يعد كتاب الصحفى والباحث مدين ديرية، من أهم المؤلفات التى تتناول قصة الواقع السورى الآن وكيف تشكل وكيف يتحرك.
كتاب مدين ديرية، المراسل والصحفى البريطانى من أصل فلسطينى ومنتـج الأفلام الوثائقية، بعنوان “سوريا وطن القاعدة الجديد سلسلة من داخل الحركات الجهادية ٢” عن وكالة إنترناشــونال فوتوميديا، وهو سلسلة من داخل الحركات الجهادية، عاشها المؤلف عبر عدة سنوات.
قام المؤلف بزيارة أكثـر مـن ١٥ دولة حول العالم، أهمها أفغانسـتان والصومال وليبيا وسوريا والعراق، وتمكـن مـن دخول مخيم عين الحلوة للاجئين الفلسطينيين فى لبنان عدة مرات، وقابل هناك المطلوبين على رأس القوائم الأولى للإرهاب الدولي.
يعد الكتاب ثمرة خبرة المؤلف على مدار ١٦ عامًا عن حركات الإسلام السياسى المتطرفة حول العالم من واقع المعايشة الميدانية والمقابلات لعدد كبير من القادة بتلك الحركات، وهو ثانـى أجـزاء سلسـلة “مـن داخـل الحـركات الجهادية” التى أصدرها المؤلف، فقد كان الجزء الأول فتح الإسلام النشأة والمصير. يهدى مدين ديرية كتابه إلى صديقه المصور أسامة جمعة، والذى رافقه فى تغطية ساحات الحروب والقتال، وكان يؤمن بأن الصورة هى الوسيلة لمواجهة البروباجاندا والفبركة الأمريكية الدعائية التى تروج لسياساتها النفعية “الشيطانية” فى المنطقة.
الكتاب يعود إلى تاريـخ تأسـيس القاعـدة فـى سـوريا قبـل اندلاع الصـراع والأحداث الأخيرة وتولى أحمد الشرع إدارة سوريا، مما يعد وثيقة مهمة بها مشاهد حية ومقابلات حصرية لم يضعها المؤلف فى معظم أفلامة السابقة، مسلطًا العدسة على سوريا التى أضحت وطنًا ثانيًا لتنظيم القاعدة حينها، فقد كان وطن القاعدة الأول أفغانستان قبل أكثر من عشرين عاما مضت كما يتطرق لطبيعة قادة الحركات الإرهابية هناك وقد التقى الكثيرين منهم، كما التقى بالأسر التى تعيش فى مناطق تحت سيطرة هذه الجماعات.
يُطنب المؤلـف فـى “سرد سيرة أبى مصعـب الزرقاوى قائد تنظيم القاعدة الأبرز فى العراق، والذى احتار حوله حتى أبرز المقربين له بل وعنفه فى بعض الرسائل الخاصة أيمن الظواهرى بسبب توسعه فى قتل شيعة العراق، متابعًا أهـم مجريات حياتـه وأبرزها وكيـف اسـتطاع بلـوغ أمانيه بتأسـيس نـواة دولة القاعدة الإرهابية ومحاولة توسـعتها تدريجيـًا، ابتـداء مـن حلـم ألح طيفـه فـى بلـده الأردن وانتهـى حقيقـة بتأسـيس دولتـه التـى طمـح لهـا فـى العـراق مـرورًا بأفغانسـتان وسـوريا، ومحطـات أخـرى تخللهـا مشاهد محيرة وعلامات اسـتفهام حاول مدين جمع إجاباتها بيـن سـطوره”.
وعبر هذا العرض نقترب من سيرة أبو مصعب الزرقاوى بل وسيرة النواة الأولى لتنظيم القاعدة سواء فى أفغانستان أو العراق وبلاد الشام لكى لا يغيب عنا ما تفعله هذه الجماعات عندما تتمكن وتحكم رقاب البلاد والعباد، وهنا نستطيع أن نحكم هل تتغير أفكار ومعتقدات بعض قيادات هذه التنظيمات أم لا.
