الرسوم الجمركية الأمريكية تقلق مغاربة كندا من زيادة التضخم والبطالة

ما إن وقع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مرسوما يفرض رسوما جمركية تصل إلى 25 في المائة على الواردات القادمة من كندا، أول أمس السبت، حتى انبثقت “تخوفات” لدى كثير من أفراد الجالية المغربية المقيمة بهذا البلد، على غرار كثيرٍ من الكنديين، من التداعيات المحتملة للقرار على مصير مناصبهم ووظائفهم بمصانع وشركات “بلاد الشمال الأبيض العظيم” التي تُصدر منتجات للسوق الأمريكية.

وحفّزت هذا القلق من تأثيرات إجراء ترامب، الذي بدا في مناشير رقمية لصفحات معنية بشؤون مغاربة كندا، وأكده أفراد منهم مواكبون لأوضاع الجالية المغربية بهذا البلد، لهسبريس، التقارير الكندية والأجنبية المتوقعة فقدانَ مئات آلاف مناصب الشغل بعد فرض الرسوم الجمركية المذكورة؛ إذ صرّح فرانسوا لوغو، رئيس حكومة مقاطعة كيبك، بأن “نحو 100 ألف وظيفة معرضة للخطر في مقاطعته”.

وفيما تعتبر غرفة التجارة في منطقة مونتريال الكبرى أنّ هذا التقدير “متحفظ”، وفقا لتقرير نشره راديو كندا الدولي، فإنه من غير المستبعد أن “تؤدّي الرسوم المعلن عنها إلى خسارة في الوظائف تصل إلى 500 ألف منصب عمل في أونتاريو، حسب دوغ فورد، رئيس حكومة هذه المقاطعة”، على ما أفاد به المصدر ذاته.

رغم ذلك يؤكد مغاربة بالبلد الأمريكي الشمالي المذكور أن “جالية المغرب بكندا اكتسبت مناعة تؤهلها لإيجاد بدائل اقتصادية عن الوظائف التي قد تفقدها”، في وقت حسم بعضهم أن “تأثير قرار ترامب عليها سيكون ضئيلا، بما أن نسبة مهمة منها تشتغل في قطاع الخدمات”.

مناصب مُهددة

سلمى الركراكي، ناشطة مغربية مقيمة بكندا، أكدت أن “قرار الرئيس الأمريكي ولدّ تخوفات لدى الكثير من مغاربة كندا من فقدان وظائفهم بالمصانع والشركات الكندية التي تصدر منتجاتها إلى الولايات المتحدة”، شارحة أن “الجميع يعي أن إنتاج وتصنيع المنتجات الكندية التي تصدر نحو الولايات المتحدة سوف يتراجع بشكل ملحوظ بعد بدء سريان القرار، ما يُهدد بتسريح عدد كبير من العمال كنتيجة حتمية”.

واستحضرت الراكراكي، وهي رئيسة المجلس الوطني لإدماج كفاءات مغاربة العالم (منظمة مدنية)، أن “نسبة كبيرة جدا من أفراد الجالية المغربية يشتغلون في حلقات إنتاج وتصنيع المنتجات المصدرة نحو بلاد العم سام، ومعظمهم كوادر تقنية متخصصة في ميدان التصنيع؛ ولجوا كندا كمهندسين واشتغلوا كتقنيين بعد معادلة الشواهد، أو الدراسة بأحد المعاهد الكندية المتخصصة”، مؤكدة أنهم “ركيزة أساسية في قطاع الصناعة بكندا”.

المغربية المقيمة بكندا أوردت أنها وكثير من مواطنيها بهذا البلد يدركون أن “القرار الأمريكي قد يكون عابرا، لأن ترامب وكما اتضح في ولايته الأولى ‘غير سوي’ في سياسته الخارجية؛ بحيث يتخذ غالبا قرارات ارتجالية، ما يجعل من غير المستبعد أن يتراجع عن الإجراء الذي نحن بصدده”.

واستدركت رئيسة المجلس الوطني لإدماج كفاءات مغاربة العالم بأن “تخوفات الجالية المغربية، شأنها كل المجتمع الكندي، من تداعيات اتخاذ ترامب القرار في ظل كون وضعية البلد هشة اقتصاديا أساسا، تبقى مرتفعة”.

