2024، قال إن “الزيادة السريعة في حرارة بمتوسط حرارة الأرض التي تجاوزت لأول مرة 1,5 درجات مئوية في سنة 2023 وكذلك في 2024 تم تجاوزها هو أمر كان مرتقبا”، مفسرا ذلك بأن “الميزانية الطاقية للأرض لم تستقر بعد؛ بل تم خلخلتها بالزيادة فيها، أي قد أصبحت أكثر إيجابية مما كانت عليه قبل الثورة الصناعية.. لكن هذه الحرارة ارتفعت، ولم تستقر”.
وأضاف قروق شارحا في تعليق لهسبريس: “بما أنها تزداد فهذا معناه أن الحرارة ستزداد ارتفاعا.. هذا شيء طبيعي ومنطقي جدا بحكم أن الحرارة هي التي تتبع الميزانية الطاقية للكوكب وليس العكس”، مسجلا أنه “بناء عليه، طالما أن هذه الميزانية لم تستقر فإن كل سنة ستزداد الحرارة عن السنة التي كانت قبلها والسنة الموالية في متوالية صعبة تعاني منها البشرية اليوم على سطح الكرة الأرضية وليس الاحترار لوحده”، حسب تقديره.
ونبه أستاذ علم المناخ إلى “صعوبة التعامل حينما يكون الارتفاع باستمرار وبدون استقرار”، وقال: “هذا يصعب علينا أصلا أن نقوم بدراسة ما يجري؛ لأن ما سنصل إليه سيكون متجاوزا، ولأن الحرارة تكون قد ارتفعت أكثر من ذلك”.
وأضاف: “الخطر الحقيقي الذي يهدد البشرية بكاملها هو الارتفاع اللامتناهي للحرارة”، مشددا على أن “التحدي الكبير اليوم هي محاولة ما أمكن أن تضع الاقتصاديات العالمية في هذا الإطار؛ إلا أن هذا القرار مستحيل، لأنه تبين عبر المؤتمرات الأخيرة لـ”كوب” أن مسألة المناخ لم تعد تهم أحدا.. بل أضحت تركز على الأموال التي تطلبها الدول الفقيرة التي تعاني من ويلات الاحترار الأرضي والتي تحمل المسؤولية للدول الغنية، وبالتالي تطالبها بمساعدتها على التقليل من آثار الاحترار الأرضي”.
وخلص قروق إلى القول إن “من يقرر اقتصاديا وسياسيا في الشؤون العامة للأرض ومناخها يبدو أنهم قد أنهوا هذا الملف، في ظل أزمات مالية وحروب طاحنة…”، مذكرا بأن “درجة حرارة 1.5 ليست هي العتبة التي أوصى العلماء بعدم تجاوزها، بل هي درجتان مئوية، وفي حال تجاوزت هذه العتبة فالخبراء يتحدثون عن مرحلة أو وضعيات ‘اللاعودة’ واستحالة بعض مظاهر الحياة”.
“خطاب مغاير”
أبدى عبد الرحيم كسيري، أستاذ متخصص في علوم الحياة والأرض والمنسق الوطني للائتلاف المغربي من أجل المناخ والتنمية المستدامة، هواجس متصاعدة مما آلت إليه الوضعية المناخية العالمية على سطح الأرض بالقارات أو المحيطات. وقال معلقا لهسبريس: “ما يقع الآن من اختلالات مناخية يظل أشد وطأة ووتيرة ك مما كان عليه مما أكثر في عدد السيناريوهات السيئة، خاصة أن علماء المناخ قبل 29 سنة مضت، وهي عمر مؤتمرات الكوب، حذروا من كون البشرية ماضية في وتيرة اختلالات مناخية لن تبقى بالوتيرة نفسها؛ بل سندخل مرحلة صعبة، وها قد أصبح الأمر واقعا”.
ومن خلال متابعته لبيانات تقرير لمنظمة الأرصاد الجوية العالمية، اعتبر كسيري أن “الاختلال المناخي لا يمس فقط مسألة الاحترار الأرضي؛ بل عدم توازن حاصل بين تيارات باردة ودافئة، والمتضرر الأول هو الدول الجزرية والجزر الصغيرة واقتصاداتها المأزومة بفعل أزمة استهلاك المواد الغذائية البحرية”. وزاد: “أما في اليابسة، فإن غزو التصحر والجفاف في القارة بحدة كبيرة، لم يعد يحتاج إلى تدليل.. وست سنوات متوالية من الجفاف في بلد متوسطي كالمغرب كافية لنرى فداحة الوضع المناخي”.
وبينما اعتبر منسق الائتلاف المغربي من أجل المناخ والتنمية المستدامة أن الإشكال ليس حبيس إشكالية “التمويل الأخضر فقط ونقاشاته خلال مؤتمرات كوب”؛ بل يتجاوزه إلى “عدم التزام واضح من قوى اقتصادية عالمية صاعدة هي الأكثر تلويثا للكوكب، ضاربا المثال بالصين التي ما زالت مصرة على العمل بمحطات الفحم الحجري، ثم الهند وروسيا وتركيا”.
وزاد: “من يلوث لا يريد أن يدعم جهود مكافحة تغيرات المناخ، بل ما يهمه التوسع الاقتصادي السريع والاستفادة من خيرات الأرض دون التزام حقيقي بتنمية الكوكب أو الحفاظ على بيئته”، واصفا ذلك بـ”وضعية غير سليمة، قد تزداد تفاقما مع عودة ترامب؛ ما يثير وضعا مناخيا جد مقلق وغامضا بخصوص السنوات الأربع المقبلة وتداعيات تسارع الاختلالات المناخية المسجلة في 2023 و 2024”.
وانتقد الخبير المغربي في علوم الحياة والأرض عدم تصدر المناخ لأولويات وسياسات الدول المسؤولة عن التلويث”، معتبرا أن “حصيلة قرابة 30 سنة من مؤتمرات الأطراف الأممية لم تسفر سوى عن اتفاقيتين بارزتين متعثرتي التنفيذ (كيوطو وباريس)”، خاتما بأن “المطلوب هو خطاب مغاير تماما تجاه القوى الملوثة الجديدة والصاعدة.. وبينما تعترف دول الاتحاد الأوروبي بالتغير المناخي وتدعم المبادرات بشأنه، فإن الدول الإسكندنافية لها تجربة رائدة أكبر بخصوص تحقيق الحياد الكربوني قبل 2030”.