الزرقاوى سيرة غامضة
لـم يكـن الزرقـاوى الـذى تخفـى وتنقـل تحـت أسـماء مسـتعارة يسـتهدف أمريكا فحسـب، بل جميع مصالح الأنظمة العربية فـى العالـم، وحياتـه كانـت مليئـة بالتشدد والغلو والتطرف، وبالتالـى كان يعلـم أنـه مـن يسـلك هـذا الطريـق فذلـك يعنـى المطاردة والملاحقات الأمنية لذلـك اسـتخدم عـدة أسـماء وجـوازات مـزورة وتنقـل بأسـماء (حبيـب ورامـى وجـواد والدكتـور سـالم والمحامـى معـاذ وتاجـر الحقائـب موفـق وتاجـر الأغنام أبـو نـواف).
فـى جيـب الزرقـاوى مصحف صغيـر لا يفارقـه، ويرتـدى ملابس عصريـة ويضـع زيـوت الشـعر ويحمـل مجلـة لكـى يبـدو مختلفـا عـن الصـور التـى تنشـرها وكالات الأنباء عنـه.
ولـد أحمـد فضيـل نـزال زيـود الخاليلـة -المعـروف بأبـى مصعب الزرقـاوي- فـى ٣٠ أكتوبـر ١٩٦٦م، فـى حـى معصـوم الشـعبى بمدينـة الزرقـاء لأسرة أردنية متواضعـة الحـال، ولـه أربعة أشـقاء وسـبع شـقيقات، وهـو ينتمـى لعشـيرة بنـى حسـن التـى تعتبـر مـن أكبـر عشـائر الأردن.
زاول الزرقاوى النشاطين الثقافى والدينى فى بداية عام ١٩٨٩ حيث كان يلتقى فى مسجد الفلاح بمجموعة من الشباب الملتزمين دينيا، ومثل العديد من الشبان اعتنق الأفكار الجهادية، حيث الخطب الدينية العلنية المناهضة للسوفييت والتى تعظم الجهاد الأفغاني، وكان دائم الاستماع لخطب عبدالله عزام. واتجه لاحقا فى أولى رحلاته إلى أفغانستان عام ١٩٩٠.
فرصة نجاة الزرقاوي
عاد الزرقاوى لبلده بعد التضييق عليه فى أفغانستان وذلك بعد مرور ٣ سنوات، وقاسى لتوفير لقمة العيش لزوجته وطفليه وعمل بائعا للخضروات ثم افتتح مكتبة لبيع الكتب الدينية، وكان وزوجته يستمعان كثيرا لدروس لمنظر السلفية الجهادية ”أبو محمد المقدسي”، ثم بدأت أجهزة الأمن الأردنية فى مطاردته بعد اتهامه فى قضية التوحيد “بيعة الإمام”، وقد بيت النية على عدم الاستسلام مهما كلف الأمر، ولكن تم القبض عليه وحكم عليه بـ١٥ عاما، لكنه كان محظوظًا بمحاولة اغتيال الملك حسين، إذ تم الإفراج عن كثير من المساجين بموجب عفو شامل، وكان قد أمضى ٥ سنوات فى السجن.
خرج الزرقاوى مع أمه إلى باكستان بدعوى زيارة شقيقته مريم زوجة أحد قادة الجهاد الأفغاني، وبقى ولم يغادر، وعمل مدرسًا فى باكستان، ومنها سافر مجددا لأفغانستان، تلقى أبو مصعب أثناء ذلك تدريبات شاقة فى معسكر هيرات والقاعدة فى قندهار وتدرب على الاغتيال والتفجير والاقتحام وطرق التخفى ثم بدأ مع صهره خالد العارورى فى بناء شبكة علاقات واسعة مع الإرهابيين من جنسيات عدة.
عائلة الزرقاوى تفر عبر جبال أفغانستان
قبيل قصف أمريكا وقوات التحالف لأفغانستان، انتقلت عائلة الزرقاوى من العاصمة كابل فى ١١ سبتبمبر ٢٠٠١ بفتوى من أسامة بن لادن، بوجوب هجرة عائلات المجاهدين فورا من أفغانستان عبر الجبال مشيًا على الأقدام إلى أن وصلوا باكستان، فى هذه الأثناء أصيب أبومصعب بكسور فى الأضلع خلال قصف أمريكي، وقد تم تحديد موقعه بعد مكالمة أجراها عبر الساتلايت، ثم استطاعت أجهزة الأمن الأردنية إحضار عائلة الزرقاوى للبلاد مرة أخرى، بعد أن أدخلت إيران عائلة الزرقاوى طهران وأقامت فى فندق هويز ٢٠٠٢، وخلالها توفى رضيع الزرقاوى إبراهيم والذى كان مع أمه تحت الإقامة الجبرية، وكان الزرقاوى الأب قد لاذ بالفرار، وكان آخر لقاء للزرقاوى بالعائلة فى سوريا ٢٠٠٥ قبل أن يذهب إلى العراق للمرة الأخيرة، حيث ودع ولده محمد وأعطاه مسبحة وقلمًا.
