بموازاة التوسع الذي عرفه معرض “أليوتيس” الدولي من حيث الدول المشارِكة وعدد العارضين يواصل قطاع الصيد البحري تشكيل مشهد “الاقتصاد الأزرق” على طول سواحل المملكة المغربية؛ ففضلا عن تحسين إنتاجية مصايد الأسماك بفضل البحث والابتكار تتركز جهود السلطات كما المهنيين، أيضا، على تنمية تربية الأحياء المائية ودعم الصادرات.
خلال لقاء صحفي عقدته، زوال اليوم الخميس، على هامش الدورة السابعة من المعرض، أبرزت زكية الدريوش، كاتبة الدولة المكلفة بالصيد البحري أن “قطاع الصيد البحري مازال يحتفظ بدور حيوي في الاقتصاد والتنمية السوسيو-اقتصادية بالمغرب، مع مساهمته بحوالي 1,1% من الناتج الداخلي الإجمالي”.
“سمك رمضان”
حاولت الدريوش، في حديثها للإعلاميين، التأكيد على ضرورة تحفيز السوق المحلية للأسماك، خاصة سمك السردين الأكثر استهلاكاً من طرف المغاربة، باعثة “رسائل طمأنة” بخصوص جهود قطاعها لتوفير المعروض الكافي من هذا المنتج البحري خلال شهر رمضان، رغم تزامن الأخير مع فترة معروفة بنقص المعروض إثر الراحة البيولوجية التي تمتد خلال يناير وفبراير ومارس.
وأشارت المسؤولة ذاتها، ضمن جوابها عن سؤال في الموضوع، إلى أن “فترة الراحة البيولوجية تنتهي في الـ15 من فبراير الجاري”، وزادت: “نَعمل على إعادة إطلاق مبادرة [الحوت بثمن معقول] في نسخة سابعة قبل حلول رمضان بعشرة أيام… هذا سيوفّر ويقرب السمك المجمد على ظهر بواخر الصيد بأعالي البحار من المستهلك المغربي بثمن مناسب. وقد رصدْنا ثقة أكبر من المغاربة في هذه النوعية من المنتجات البحرية”، وتابعت: “منذ النسخة الأولى من المبادرة بيعت خلال 2023 حوالي 3 آلاف طن، فيما نخطط هذه السنة لتشمل المبادرة 35 مدينة، علما أنها كانت تقتصر على 22 فقط، لترتفع بذلك نقاط البيع من 660 إلى 700”.
ومن المنتظَر، حسب المتحدثة ذاتها، “تعزيز شبكة أسواق الجملة للأسماك وأسواق القرب، مع تشجيع تطوير شبكات متخصصة في توزيع المنتجات البحرية، بما يتيح تغطية المناطق البعيدة عن السواحل؛ بإحداث 14 سوقا للأسماك من الجيل الجديد، و10 أسواق للجُملة، وكذا 48 موقعا لتفريغ الصيد التقليدي (قرى للصيادين ونقاط تفريغ مجهزة)”.
1.6 مليار درهم للبحث العلمي البحري
في رقم دال استدلّت الريوش بأن “الدولة دعمَت أنشطة المعهد الوطني للبحث في الصيد البحري بـ 1.6 مليار درهم”؛ همت على الخصوص تطوير وتأهيل البنيات التحتية البحرية واللوجستية، فضلا عن المعدات وسفن مجهزة بأحدث التقنيات، قبل أن تستدرك بأن ذلك يبقى “غير كافٍ ويحتاج مزيدا من الموارد المادية والبشرية والآليات بحكم شساعة وطول السواحل المغربية”.
واعتبرت المسؤولة ذاتها أن البحث والابتكار العلميين أساس الإستراتيجية الوطنية لتطوير قطاع الصيد البحري، ومدار نقاشات هذه الدورة السابعة، معددة جهود “تعزيز المغرب قدراته العلمية والتقنية لفهم الديناميات البحرية بشكل أفضل واستباق التحديات البيئية/المناخية”.
البنيات التحتية للبحث التي تتوفر عليها المملكة ضمت اقتناء السفينة العلمية “الحسن المراكشي” بمبلغ 462 مليون درهم، بالإضافة إلى تشغيل قارب “الباحث” (19 مليون درهم)، والسفينة العلمية “ابن سينا 2” (34 مليون درهم)، ما يتيح تحليلا معمقا للنظم البيئية البحرية وتقييما أفضل لمخزونات الصيد البحري، ليرتفع مجموع سفن أسطول الأبحاث إلى 5 سفن نَشِطة. كما تم “تطوير مراكز بحث إقليمية، خاصة في طنجة وأمسا والداخلة، بمبلغ إجمالي قدره 240 مليون درهم، تتضمن مختبرات حديثة ومُفرخات تجريبية”، تشرح الدريوش، مبرزة أن “التتبع العلمي للموارد البحرية يتم عبر شبكة لمراقبة النظم البيئية الساحلية والبحرية لضمان استدامة المصايد الإستراتيجية، وفق 30 مخطط تهيئة للمصايد بناء على معطيات علمية محينة”، وزادت: “يُستخدم الذكاء الاصطناعي لمراقبة مخزونات الصيد البحري في الوقت الفعلي والتنبؤ بتأثيرات التغيرات المناخية؛ فضلا عن تطوير معدات صيد مبتكرة تشمل مواد قابلة للتحلل الحيوي للحد من التلوث البحري”.
