تتحدث تقارير عديد بالصحافة الغربية عن ثمة عرض أمريكي لدمشق، حيث يعيش نحو 450 ألف فلسطيني في البلاد منذ عقود طويلة>
ووفقًا لصحيفة الإندبندنت البريطانية، اتفق المراقبون في القاهرة ولندن على استبعاد قاطع لأي احتمال لرضوخ مصر والأردن لضغوط واشنطن الأخيرة بشأن تهجير فلسطينيي غزة، وهي “أول خطوة في تصفية القضية نهائيًا”.
واستبعد خبراء الشرق الأوسط أن توافق أية دولة عربية على "استقبال أي عدد من اللاجئين الفلسطينيين، بخاصة إذا كان الهدف هو نقلهم بشكل دائم خارج فلسطين".
ويصر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على مقترحه لنقل سكان قطاع غزة إلى مصر والأردن، بدعوى إعادة بناء القطاع الذي دمرته الحرب الإسرائيلية على مدى 16 شهرًا.
وهدأت الأمور بعد ثلاثة تصريحات أدلى بها الأسبوع الماضي في هذا الصدد، وكان أحدث تصريح يرد فيه على رفض القاهرة وعمان خطته، حين بدا عنيدًا ومتحدثًا بلهجة حادة قائلًا "سيفعلون ذلك، نحن قدمنا لهم كثيرًا، وسيفعلون"، ثم عاد ليلقي بحجر أكبر في البركة الهائجة بالفعل ليتحدث عن خطة للسيطرة على القطاع، قبل أن يضطر مسؤولو إدارته الجديدة للملمة الأمر وسط غضب عربي وإسلامي عارم، والتخفيف من حدة تصريحات الرئيس الأمريكي وطمأنة دافعي الضرائب ونفي إرسال أي قوات عسكرية أمرريكية إلى قطاعى غزة.
وقدّم الرئيس الأمريكي مقترحه في شأن غزة مع الإشارة إلى خطته، خلال مؤتمر صحفي مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في البيت الأبيض، الثلاثاء الماضي، متحدثًا عن إعادة توطين الفلسطينيين في مصر والأردن ودول أخرى، وتحويل المنطقة إلى "ريفييرا الشرق الأوسط"، ومع ذلك، لا يزال مشروع ترامب غير واضح، ففي ظل الرفض المصري الأردني المتكرر لإعادة توطين فلسطينيي غزة، أشار سيد البيت الأبيض إلى "دول أخرى"، ولم يحدد تفاصيل في شأن كيفية نقل نحو مليوني فلسطيني.
عرض أمريكي لدمشق
في الأثناء، تحدثت مصادر لمراسل الإندبندنت في سوريا، في شأن اقتراح قدمه مسؤولون أمريكيون للحكومة السورية الجديدة في شأن استضافة آلاف الفلسطينيين من قطاع غزة في مدن سكنية جديدة تُبنى ضمن مشاريع إعادة إعمار سوريا، مع إسهام الولايات المتحدة في دعم عملية الاستقرار والازدهار الاقتصادي داخل البلاد.
ويعيش نحو 450 ألف فلسطيني في سوريا في مخيمات عدة منذ عقود طويلة، غير أن المخيم الأكبر هو اليرموك الذي بُني عام 1957 خارج العاصمة دمشق، وعلى رغم أنهم يعيشون منذ عقود، فلا يحصل اللاجئون الفلسطينيون في سوريا على الجنسية للحفاظ على حقهم في العودة إلى أراضيهم التي أجبروا على مغادرتها في فلسطين عام 1948، وأخيرًا أثيرت إشاعات في شأن منح الجنسية السورية للفلسطينيين المقيمين داخل سوريا وإلغاء المخيمات وتوزيع الفلسطينيين على المدن الكبرى ما يثير سؤال اليوم المهم، ألا وهو: هل تتحول سوريا إلى الخطة "باء" لترامب لحل أزمة غزة؟
ويعتقد بعض المراقبين في المنطقة أن ترامب ربما يستغل الوضع السوري وحاجة الرئيس السوري أحمد الشرع إلى الاعتراف والدعم الدولي.
ولفتت الصحيفة البريطانية نقلا عن خبراء قولهم إن إصرار مصر والأردن على رفض قبول سيناريو التهجير يجعل سوريا الخيار الأمثل بالنسبة إلى الأمريكيين والإسرائيليين.
يقول الخبراء إن "الجولاني" (في إشارة إلى الأسم السابق للرئيس السوري الانتقالي) يحتاج إلى الاعتراف الدولي، كما يحتاج إلى التمويل من أجل إعادة إعمار سوريا، كذلك فإنه يقف على يمين تنظيم الإخوان الإرهابي الذي يؤمن بالأساس أن الأرض ليست الوطن بل الدين، وهنا يمكن الإشارة إلى أن سكان قطاع غزة مسلمون سنة، وربما هذا يفسر تصريحات ترامب الأخيرة بإرسال سكان غزة إلى مصر والأردن ودول أخرى، وبطبيعة الحال ثمة تنسيق بين الشرع والولايات المتحدة حتى قبل سقوط بشار الأسد.