زوجات الزرقاوي: الوقوع فى حب الأمير
وفى شهر العسل كان “رامي” أو أبومصعب قد سافر وزوج أخت العروس “أبوالحسن” فى عملية التفجير التى راح ضحيتها الدبلوماسى الأمريكى فى الأردن.
كان أبومصعب شديدا لا يسمح بسماع حتى الأناشيد الإسلامية بدون موسيقى أو أى إيقاع ويأخذ بفتاوى حرمة حتى الأناشيد الدينية ذات الإيقاع، ويغطى النوافذ بطلاء أزرق ويرفض خروج زوجاته إلا للضرورة القصوى ويضع قماشة على التليفزيون ليتابع نشرة الأخبار كى لا يرى المذيعة.
وفى حوار مدين مع زوجة مصعب تتحدث عنه بحب شديد، تقول إنها ظلت تفخر بكونها متزوجة من مجاهد يعد “رجلًا بأمة”، متناسية أنه مجرم، ولا تعترف بذلك، بل تدين نفسها بأنها أحيانًا لم تكن تمتلك صبره على طريق الإرهاب ولا بد أن تصبر على فراقه بالأشهر الطويلة، ولكنها تنتقد أنه لم يكن يعير المرأة أى اهتمام أو أهمية فى حياته ولا يأبه بأحاسيسهن.
وذات يوم دخل عليها وهى تقرأ كتابًا يتحدث عن جرائم حافظ الأسد ويضع صورته، فمزقه، وسألها كيف تسمحين لنفسك أن تنظرى لصورة رجل فى كتاب.
وكانت رابع زيجات أبى مصعب من أرملة يمنية تدعى أم عمر، قتل زوجها أبوعمر المهاجر المصرى فى المعارك مع القوات الأمريكية فى بغداد ولكنه طلقها لاحقًا.
طلب الزرقاوى لقاء أولاده وزوجته أم محمد كما التقى زوجته خولة حيث التقاهم جميعا فى سوريا ومن ثم ذهب إلى العراق وكان هذا هو اللقاء الأخير، حيث أعلن عن مقتله فى غارة جوية نفذتها الطائرات الأمريكية ٢٠٠٦.
استرعى انتباهى وأنا أقرأ الكتاب محصلة عملية غسيل العقول التى نجحت تنظيمات العنف الدينى فى إحداثها لدى قطاعاتها والمتعاطفين معها ولدينا بين طيات الكتاب نماذج حية نسائية؛ تخيل أن امرأة يتم إهداؤها فى عمر الطفولة للزواج من أمير الجماعة والذى يقرر فجأة الزواج بغيرها “ليكمل دينه” ثم يمنعها من ممارسة الحد الأدنى من مقتضيات الحياة بحجة الغيرة ويحول حياتها وحياة كل نسائه وأبنائه إلى جحيم متنقل لكن أحدا ممن حاورهن مؤلف الكتاب لا تجد عندها إلا الولاء التام والانبهار بشخصية ذلك الأمير وهو ما تستشفه من كل الحوارات مع أشبال الجماعة والرجال المحيطين بقيادات القاعدة وداعش والذين ينظرون إلى أنفسهم كخلف صالح لجيل الصحابة فى مواجهة ما يسمونه الطواغيت المستبدين، العلاقات النسائية فى حياة قادة التنظيمات الإرهابية الشخصية وشبكاته الاجتماعية دائما ما تحتاج دراسة.
جهاديو مصر فى سوريا
فى بداية العمل العسكرى للجيش السورى الحر، بدأ دخول ما يعرف بظاهرة الجهاديين المصريين إلى سوريا من مصر، وشكل أبوسهل المصرى أول مجموعة قتالية للمصريين تحت اسم المرابطين فى إحدى مزارع ريف حلب الغربي.
