في قلب واحدة من أعقد الأزمات الإنسانية في العصر الحديث، يكافح الأطباء الأجانب للوصول إلى قطاع غزة لإنقاذ أرواح المرضى، وسط قيود صارمة تفرضها سُلطات الاحتلال. وبينما تنهار البنية التحتية الصحية تحت وطأة القصف والنقص الحاد في الإمدادات، يجد الأطباء أنفسهم في موقف يتعين عليهم فيه اتخاذ قرارات مصيرية بين من سينقذونه ومن سيتركونه للموت.
التقرير التالي، يستند إلى شهادات موثوقة جمعتها مجلة 972 الإسرائيلية، ليلقي الضوء على الواقع الأليم الذي يواجهه الأطباء في غزة؛ بسبب هذه القيود.
أزمة الرعاية الصحية في غزة
تفاقمت الأزمة الصحية في قطاع غزة بشكل غير مسبوق خلال الأشهر الماضية، حيث عانى النظام الصحي من انهيار شامل بسبب القصف المستمر واستهداف المنشآت الطبية، وفي ظل هذا الوضع، أصبح وصول الأطباء الأجانب إلى القطاع ضروريًا لمساندة الكوادر المحلية التي تعمل تحت ظروف قاسية، ومع ذلك، وضعت إسرائيل قيودًا صارمة على دخول هؤلاء الأطباء؛ مما أدى إلى حرمان العديد من المرضى من الرعاية الطبية اللازمة.
أحد هؤلاء الأطباء هو الدكتور أياز باثان، طبيب الطوارئ الأمريكي الذي تطوع في غزة خلال صيف 2024، يروي باثان لمجلة "972" كيف اضطر، وسط نقص المعدات الطبية وأسرّة المستشفيات، إلى ترك بعض الأطفال المصابين دون علاج، وهو قرار وصفه بأنه "لم يكن ليتخذه في أي مكان آخر، مثل الولايات المتحدة".
لم يخطر ببال الطبيب الأمريكي أياز باثان أنه سيترك عددًا من البشر تتراوح أعمارهم بين 8 و 14 عامًا، للموت، فيتذكر فترة وجوده في مستشفى ناصر في خان يونس، وهو أكبر مستشفى جنوب غزة فيقول: "لم يكن لدينا سرير متاح لهم، كانوا على الأرض، وسحبناهم إلى جانب في إحدى الزوايا بينما كانوا لا يزالون يتنفسون وقلوبهم تنبض، بينما إصاباتهم كانت من غير المرجح أن تبقيهم على قيد الحياة".
سياسة الاحتلال تجاه الأطباء
وفقًا لشهادات أطباء ومسؤولين أمميين تحدثوا لمجلة 972، فإن دولة الاحتلال لم تكن مستعدة للتعامل مع الكارثة الصحية في غزة، بل فرضت قيودًا مشددة على دخول الأطباء الأجانب والبضائع الطبية.
ففي الفترة التي سبقت وقف إطلاق النار، سمحت دولة الاحتلال بدخول أقل من 2000 شاحنة إغاثة، منها 13 شاحنة فقط تحمل إمدادات طبية، في حين قدرت منظمة أوكسفام أن القطاع بحاجة إلى 221 شاحنة طعام يوميًا لتلبية الحد الأدنى من الاحتياجات الغذائية للسكان.
ويرجع الأطباء التغيير الجذري في القيود إلى 7 مايو 2024، عندما سيطرت دولة الاحتلال بالكامل على معبر رفح من الجانب الفلسطيني قبل ذلك، فكان بإمكان الفرق الطبية إدخال معداتهم وإمداداتهم بسهولة نسبية، لكن بعد هذا التاريخ، أصبح الدخول إلى غزة محصورًا عبر معبر كرم أبو سالم، حيث يخضع الأطباء لتفتيش دقيق، ويُمنعون من إدخال معظم الإمدادات الطبية.
