في افتتاحية لاذعة، حذّرت هيئة تحرير صحيفة «نيويورك تايمز» من أن هجمات الرئيس دونالد ترامب المتصاعدة على البيانات الموضوعية والإحصاءات الحكومية غير الحزبية تُشكّل تهديدًا خطيرًا للديمقراطية الأمريكية، وسلامة المؤسسات الفيدرالية، وقدرة الحكومة الأمريكية على خدمة مواطنيها بفعالية.
وأكدت الهيئة أن ترامب يتعامل مع الحقائق بنفس الاستخفاف الذي يُظهره عادةً تجاه الناس، متوقعًا منهم أن يتوافقوا مع أهدافه، ومتجاهلًا إياهم عندما لا يتوافقون.
إقالة إريكا ماكينتارفر
يُمثّل الإقالة المفاجئة لإريكا ماكينتارفر، الرئيسة الموقرة لمكتب إحصاءات العمل (BLS)، الأسبوع الماضي ما وصفته الافتتاحية بنقطة تحول خطيرة. في مواجهة ركودٍ في نمو الوظائف استمر ثلاثة أشهر، رفض ترامب البيانات السلبية واعتبرها مؤامرةً ضد إدارته، وأقال ماكينتارفر -وهي خطوةٌ مثيرةٌ للقلق لدرجة أن بعض الجمهوريين في مجلس الشيوخ اعترضوا عليها.
وأكد خبراء، بمن فيهم قادة سابقون في الوكالات من كلا الحزبين، أن أنظمة جمع البيانات والإبلاغ التابعة لمكتب إحصاءات العمل مصممةٌ خصيصًا لمنع التلاعب السياسي، مما يجعل اتهامات الرئيس لا أساس لها.
في حين أن رحيل ماكينتارفر قد لا يُضعف فورًا موثوقية التقارير المستقبلية، تُحذر هيئة التحرير من أن السابقة التي تُرسى بمعاقبة موظفي الخدمة المدنية على حقائق مُزعجة سيكون لها تأثيرٌ مُخيف.
يواجه الموظفون الحكوميون الآن احتمال الفصل لمجرد قيامهم بوظائفهم، بينما يُترك الجمهور للشك في مصداقية المعلومات الحكومية.
زرع انعدام الثقة
تُحذر الافتتاحية من أن تصرفات ترامب لا تُقوّض وكالاتٍ مُحددة فحسب، بل تُقوّض أيضًا البنية التحتية الكاملة للحوكمة الواقعية. تشير الهيئة إلى أن مبرر ترامب - بأن إقالة ماكينتارفر "ستحافظ على سلامة البيانات الفيدرالية"- مثير للسخرية للغاية، لأنه في الواقع سيقوض الثقة ويجعل الأمريكيين أكثر اعتمادًا على أي رواية تختار الإدارة ترويجها.
تُذكّر الافتتاحية القراء بأن البيانات أساسية في كل من صنع القرار الشخصي ووظيفة الحكومة. وتوضح الهيئة، نقلًا عن عالم السياسة جيمس سكوت، أن "الإحصاءات" -أي "المعلومات عن الدولة"- ضرورية للحكومات لوضع قواعد سليمة واتخاذ خيارات مدروسة.
عندما تُزوّر الدول الإحصاءات، فإنها في النهاية تكذب على نفسها، كما رأينا في أزمة الديون التي أعقبت نقص الإبلاغ عن عجز الموازنة في اليونان ونقص الإحصاءات المزمن للتضخم في الأرجنتين. كما أن الأنظمة الاستبدادية غالبًا ما تُخفي معاناة عميقة وراء أرقام مُتلاعب بها.
نمط من تسييس البيانات وقمعها
وفقًا لهيئة التحرير، فإن تجاهل ترامب للبيانات غير الملائمة ليس حالة معزولة ولا جديدة. حاولت الإدارة الأمريكية سحب تمويل مشاريع علمية حيوية، وإغلاق قواعد البيانات الوطنية التي ترصد سوء سلوك الشرطة، وتعديل أو إخفاء البيانات الصحية، حتى بعد تدخل المحكمة.
وبدلًا من معالجة القضايا المشروعة في جمع البيانات -مثل تراجع المشاركة في الاستطلاعات ونقص التمويل من الكونجرس- هاجمت إدارة ترامب صحة المعلومات نفسها.
كما انتقد المجلس دفاع المستشار الاقتصادي للبيت الأبيض، كيفن هاسيت، عن تصرفات ترامب، والذي تضمن مزاعم لا أساس لها بوجود "أنماط حزبية" في أخطاء مكتب إحصاءات العمل.
وتُظهر تحليلات مستقلة، مثل تلك التي أجراها إرني تيديشي في مختبر الميزانية بجامعة ييل، أن دقة تقارير مكتب إحصاءات العمل قد تحسنت بالفعل بمرور الوقت، دون أي دليل على وجود تحيز سياسي.
دعوة للمساءلة والدفاع عن الحقيقة
تختتم الافتتاحية بتحذير صارخ: جودة الحوكمة الأمريكية مرتبطة ارتباطًا مباشرًا بسلامة معلوماتها. فإذا أمكن التلاعب بالبيانات أو إخفاءها لتحقيق أهداف سياسية، تُصبح الدولة عاجزة عن اتخاذ إجراءات فعالة- بينما يُصبح الجمهور أكثر عرضة للتضليل.
كتب المجلس: "ينبغي لرئيس مهتم بجودة بيانات الوظائف أن يركز على معالجة هذه المشاكل. مع ذلك، لا يقترح ترامب زيادة التمويل أو تحسين أساليب عمل الوكالة بإقالته للدكتورة ماكينتارفر، أوضح السيد ترامب أنه لا يريد معرفة الإجابة".