رفضت الجماعة التواصل مع مؤلف الكتاب الصحفي، لحرصها على السرية، ولكن يلاحظ المؤلف ممن التقاهم أنهم من الطبقة المثقفة بمعنى أنهم أطباء ومهندسون ومعلمون، وقدموا الجماعة باعتبارها مستقلة لا ترتبط بأى جهة داخل سوريا أو خارجها، ولكنها بنت علاقات طيبة مع الجيش السورى الحر والحركات الجهادية على السواء، وخاصة جبهة فتح الشام والتى تحولت لهيئة تحرير الشام فيما بعد، وقد شاهد المؤلف مدين ديرية عناصر التنظيم يشاركون الجيش السورى الحر بالمواجهة المسلحة ضد هجوم حزب الله اللبنانى وميليشيات شيعية على بلدة عندان وهو اليوم الذى قتل فيه أكثر من ١٢ من عناصر المعارضة بينهم عدد من الجهاديين المصريين.
وظل تنظيم المرابطين يعمل تحت قيادة أبوسهل المصري، وينشط عسكريا وينظم حملات خيرية وينشر أطباء فى المشافى العامة والدعاة المتمكنين فى العلوم الشرعية.
دارت حوارات بين مدين ديرية وعناصر من تنظيم المرابطين المصري، وفهم أنهم يسيرون بدعوة ابن تيمية فى فتواه إلى جهاد النصيرية (العلوية) وهو النظام السورى الحاكم والذى قمع الأغلبية السنية، وهذا جعلهم ينفرون للجهاد فى سوريا لحماية أهل السنة.
كانت لأبى سهل تجارب جهادية سابقة أثناء الغزو الأمريكى للعراق قبل أن يتم اعتقاله من قبل أجهزة الأمن السورية وإبعاده إلى مصر ٢٠٠٥ بعد أن أمضى عامين فى سجون سوريا.
الملاحظة المهمة أن معظم التنظيمات السلفية الجهادية استفادت من عام الإخوان ومحمد مرسى ومن سياسة تسهيل رحلاتهم إلى سوريا، فأرسل أبوسهل رجلا يدعى أبا الدحداح لمصر وأسس مكتبًا إغاثيا لمساعدة السوريين هناك وذلك تحت مسمى حملة “أمة واحدة”.
بموازاة ذلك ظل أبوعلى وأبوإسحاق يعملان على إعادة أطباء إلى الحدود التركية من أجل العودة إلى مصر، وكان أشهرهم الدكتور طارق فهيم، وأيضا أبوالفرج اليمنى وهو شرعى بالتنظيم،
ومع اختفاء أبو الفرج اليمنى وهو محمد شرف قيادى جهادى مصري، وشرف له قصة كبيرة فى مصر حيث تم تسليمه من إحدى الدول العربية أيام نظام الرئيس مبارك، وشرف هو من قتل تنظيم القاعدة ابنه مصعب لاتهامه باختراق التنظيم فى السودان، كما قتل الأمير العسكرى أبابلال المصرى عام ٢٠١٥ فى ريف حلب.
قتل معظم عناصر التنظيم وتوزع من بقى منهم بين جبهة النصرة وداعش والحركات التى تضم مقاتلين أجانب، وعاد عناصر التنظيم العاملون فى الدعوة إلى مصر حيث إن أغلبهم أعضاء فى حزب النور المصرى حسب ما أكدوه لمدين، ثم قتل أمير التنظيم أبوسهل فى ٢٠١٣ فى ريف حلب، وتفكك التنظيم بالكامل بعد تشديد سفر الجهاديين من مصر، وتولى الرئيس عبد الفتاح السيسى الرئاسة فى مصر.
كتاب مدين أيضا يبحر فى تأسيس جبهة النصرة وتحولاتها وأكد مدين أن تاريـخ بـدء الحركـة المسـلحة فـى سـوريا غيـر دقيـق، وأن حركـة فجـر الشـام الإسلامية قالـت إنهـا أول مـن أطلـق النـار علـى قـوات بشار الأسد وحركة الفجر كانت تكوينات من الجبهة الإسلامية السورية وحركة أحرار الشام جبهة أنصار الدين مجموعة أشـداء وهى فصيل مقبـول مـن عامـة فصائـل حلـب، مجموعة فاسـتقم وحركـة نـور الديـن زنكـي، بالإضافة إلى كتائب أبو عمار وجميع هذه الحركات هى من شكلت النواة الأولى لتنظيم "جبهـة النصـرة" وكانت مجموعة "تنسيقية الجهاد" هى من تتولى حسم الخلافات بين هذه المجموعات والفصائل المسلحة وهى التى تقوم حاليا بعمل مصالحات بين هذه الفصائل وأحمد الشرع حاليا.
