في إطار سعي دار الإفتاء المصرية لتعزيز الوعي الديني الصحيح، نظمت الجهة المسؤولة ندوة علمية بعنوان "الفتوى والإعلام" في جناحها بمعرض القاهرة الدولي للكتاب، حيث ناقش المشاركون التحديات التي تطرأ على مسألة الفتوى في ظل انتشار الإعلام الرقمي ووسائل التواصل الاجتماعي.
جناح دار الإفتاء المصرية يناقش مسألة "الفتوى والإعلام" في معرض القاهرة الدولي للكتاب
شارك في الندوة عدد من العلماء والمفكرين البارزين، منهم الدكتور عباس شومان، أمين عام هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، والدكتور محمد عبد الرحيم البيومي، الأمين العام للمجلس الأعلى للشئون الدينية، والدكتور رضا عبدالواحد أمين، عميد كلية الإعلام بجامعة الأزهر الشريف، وأدار الجلسة الإعلامي والباحث مهند السادات.
مخاطر الفتوى والتصدي لها
بدأ الدكتور عباس شومان حديثه بالتحذير من تصدي غير المؤهلين للإفتاء، مؤكدًا أن الفتوى صناعة معقدة وخطرة تتطلب العلم والتخصص العميق. وأشار إلى أن الفتوى ليست مجرد مسألة دينية، بل هي علم يدمج بين الكثير من المعارف الشرعية والفقهية، ومن ثم لا يجب أن يتصدى لها أي شخص دون أن يكون قد تبحر في مجموعة واسعة من العلوم الدينية.
وأضاف أن الأزهر الشريف، الذي يُعد المصدر الرئيسي للعلم الشرعي في العالم الإسلامي، يُدرِّب العديد من العلماء، لكن ليس كل من تخرج فيه يكون مؤهلاً للفتوى، مشيرًا إلى أن "كثيرًا ممن يتصدون للإفتاء في الإعلام لا يعرفون ما يندرج تحت عنوان هذه العلوم."
وتطرق إلى أن كبار رجال الصحابة كانوا يتهربون من الفتوى بسبب خطورتها، مستشهداً بما قاله الإمام أبو حنيفة: "لولا الفزع من الله أن يضيع العلم ما كنت أفتيت." وأكد شومان أن الإعلام له دور محوري في نقل الفتوى إلى الجمهور، لذا يجب تنظيم هذه العملية عبر برامج دينية يتم فيها اختيار العلماء المؤهلين.
إشكاليات الفتوى في الإعلام الرقمي
في ذات السياق، تحدث الدكتور محمد عبد الرحيم البيومي عن الأبعاد العلمية لصناعة الفتوى، مؤكدًا أنها تعتمد على إلمام المفتي بعدد من العلوم المختلفة، وتستوجب منه فهمًا عميقًا للمذهبية وتحليل النصوص الدينية. وأوضح البيومي أن الفتوى تمر بثلاث مراحل: طلب الدليل، فهمه، ثم تطبيقه على الواقع مع مراعاة حال المستفتي.
وأشار البيومي إلى أن التواضع العلمي يُعد أحد الصفات الأساسية للمفتي، مستشهدًا بالملائكة التي قالت: "لا علم لنا إلا ما علمتنا"، ما يدل على ضرورة الاعتراف بعدم معرفة كل شيء في مسائل الدين.
خطر وسائل الإعلام في نشر الفتاوى
من جانبه، تحدث الدكتور رضا عبدالواحد أمين عن التأثيرات السلبية التي قد تحدث بسبب البرامج الإعلامية التي تُبث على الهواء مباشرة وتتناول قضايا الفتوى. وقال إن مثل هذه البرامج قد تساهم في نشر فتاوى غير دقيقة، مما يشكل خطرًا على الجمهور ويؤدي إلى تشويش الفهم الديني. وأشار إلى ضرورة أن يتم إقرار الفتاوى عبر القنوات الرسمية والمؤسسات المتخصصة، وعدم السماح بإصدار الفتوى في البرامج المباشرة دون فحص دقيق وتأكد من صحة المعلومات.
كما أشار إلى أن بعض القضايا، مثل العلاقات الزوجية والأحوال الشخصية، لا يمكن الإفتاء فيها بشكل عابر، بل تتطلب لقاءً مباشرًا مع الأطراف المعنية لفهم جميع التفاصيل.
ضرورة توخي الحذر في استخدام التكنولوجيا في الفتوى
واختتم الدكتور رضا حديثه بالتأكيد على أن وسائل الإعلام والتكنولوجيا، مثل الذكاء الاصطناعي، لا يمكن أن تحل محل العلماء المتخصصين في الفتوى. وأوصى بضرورة أن يتم اعتماد الفتاوى من مؤسسات دينية متخصصة فقط، وعدم الاعتماد على تقنيات مثل "شات جي بي تي" في مسائل الدين، لأنها قد تحتوي على معلومات مغلوطة.
لقد تناولت الندوة مسألة الفتوى والإعلام من جوانب متعددة، مؤكدة على أهمية تنظيم الفتوى في العصر الرقمي، وحماية الجمهور من التصدي للفتوى من قبل غير المتخصصين، في ظل تزايد الفتاوى التي تُنقل عبر وسائل الإعلام الحديثة.
تابع أحدث الأخبار عبر