ولفت الخبراء إلى أن الحاجة إلى الدعم السياسي تجعل الشرع منفتحًا على مثل هذا المقترح، فربما يريد الشرع أن يكون رئيسًا لسوريا لمدة لا تقل عن 15 عامًا، وقد تحدث في وقت سابق أن بلاده تحتاج إلى أربعة أو خمسة أعوام لتنظيم انتخابات رئاسية، كذلك يمكنه كتابة دستور يسمح له بفترة رئاسية ستة أعوام مع إضافة مواد تضمن له الترشح لمدد أخرى، بما يضمن وجوده لأعوام طويلة في السلطة.
وبعد إعلانه توليه رئاسة سوريا، قال الشرع في مقابلة مع تليفزيون سوريا، الأسبوع الماضي، في شأن إجراء انتخابات رئاسية في سوريا، "لدي تقدير أن المدة ستكون تقريبا بين أربعة وخمسة أعوام وصولًا للانتخابات، لأننا نحتاج إلى بنية تحتية واسعة، وهذه البنية تحتاج إلى إعادة إنشاء وتحتاج إلى وقت".
وعقب تنصيب الرئيس الأمريكي في يناير الماضي، نشر الشرع برقية تهنئة لترامب باللغة الإنجليزية على تطبيق "تيليجرام" قائلًا إنه "يثق" بأن ترامب سيكون القائد الذي “يحقق السلام في الشرق الأوسط”.
وأضاف أن "ترامب يسعى إلى السلام ونسعى إلى استعادة العلاقات مع واشنطن الأيام القادمة... لدينا ثقة في أن الإدارتين ستغتنمان الفرصة لتشكيل شراكة تعكس تطلعات البلدين".
إعادة الإعمار
وأشارت الإندبندنت إلى حاجة سوريا إلى مليارات الدولارات لإعادة الإعمار بعد حرب أهلية استمرت نحو 14 عامًا، ويقول "عُرض على مصر قبلًا 200 مليار دولار للقبول بتهجير الفلسطينيين إليها، يمكن الاكتفاء بنصف هذا المبلغ لتحقيق الغرض في سوريا"، كما أن مساحة سوريا بالنسبة إلى عدد سكانها ربما تشكل بُعدًا آخر يدفع ترامب إلى التفكير فيها كخيار بديل، وتتساوى مساحة سوريا تقريبًا مع مساحة فرنسا التي يعيش فيها 60 مليون نسمة، بينما يعيش في سوريا حاليًا نحو25 مليون نسمة ومعظم مساحتها تسمح بالعمران السكاني.
وأضافت أن مشهد ترامب عندما أشار إلى صغر مساحة إسرائيل بالنسبة إلى مساحة الشرق الأوسط، هو انعكاس لأفكار اليمين الإسرائيلي الذين يتحدثون عن وجود 22 دولة عربية بمساحة 14 مليون كم مربع بينما مساحة فلسطين 25 ألف كم مربع، الفكرة الأولى كانت منح الفلسطينيين 2000 كم مربع من سيناء التي تبلغ مساحتها 64 ألف كم مربع.
ويعتقد أن كل الضجيج الذي يحدث هو تمهيد لتفريغ الضفة الغربية، حيث يوجد كل الارتباط المقدس بالقدس والخليل ويتصور الخبراء أن الخطة الإسرائيلية قائمة على تفريغ غزة ثم تفريغ الضفة الغربية وهو ما تقوم به إسرائيل بالفعل.
سوريا ليست خيارًا
وأكدت الإندبندنت على أنه لم تكن هناك أية مواربة فى الموقفين المصري والأردني وهما الدولتان اللتان أشار إليهما ترامب لاستيعاب نحو مليون ونصف المليون من سكان غزة، إذ رفضت كل من مصر والأردن هذا المقترح تمامًا وبوضوح تام، إلا أن ترامب حاول القفز على هذا الرفض بالإشارة "الغريبة" أيضًا إلى أن الدولتين ستقبلان المقترح، ويرى الخبراء أن ترامب يسعى إلى تحويل الأوهام إلى حقائق وهو ما لن يحدث، ومن ثم ما أثارته الإدارة الأمريكية في شأن وجود دول أخرى يمكن أن تستوعب الفلسطينيين الذين سيهجرون من غزة، هو استمرار لطرح تلك الأفكار الغريبة الغامضة، وكأن الإدارة على قناعة بأن موضوع التهجير سينفذ أيًا كانت المعارضة المصرية والأردنية وأن واشنطن تمتلك البدائل من الدول التي ستحل هذه المشكلة.
