استعرض محمد الراوي، الوكيل العام للملك لدى محكمة الاستئناف بالعيون، حصيلة السنة القضائية المنصرمة، موردا أن “سنة 2024 شهدت تحسنا ملحوظا في تدبير الملفات؛ بحيث تم توزيع الأشغال بين القضاة والموظفين بطريقة عادلة لضمان دراسة الشكايات والمحاضر في آجال معقولة، ما ساهم في تقليص مدة البت في القضايا وتعزيز الثقة في القضاء”.
وأبرز الوكيل العام، في كلمة له بمناسبة افتتاح السنة القضائية اليوم الخميس، الأهمية البالغة لهذا الحدث السنوي، الذي يعكس، بحسبه، “الدينامية المتواصلة لجهاز القضاء في تكريس مبادئ العدالة وسيادة القانون”، موضحا أن النيابة العامة تواصل عملها وفق التوجيهات الملكية الرامية إلى تعزيز النجاعة القضائية وضمان حقوق المتقاضين، انسجاما مع مبدأ “القضاء في خدمة المواطن”.
وأكد الوكيل العام للملك، بحضور والي جهة العيون ـــ الساقية الحمراء وعدد من المسؤولين الترابيين والمحليين والقضائيين، أن “النيابة العامة عملت على تقليل اللجوء إلى الاعتقال الاحتياطي واعتماد إجراءات بديلة كلما سمحت الظروف بذلك، إذ انخفضت نسبة المعتقلين احتياطيا إلى 14.93% سنة 2024 مقارنة بـ 24.98% سنة 2021، ما يعكس توجها نحو عقلنة تدبير الحرية الفردية وتعزيز الضمانات القانونية للمتقاضين”.
وذكر المسؤول القضائي أن النيابة العامة عقدت سلسلة من الاجتماعات الدورية مع القضاة ووكلاء الملك والموظفين الإداريين لمناقشة الإشكالات المطروحة وتوحيد الممارسات القانونية، مما أدى إلى توحيد المناهج وتحقيق انسجام أكبر في تدبير القضايا.
وأبرز المتحدث ذاته أن النيابة العامة بمحكمة الاستئناف بالعيون سجلت تفاعلا إيجابيا مع تظلمات المواطنين، إذ تم استقبال أزيد من 18 ألف مرتفق، من بينهم 8279 شخصا حضروا جلسات المحاكمة، وتم توجيههم نحو المساطر القانونية الملائمة.
ووفق المتحدث، فقد حرصت النيابة العامة خلال سنة 2024 على تعزيز آليات حماية الفئات الهشة، عبر مبادرات هادفة، أبرزها توقيع اتفاقية شراكة مع الأكاديمية الجهوية للتربية والتكوين بجهة العيون ـــ الساقية الحمراء لمحاربة الهدر المدرسي والحد من زواج القاصرات، تنفيذا لإعلان مراكش 2020 لمناهضة العنف ضد النساء.
وأوضح محمد الراوي أنه تم تكثيف اجتماعات اللجان المحلية لحماية النساء والأطفال ضحايا العنف، بحيث عقدت اللجنة الجهوية 12 اجتماعا، فيما عقدت اللجان المحلية 48 اجتماعا، بمعدل اجتماع لكل خلية شهريا، مشيرا إلى أنه “تم تفعيل مسطرة الصلح كبديل للمتابعات القضائية في القضايا المتعلقة بالعنف الأسري، إذ ارتفع عدد المستفيدين من هذه المسطرة بنسبة 694.11% مقارنة بسنة 2021”.
وبخصوص تحقيق الفعالية في تدبير القضايا الجنائية والحد من الجريمة، أكد الوكيل العام أن “سنة 2024 شهدت تعزيزا لآليات تتبع الملفات الزجرية، حيث بلغت نسبة الملفات المحكومة مقارنة بالرائجة 96.61%، وهو مؤشر على دينامية العمل القضائي وفعاليته في ضمان حقوق المتقاضين”، لافتا إلى أنه “تم تسجيل انخفاض في نسبة الجريمة ببعض أصنافها، خاصة الجرائم المالية والاعتداءات الجسدية، نتيجة للجهود المبذولة في تتبع وتنفيذ القوانين الزجرية بصرامة”.
وحول الرهانات المستقبلية لسنة 2025، قال الوكيل العام للملك إن النيابة العامة ستواصل العمل خلال سنة 2025 وفق رؤية استراتيجية تهدف إلى تعزيز مفهوم الجدية في تنزيل الفعالية القضائية، انسجاما مع التوجيهات الملكية بهذا الخصوص.
وتعهد المسؤول ذاته بتطوير التعاون مع هيئة الدفاع وهيئات المجتمع المدني “بهدف تعزيز العدالة القريبة من المواطن”، و”تكريس مبادئ العدالة التصالحية وتقليل اللجوء إلى العقوبات السالبة للحرية في بعض القضايا، وفق السياسة الجنائية الوطنية”، موردا أن “النيابة العامة ستعمل على تعزيز آليات التكوين المستمر لقضاة النيابة العامة في ظل المستجدات القانونية والتشريعية”.