التاريخ يعيد نفسه
يطرح المؤلف جملة من الأسئلة مازالت قائمة حتى الآن.. هل سوف ينتصر الأمريكان والغرب وحلفاؤهم فى سوريا؟، كما انتصروا بالوكالة على السوفييت فى أفغانستان؟ وهل تم استغلال الجهاديين ومازالوا فى خضم قتال عقائدى شرس ضد العدو الثانى للغرب ثم الأنظمة العربية إيران وحزب الله اللبناني؟ ولماذا لم يتم التحقيق العلنى المستقل فى وصول آلاف الشباب إلى سوريا من أجل الجهاد (ألم يعلموا أنهم يزج بهم فى محرقة) وبعلم من أجهزة الاستخبارات الغربية؟ لماذا لم نعالج الفكرة والنظرية والتطبيق ونكتفى بالمؤتمرات الحاشدة والتوصيات الناجزة، ثم يتكرر المشهد كل حقبة تارخية ويسقط شبابنا مرة أخرى فى وحل الدماء أو الخيانة أو العمالة أو التوظيف السياسى للدين.
ينشر المؤلف داخل الكتاب عددا من الصور النادرة لأول مرة للزرقاوى وقادة القاعدة الكبار إضافة إلى وثائق ومستندات وصور تنشر لأول مرة.
مدين ديرية لـ«البوابة نيوز»: إيران خرجت من المنطقة إلى غير رجعة
جميع الفصائل كانت تقاتل بشار الأسد والنظام السورى.. القاعدة كانت فى المقدمة وحلفاؤها ويمكن القول إن هذه الحركات أضعفت نظام الرئيس بشار جدا خلال السنوات الماضية. وما حققته "هيئة تحرير الشام" ومعها فصائل إسلامية أخرى هو الانقضاض بعد تعرض حزب الله فى لبنان لضربات إسرائيلية غير مسبوقة
مدين ديرية صحفى ومخرج أفلام وثائقية، استطاع خلال العشرين سنة الماضية أن يتخصص فى حزمة من الأفلام الوثائقية النادرة عن جماعات وتنظيمات العنف.
حصل على وثائق ومقابلات نادرة مدعومة بصور وفيديوهات تظهر لأول مرة أنشطة هذه العناصر والقادة والمقاتلين وأسرهم، وكذلك السكان العاديون الذين يعيشون تحت سيطرة هذه الحركات الجهادية، حيث قام بزيارة أكثر من خمس عشرة دولة فى العالم كان أهمها أفغانستان والصومال وليبيا وسوريا والعراق واليمن ومخيم عين الحلوة للاجئين الفلسطينيين فى لبنان لمقابلة هذه الجماعات.
له العديد من المؤلفات وأهمها سلسلة من داخل الحركات الجهادية صدر منها حتى الآن جزءان مدعومة أيضا بوثائق وصور نادرة لهم، حيث يستفيض المؤلف فى سرد حكايات قادة التنظيمات والفصائل وباعتباره شاهد عيان على الأحداث السورية فى السنوات الماضية التقته “البوابة” فى هذا الحوار.
■ الجماعات الجهادية كان لها أكثر من (هبة – انتفاضة - مواجهة) لمواجهة بشار الأسد ونظامه لماذا نجحت فى هذا التوقيت رغم ما يعانى منه الإسلام السياسى فى العالم العربى حماس وحزب الله والإخوان فى مصر؟
الجماعات الجهادية تختلف من ناحية الأهداف والمفاهيم عن حزب الله وحماس اعتبرت الرئيس السابق مرسى مرتدا وحماس مرتدة، وهذا من خلاصة حوارات معهم خلال السنوات الماضيةـ وهنا أقصد جميع الحركات الجهادية والفصائل المقاتلة فى سوريا،حزب الله هو العدو الأساسى وكان يقاتل بضراوة وكان عائقا أساسيا فى تحرك القوات والجماعات الجهادية.