الدكتورة تامي أبو غنيم، التي دخلت غزة في مارس 2024، تروي كيف كانت تحمل وزملاؤها ما يصل إلى 42 حقيبة مليئة بالمعدات الطبية، لكن بعد مايو، لم يعد يُسمح لهم بإدخال أي شيء سوى مقتنياتهم الشخصية.
قرارات الأطباء المُستحيلة
بسبب القيود المشددة، أصبح الأطباء في غزة يواجهون وضعًا طبيًا كارثيًا، يؤكد الدكتور نبيل رنا، جراح الأوعية الدموية الأمريكي، أن عدد العاملين الطبيين المسموح لهم بالدخول تقلص إلى 20 فقط أسبوعيًا؛ مما يجعل تقديم الرعاية الصحية شبه مستحيل.
وفي ظل هذا النقص، يضطر الأطباء إلى اتخاذ قرارات قاسية، مثل إعادة استخدام الأنابيب الطبية غير المعقمة، أو إزالة المرضى من أجهزة التنفس الصناعي لإعطاء الأولوية لمن لديهم فرصة أكبر للبقاء على قيد الحياة.
وعند سؤاله عن هذه القيود، صرح متحدث باسم مكتب تنسيق أعمال حكومة دولة الاحتلال بأن إسرائيل لا تمنع دخول الفرق الإنسانية، لكنها تفرض إجراءات تفتيش لأسباب أمنية.
وزعم المتحدث أن "المنظمات الإرهابية تستغل المعدات الطبية لأغراض عسكرية"، وهو ما نفاه الأطباء بشدة، مؤكدين أن المعدات التي تمت مصادرتها مثل أجهزة التصوير بالموجات فوق الصوتية ليس لها أي استخدام عسكري.
تلاعب في دخول المساعدات
تشير تقارير الأمم المتحدة إلى أن إسرائيل تعمدت إعاقة دخول المساعدات إلى غزة، خاصة في شمال القطاع، حيث لم يُسمح تقريبًا بدخول أي مساعدات إنسانية طوال أربعة أشهر.
ووصف أحد المسؤولين في الأمم المتحدة سياسة دولة الاحتلال تجاه المساعدات بأنها "أكثر بيروقراطية من كونها إنسانية"، مُشيرًا إلى أن بعض المعدات الطبية، مثل أجهزة التنفس الصناعي، مُنعت تمامًا من الدخول.
كما كشفت منظمة "ميد جلوبال" عن تلاعب دولة الاحتلال بعملية الموافقة على دخول المساعدات، حيث تُرفض بعض الإمدادات لأسباب غير واضحة، ثم يتم السماح بدخولها لاحقًا بعد ضغوط دبلوماسية، مما يثبت أن العوائق ليست أمنية بل سياسية.
تمييز ضد الأطباء الفلسطينيين
إحدى السياسات الأكثر إثارة للجدل التي كشفتها مجلة 972 هي منع دولة الاحتلال دخول الأطباء من أصل فلسطيني، حتى لو كانوا يحملون جنسيات أمريكية أو كندية أو بريطانية، كما مُنع الأطباء من دول عربية دون أي تفسير واضح.
وتؤكد تقارير شبكة "سي إن إن" أن منظمة الصحة العالمية نصحت منظمات الإغاثة بعدم إرسال أطباء من أصول فلسطينية إلى غزة؛ لأنهم يواجهون عقبات مع السُلطات الإسرائيلية، ورفض مكتب تنسيق أعمال الحكومة الإسرائيلية التعليق على هذه الادعاءات، مما يعزز الشكوك حول وجود سياسة تمييزية ممنهجة.
إخلاء مسؤولية إن موقع عاجل نيوز يعمل بطريقة آلية دون تدخل بشري،ولذلك فإن جميع المقالات والاخبار والتعليقات المنشوره في الموقع مسؤولية أصحابها وإداره الموقع لا تتحمل أي مسؤولية أدبية او قانونية عن محتوى الموقع.