بكثير من الترقب، تنتظر مدن مغربية تزويدها بالجيل الجديد من حافلات النقل العمومي، موازاة مع استعداد المملكة لاحتضان تظاهرات كبرى، مما يستوجب مبدئيا توفير أساطيل ملائمة من هذه الحافلات، عوضا عن نظيراتها التي تثير وضعيتها جدلا كبيرا بمدنٍ بعينها، وهو ما كان قد عبّر عنه مؤخرا عبد الوافي لفتيت، وزير الداخلية، بقوله إن “الحافلات الحضرية لا تناسب مغرب اليوم”.
وبدا واضحا أن النقاش حول هذا الموضوع احتدم ببعض المدن التي لم تستفد بعد من الجيل الجديد من حافلات النقل العمومي، بما فيها مدينة فاس التي صادق مجلسها الجماعي خلال دورته العادية لشهر فبراير الجاري على نقطة تهم فسخ وإسقاط عقد التدبير المفوض للنقل الحضري الذي كان يربط المجلس بشركة “سيتي باص”، من جانب واحد، وهو الموضوع الذي سبق أن أثير نقاش بخصوصه داخل مجلس النواب.
وبجانب مدينة فاس تنتظر مدن أخرى تسوية ملف النقل الحضري عبر الحافلات، الذي لا يزال مثار جدل وامتعاض كبيرين، منها مدينة وجدة، إذ وجّه المكتب المحلي لفيدرالية اليسار الديمقراطي نداء عاجلا إلى كل من وزير الداخلية ووالي جهة الشرق عامل عمالة وجدة أنجاد، فضلا عن رئيس المجلس الجماعي للمدينة، أكد فيه أن “استمرار هذا الوضع دون تدخل قد يؤدي إلى احتقان اجتماعي غير محسوب العواقب، خصوصا وأن النقل الحضري يمثل شريان الحياة اليومي لسكان مدينة جامعية مثل وجدة”.
وكان هذا الملف قد طُرح مؤخرا على عبد الوافي لفتيت، وزير الداخلية، الذي قال بخصوص إنه “تم وضع برنامج جديد للنقل الحضري بواسطة الحافلات للفترة بين 2025 و2029، بميزانية إجمالية 11 مليار درهم، تخص 73 سلطة مفوضة وتهم كافة مكونات التدبير المفوض من خلال اقتناء 3746 حافلة للنقل الحضري إلى غاية 2029″، موضحا أنه “بحلول متم سنة 2025 ستكون 1317 حافلة تشتغل في عدد من المدن، أبرزها فاس وطنجة ومراكش وتطوان وأكادير وبنسليمان… إذ يرتقب فتح الأظرفة لشرائها في منتصف مارس المقبل”.
في تفاعله مع الموضوع، قال أسامة أفريد، من ممثلي النسيج الجمعوي بمدينة فاس، إن “إشكالية النقل الحضري تبقى قائمة إلى حدود الساعة بمدينة تاريخية وكبرى كفاس، العاصمة العلمية للمملكة وإحدى حواضرها التاريخية، وهو بطبيعة الحال أمر لا يستقيم ونحن نتحدث عن مغرب سنة 2025 ونستعد لتنظيم تظاهرات ذات وزن مهم، سواء قاريا أو عالميا”.
وأضاف أوفريد، في تصريح لهسبريس، أن “مدينة فاس بامتدادها الترابي ومقاطعاتها الست لا تتوفر إلى حدود الساعة على الجيل الجديد من حافلات النقل العمومي، التي استفادت منها كل من الرباط وسلا والدار البيضاء، على سبيل المثال، قبل سنوات، وبالتالي من الأولوية بما كان أن تستفيد المدينة منها كذلك”، مفيدا بأن “الحافلات التي يتم حاليا استخدامها لا تطابق المعايير التي يجب أن تشدد دفاتر التحملات على احترامها”.
وزاد: “المجلس الجماعي للمدينة صوت مؤخرا على فسخ العقد الذي كان يجمعه بإحدى الشركات، غير أننا نؤكد أن هذا الأخير لا يجب أن يؤدي رسوم فسخه من جانب واحد، على اعتبار أن الشركة التي كانت تتكلف بمهمة توفير النقل العمومي لم تكن من جانبها في المستوى المطلوب ولم تكن تقدم الجودة في النقل للمواطنين”، مشددا على أن “المجلس يجب أن يأخذ حل هذه الإشكالية كأولوية”.
وكشف المتحدث أن “لا إشكال في الأثمنة التي يمكن أن يتم طرحها من قبل أي شركة تتكلف بالمهمة، غير أنها يجب أن تكون متناسبة مع جودة الخدمة المقدمة، إذ يجب أن يكون هناك احترام لمعايير وطنية وحتى دولية معمول بها في هذا الإطار”، مبرزا أن “الأساسي هو إخضاع جميع المدن المغربية للمنطق نفسه الذي يخص توفير النقل العمومي للمواطنين”.
وفي وجدة التي تعيش الإشكالية ذاتها، قال عبد الصمد بجعوني، فاعل جمعوي، إن “حافلات النقل العمومي التي يتم استخدامها على مستوى تراب مدينة وجدة تبقى دون المستوى المطلوب والمأمول بالنسبة لمدينة تعتبر عاصمة الجهة الشرقية إلا أنها لم تستفد من التنمية كما يجب، وذلك مقارنة مع جهات أخرى امتثالا لمعطى العدالة المجالية”.
وأضاف بجعوني، في تصريح لهسبريس، أن “دفاتر التحملات التي تفرضها وزارة الداخلية أو الجماعات المحلية على الشركات المتقدمة لأي طلب عروض لتولي خدمة النقل العمومي، يجب أن تكون متشددة حول مسألة توفير خدمات ذات جودة”، موردا أن “إشكالية النقل العمومي الحضري، اعتمادا على الحافلات، لم يتم حلّها بعد”.
وأكدت المتحدث أن “الوقت حان من أجل توفير حافلات من الجيل الجديد لمختلف المدن المغربية، بما فيها مدينة وجدة، إذ إن الظرفية تستوجب ذلك وتحتم إعادة النظر في كل الإشكاليات التي تعرفها كل مدينة على حدة، وهو ما يبقى بالدرجة الأولى من صميم عمل المجالس الجماعية بتنسيق مع مصالح الداخلية”.