جميع الفصائل كانت تقاتل بشار الأسد والنظام السورى القاعدة كانت فى المقدمة وحلفاؤه ويمكن القول إن هذه الحركات أضعفت نظام الرئيس بشار جدا خلال السنوات الماضية. وما حققته "هيئة تحرير الشام" ومعها فصائل إسلامية أخرى هو الانقضاض، بعد تعرض حزب الله فى لبنان لضربات إسرائيلية غير مسبوقة وقوية نالت من كل قياداته تقريبًا، ونالت من "فيلق القدس" و"الحرس الثوري" الإيرانى فى سوريا حيث وسعت إسرائيل ضرباتها على المواقع الإيرانية داخل سوريا بشكل كبير ومنسق على مدى اكثر من عام.
■ هل من الممكن أن تسقط سوريا فى فخ الجماعات الجهادية أم هو تغير لحظى يشكل مرحلة جديدة؟
لا أعتبر هيئة تحرير الشام بشكلها الحالى حركة جهادية على الإطلاق، هى تغيرت وبدلت استراتيجيتها ومفاهيمها، بل وبدلت الراية السوداء براية الثورة السورية، وقطعت صلاتها علنا بتنظيم القاعدة تمامًا، ثم غيرت لسمها من "جبهة النصرة " إلى "فتح الشام" ثم إلى "هيئة تحرير الشام" بمبادئ مختلفة وأساليب جديدة وأهداف حديثة حافظت على شعار إسقاط النظام السوري، وتخلت عن الأدبيات التقليدية للحركات الجهادية المعروفة.
انتقلت تحرير الشام إلى الحياة المدنية والحياة السياسية بأفقها الواسع وتقاليديها المعروفة وهذا تم خلال سنوات قليلة فقط.
■ ترى ما هى السناريوهات القادمة فى ملف الجماعات الجهادية فى سوريا ؟
فى تصورى وأنا عايشتها عن قرب فى سوريا انتهى مفهوم الحركات الجهادية التقليدية بعد التغيرات الجذرية التى حدثت لهيئة تحرير الشام، وتمكنت الهيئة من ضم بعض الحركات الجهادية الصغيرة لها وضمت عددا من المقاتلين الأجانب وهو بالمناسبة عدد غير قليل إلى صفوفها مثل التركستان والتوانسة والفلسطينيين والأردنيين والأزبك، ومصريين وعرب وبريطانيين وفرنسيين وأوروبيين وهذا حدث نتيجة انشقاق عدد من نخب تنظيم القاعدة عن الهيئة، وشكلوا تشكيلات حركية جديدة.
فالهجمات التى تعرض لها تنظيم القاعدة فى سوريا من التحالف الدولى أعاق نموها وحركتها على الأرض وتعرض البعض الآخر للاغتيال وتم تقويض الحركات الجهادية بشكل كامل فى السنوات القليلة الماضية.
هيئة تحرير الشام اعتبرت النظام الإيرانى احتلالا وعدوا رئيسيا، حيث نجحت فى ذلك الحقيقة وأخرجت الإيرانيين من سوريا، بل والمنطقة كلها، ولم يبق لحلفاء إيران سوى الحوثيين وهم من يهاجمون إسرائيل حتى الآن، وجار التعامل معهم من قبل إسرائيل وأمريكا وبريطانيا بقوة وحزم، وأعتقد أن حركة الحوثيين لن تدوم كثيرا ولا أستبعد دخول الحوثيين فى حرب داخلية مصطنعة.
■ كيف ترى الأزمة السورية الحالية ومن وراء التحركات الجديدة من فصائل المعارضة السورية؟
ذهبت إلى سوريا بعـد أيـام مـن سـيطرة الثوار علـى معبر باب السلامة فى ٢٠١١، ومنها الى حلب التى أصبحت أجزاء منها بأيدى فصائـل المعارضـة، والحـركات الجهاديـة.
وعلى الطرف الآخر اسـتعان النظام السـورى بحلفائه من حزب الله اللبنانـى (شـيعي) الـذى كانـت تربطـه معـه علاقات اسـتراتيجية وثيقـة بإيران، وجـاء عناصـر حـزب الله إلـى سـوريا، ودخلـوا فى مواجهـات عنيفـة مـع فصائـل (الجيـش السـورى الحـر)، والجهاديـن الذيـن يقاتـلون قادتهـا، ومقاتلوهـا قتـالا عقائديا، وأخيرا "حزب الله" من المعادلة بسقوط النظام السورى فإيران خرجت من المنطقة بلا رجعة وانتهى العمق الاستراتيجى لحزب الله اللبنانى فى سوريا بذلك لم يعد حزب الله قادرا على الدخول بمواجهة أخرى مع إسرائيل.