ويرى الكاتب والباحث السياسي السوري غسان إبراهيم، إنه لإقناع الفلسطينيين بالرحيل من غزة فلابد أن تكون الوجهة جذابة، فإذا رحلوا إلى سوريا أو مصر أو غيرها ولم يجدوا امتيازات فبطبيعة الحال سيتجهون إلى أوروبا. وأشار إلى أن مخيم اليرموك منهار ومنتهي بالفعل، وبالتالي تنتهي صفته كمخيم للاجئين الفلسطينيين حيث لم يتبق منه سوى الاسم وأصبح حى من دمشق الكبرى. واستبعد الباحث السوري أن تكون القضية الفلسطينية ضمن أولويات الإدارة السورية الحالية أو أي حكومة مستقبلية، مضيفا بالقول "الفلسطينيون أفشلوا بأنفسهم القضية، هم لا يحتاجون أحد ليُفشل قضيتهم".
على الجانب الغربي، لا يوافق المراقبون في العواصم الغربية على سوريا "كخيار" متاح أمام ترامب لتهجير الفلسطينيين، وقالت زميلة برنامج الشرق الأوسط لدى معهد تشاثام هاوس في لندن كسينيا سفيتلوفا، عضو سابق بالكنيست الإسرائيلي، إن "سوريا هشة للغاية في الوقت الحالي، وهذا السيناريو يمكن أن يُعرض أية فرصة لإجراء تقدم في العملية السياسية هناك، للخطر".
وأضافت أن سوريا لا يمكنها أيضًا استيعاب مليون أو مليوني لاجئ، بينما يتعين عليها أن تتعامل الآن مع عدد هائل من مواطنيها الذين من المفترض أن يعودوا من الدول التي أصبحوا لاجئين فيها على مدى العقد الماضي، مشيرة إلى “أنه بلد فقير ومدمر وبحاجة ماسة إلى المساعدات الإنسانية والاقتصادية”.
وأشارت سفيتلوفا إلى الحدود المشتركة بين مصر والأردن وغزة، وهو ما يجعل ترامب ينظر للبلدين باعتبارهما الأنسب لنقل سكان قطاع غزة.
ويرى بعض خبراء الشرق الأوسط أن مقترح تهجير الفلسطينيين هو "مجرد ورقة ضغط من ترامب بهدف تمرير مشروع إفراغ غزة من حماس، ودفع الدول العربية لتبني مشروع تكون فيه لغزة خصوصية ما فلا تكون ضمن حل الدولتين ولا ضمن إسرائيل".
وقال "ربما يفكر بتحويل غزة إلى مركز اقتصادي أو سياحي أو تجاري، فمشروعه قائم على فكرة إعادة بناء هذا القطاع على نموذج الجزر الجذابة للاستثمار. وفي النهاية يحتاج مشروع إعادة الاعمار إلى يد عامة ومن ثم تشغيل الفلسطينيين لأنه يصعب إقدام عمالة أجنبية لمنطقة غير آمنة، وبالتالي فإن فكرة التهجير هي ورقة مساومة لرفع السقف لأعلى ما يمكن حتى يجلب الجميع إلى طاولة المفاوضات وبالتالي القضاء على حماس بتقديم نموذج بديل."
يتفق المراقبون في القاهرة ولندن على استبعاد رضوخ مصر والأردن لضغوط واشنطن في شأن تهجير فلسطينيي غزة، وهي "أول خطوة في تصفية القضية نهائيًا" وفق وصف جاد، واستبعدت سفيتلوفا أن توافق أية دولة عربية على “استقبال أي عدد كبير من اللاجئين الفلسطينيين، بخاصة إذا كان الهدف هو نقلهم الدائم خارج فلسطين”.
ووصف زميل المعهد الملكي للخدمات المتحدة لدراسات الدفاع والأمن في لندن أتش أي هيلير، أن "فكرة نقل الفلسطينيين والوصف الصحيح لها التطهير العرقي للفلسطينيين، هي حقًا شاذة".
وتبنت مصر طوال عقود سابقة مبدأ ضرورة إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة كأساس لاستقرار المنطقة لن تتنازل عن ثوابتها ولن تقبل تصفية القضية، لافتًا إلى حرص مصر على التواصل مع كل القوى الإقليمية والدولية بما فيها الولايات المتحدة لتوضيح خطورة هذا المقترح وعدم إمكان قبوله، مع التأكيد أن الخطوة العاجلة المطلوبة لحل أزمة غزة تتمثل في عنصرين أساسين الأول إدخال أكبر قدر من المساعدات الإنسانية لدعم الأمور الحياتية لسكان القطاع ومساعدتهم على دعم حياتهم المعيشية، وأن تتولى واشنطن مسألة إعادة الإعمار من دون تهجير، والثاني إعطاء أمل للفلسطينيين بأن من حقهم إقامة دولتهم المستقلة التي ستعيش في سلام وأمن إلى جوار إسرائيل وذلك من خلال المفاوضات.