وتفاعلا مع سؤال لهسبريس حول ما إذا كانت الجالية المغربية المقيمة بكندا اكتسبت مقومات تؤهلها لمزاولة النشاط الحر، أو إيجاد بدائل أخرى، حال التضرر من القرار المذكور، أوضحت المتحدثة ذاتها أن “قدرات المغاربة في هذا الجانب مهمة”، مفيدة بأن الدولة الأمريكية الشمالية “في نهاية المطاف لن تدع المعطّلين المرتقبين بسبب ‘إجراء ترامب’ يتضورون جوعا؛ إذ ستصرف لهم تعويضات”.

غير أن الركراكي تساءلت: “إلى أي حد سوف توفر هذه التعويضات للمتضررين المرتقبين مستوى الرفاهية نفسه الذي كانوا يعيشون فيه سابقا، وتستجيب لكافيات الحاجيات التي تلبيها لهم وظائفهم المهددة؟”.

وشددت المتحدثة على أنه “في نهاية الأمر فإن المتضررين المتوقعين يقدرون بآلاف العمال والموظفين الكنديين والمقيمين بكندا، ما سيجعل من الصعب إعادة إدماجهم جميعا في سوق الشغل”، مردفة بأنه “بالنسبة للمهاجر المغربي قد يجد نفسه إما أمام خيار الرجوع إلى بلده والاستثمار فيها وإفادتها بما اكتسبه من خبرات بديار الهجرة الكندية، أو إنشاء مشاريع صغيرة بكندا، أو ربما أسوأ سيناريو، وهو العيش حياة حزينة بهذه الدولة”، بتعبيرها.

تحفيز التضخم

شرح عمر أزوكار، خبير قانوني مغربي محام بمونتريال الكندية، أن “ارتفاع كلفة المواد الكندية المستوردة، بعد الإجراء الجمركي الذي اتخذه ترامب، سوف ينعش رواج المنتجات المحلية الأمريكية مقارنة بنظيرتها الكندية، ما سوف يدفع في نهاية المطاف إلى تقلص كميات هذه الأخيرة تدريجيا بسوق الولايات المتحدة”، مردفا بأن “ذلك سيؤثر سلبا على إنتاجية المصانع الكندية، وبالتالي يرفع نسبة عمالها المسرحين من وظائفهم”.

رغم ذلك استبعد أزوكار، في تصريح لهسبريس، “إمكانية تأثير القرار بشكل كبير على اليد المغربية العاملة بكندا، لأنها تتركز بشكل رئيسي في قطاعات أخرى غير الصناعة بمختلف أنواعها، وتشمل أساسا الخدمات والتكنولوجيا”، موضحا أن “نسبة مهمة من مغاربة البلد هم حصيلة الهجرة المختارة التي تنتقي المهاجرين حسب الحاجيات بميادين غير القطاع الصناعي غالبا؛ بخلاف مُواطنيهم ببلدان أوروبية مثلا، خصوصا من هاجروا بشكل مبكر فاشتغلوا بمجالات تقليدية كالتصنيع والفلاحة”.

وأورد المتحدث ذاته أن “نسبة تأثير ‘إجراء ترامب’ على المغاربة المقيمين بكندا ضئيلة جدا، بما أن سوق الخدمات المشغل للكفاءات المغربية لن يتأثر بشكل كبير، عدا عن أنهم نجحوا في اكتساب مناعة قوية ضد مثل هذه الظروف وقدرة على التكيف معها والاندماج الاقتصادي”.

واستدرك أزوكار بأن القرار الأمريكي المذكور “سوف يرفع من مستوى التضخم بكندا، لأنه يهدد بفقدانها حصة مهمة من السوق الأمريكية تتراوح نسبتها بين 60 و70 في المئة؛ ما سيؤثر سلبا على المستوى الاقتصادي والمعيشي للمواطنين الكنديين، بمن فيهم المغاربة المقيمون”، مؤكدا أن “الارتفاع المرتقب للتضخم هو التأثير الذي قد يمس المغاربة بشكل كبير أكثر من تضرر التشغيل بالبلاد”.

وشدد المحامي بمدينة مونتريال الكندية على أن “المواطن المغربي المقيم بكندا قادر على التكيف مع جميع الظروف والطوارئ الاقتصادية؛ وعلى إيجاد البدائل حال فقدانه فرص العمل، لأنها مُيّسرة ومفتوحة”.