وختم الوكيل العام كلمته بالتأكيد أن “النيابة العامة ستواصل العمل، بتنسيق مع مختلف الفاعلين في منظومة العدالة، من أجل تكريس قضاء حديث وفعال، يساهم في تحقيق الأمن القانوني والقضائي، تحت القيادة الرشيدة للملك محمد السادس”.
النجاعة والرقمنة
من جانبه، قال إبراهيم بن تزرت، الرئيس الأول لمحكمة الاستئناف بالعيون، خلال الجلسة الرسمية لافتتاح السنة القضائية 2025، إن هذه المناسبة تعد محطة أساسية لتقييم الأداء السنوي، والوقوف على المنجزات والتحديات التي تواجه العمل القضائي بالدائرة الاستئنافية، مؤكدا أن “الرهان الأساسي خلال هذه السنة يتمثل في تعزيز النجاعة القضائية وتحقيق السرعة والفعالية في البت في القضايا، بما ينسجم مع توجيهات السلطة القضائية العليا”.
وأضاف الرئيس الأول أن الدائرة القضائية لمحكمة الاستئناف بالعيون شهدت تطورا ملموسا، سواء على مستوى عدد القضايا المحكومة مقارنة بالمسجلة، أو من حيث تحسين ظروف العمل داخل المحاكم التابعة لها، كاشفا أن “سنة 2024 سجلت نسبة 96.61% من الملفات المحكومة مقارنة بالملفات الرائجة، وهي نسبة تعكس المجهودات المبذولة من طرف القضاة وموظفي العدل ومساعدي القضاء لضمان تسريع وتيرة البت في القضايا وتحقيق العدالة الناجزة”.
وفي سياق البنية التحتية، أوضح المسؤول ذاته أن افتتاح البناية الجديدة للمحكمة الابتدائية بالعيون يشكل تحولا نوعيا في المنظومة القضائية بالجهة، إذ تم تصميمها وفق معايير حديثة تضمن راحة القضاة والموظفين وتحسن من ظروف استقبال المرتفقين، مشيرا إلى أن “هذه الخطوة تأتي استكمالا لبرنامج تحديث البنية التحتية القضائية، الذي شمل أيضا المحكمتين الابتدائيتين بالسمارة والداخلة”.
كما شدد على أن التحول الرقمي بات من بين الأولويات الكبرى خلال السنة القضائية الجديدة، مؤكدا أن محكمة الاستئناف بالعيون تواصل ريادتها في هذا المجال عبر اعتماد نظام “SAJ2” وتحديث المنصة الرقمية الخاصة بالقضاة، “مما يسهم في تقليص آجال البت في القضايا وتبسيط الإجراءات لصالح المواطنين”، وأبرز أن نسبة “الأخطاء الإدارية والإجرائية انخفضت بشكل كبير بفضل التحديثات الرقمية، مما يعزز من شفافية العمل القضائي ودقته”.
وفيما يتعلق بالتحديات، اعتبر ابن تزرت أن شساعة الاختصاص الترابي لمحكمة الاستئناف بالعيون، وقلة الموارد البشرية المتخصصة، من بين الإكراهات المطروحة، إلا أن الجهود متواصلة لسد هذا الخصاص عبر تحسين توزيع الملفات والاستفادة من الكفاءات الجديدة التي التحقت بالدائرة القضائية، كما نوّه بدور التكوين المستمر في رفع كفاءة القضاة والموظفين، معلنا أن “السنة الماضية شهدت تنظيم دورات تكوينية مكثفة في مجالات القضاء الرقمي، والقانون التجاري، وقضاء الأسرة”.
وفي سياق التعاون المؤسساتي، أشاد ابن تزرت بالدور الفعال الذي تلعبه السلطات المحلية ورئاسة النيابة العامة في تتبع تنفيذ الأحكام القضائية، مؤكدا أن “التنسيق المستمر بين القضاء والسلطات التنفيذية يساهم في تعزيز فعالية المحاكم وضمان تطبيق القانون بشكل عادل ومنصف”. كما عبّر عن شكره لوالي جهة العيون ـــ الساقية الحمراء على دعمه المتواصل لمشاريع تحديث القضاء، خاصة ما يتعلق بتنفيذ الأحكام القضائية وتحسين البنية التحتية للمحاكم.
وحول الإحصائيات العامة، ذكر رئيس محكمة الاستئناف بالعيون أن محاكم الدائرة القضائية تمكنت من تقليص المخلفات القضائية بشكل كبير، إذ انخفض عدد الملفات العالقة في المحكمة الابتدائية بالعيون من 6937 ملفا سنة 2022 إلى 1619 ملفا فقط في 2024، ما يعكس، بحسبه، “نجاعة التدبير القضائي وتحسن أداء الهيئات القضائية”، موردا أن “الهدف خلال سنة 2025 هو تقليص هذا العدد إلى أدنى مستوى ممكن، مع ضمان جودة الأحكام الصادرة”.
واختتم الرئيس الأول لمحكمة الاستئناف كلمته بالتأكيد على أن افتتاح السنة القضائية الجديدة يشكل فرصة متجددة لتجديد الالتزام بالعمل الجاد والمسؤول، وتحقيق قضاء حديث وعصري يخدم مصلحة المواطنين ويواكب التحولات التشريعية والرقمية.