الإنتاجية والتصدير والشغل
بحسب معطيات وبيانات استعرضتها المسؤولة الحكومية عن الصيد البحري فإن المغرب حقق سنة 2024 “مجموع إنتاج بحري ناهز نحو 1,42 مليون طن، بقيمة مالية قاربت 16,3 مليار درهم”، ما مثل زيادة سنوية بـ 6.6 في المائة بين سنتيْ 2010 و2024، وهو ما يعني أن “إستراتيجية أليوتيس التي أطلقها الملك محمد السادس من هنا بأكادير (إطار إستراتيجي لتطوير قطاع الصيد البحري المغربي بثلاثة محاور رئيسية: استدامة الموارد، تحسين أداء السلاسل الإنتاجية، وتعزيز التنافسية في الأسواق الدولية) قد أعطت ثمارها المرجُوّة”.
وزادت كاتبة الدولة منوهة إلى أن “الصيد البحري من بين القطاعات الإنتاجية التي تعد رافدا من روافد العملة الصعبة بفضل صادراته التي سجلت متم عام 2024 رقم معاملات بلغ حوالي 27,4 مليار درهم، ينضاف إلى رقم معاملات قياسي سنة 2023 بحوالي 31 مليار درهم؛ فيما تشير البيانات الرسمية إلى تأثير اجتماعي واقتصادي هامّ، إذ يوفر أزيد من 260 ألف منصب شغل مباشر، من بينها 113 ألفا و845 وظيفة مباشرة في عرض البحر حسب أرقام سنة 2023”.
تحديات راهنة
أضافت الدريوش، متحدثة إلى الصحافيين بحضور عدد من مسؤولي القطاع ومهنييه، أنه “رغم رفع الإنتاج السمكي الوطني فإن العمل مستمر لتطوير الصيد البحري وتربية الأحياء المائية في المغرب ومواجهة تحديات ورهانات التطوير، خاصة مع تغيرات المناخ المتسارعة (تزايد حرارة مياه المحيطات، ظاهرة النينيو، الاستدامة والتنوع البيولوجي…)”، وتابعت:
“بفضل التدبير الدقيق لمخزونات الأسماك، بعد وضع وتنفيذ 30 مخطط تهيئة لمصايد الأسماك السطحية، تغطي المناطق الرئيسية للصيد البحري على طول أزيد 3000 كيلومتر من السواحل، تستمر جهود تعزيز المراقبة من طرف 4 فاعلين، بما يشمل الوزارة الوصية بمعية الملكية البحرية والدرك الملكي لرصد المخالفات وتغريم مخالفي القوانين المنظمة”؛ وبينما شددت على “أهمية المخططات لضمان استغلال مستدام للموارد مع الحفاظ على مستويات إنتاج مثلى”، أكدت أن “الصناعة التحويلية للمنتجات البحرية تجعل المغرب فاعلا رئيسياً يتوفر حاليا على 518 وحدة لتحويل المنتجات في البَـرّ و311 وحدة للتجميد في البحر”.
وتتيح هذه البنيات التحتية الحديثة معالجة حوالي 60 في المائة من صيد الأسماك الساحلية، ما ينتج مجموعة متنوعة من المنتجات: المعلبات، وشبه المعلبات، وتعبئة المنتجات الطازجة، والتجميد، والتمليح، والزيوت والدقيق السمكي (farine de poissons) مع “معايير جودة عالية في السلامة الصحية قبل تصديرها إلى 138 سوقا دوليًا، ما يعزز إشعاع المملكة كرائد إقليمي للقطاع”.
وفي تحدٍّ آخر ذكرت الدريوش أن “مخططات التهيئة المتعلقة بتربية الأحياء المائية واجهت تحديات وانتقادات تتعلق بالتأخر من أجل إعدادها… بينما يحتاج إلى فترة عامين إلى أربع سنوات لضمان استثمار أفضل، رغم جاهزية الترسانة القانونية المنظمة لهذا المجال”.
يشار إلى أن المغرب رَخَّص لفائدة 322 مزرعة لتربية الأحياء المائية، منها 200 مزرعة بدأت نشاط الاستزراع، الذي يشمل مختلف الأنواع البحرية، حسب المعطيات ذاتها.