أسواق الذهب.. طلب عالمي غير مسبوق وقفزة في الصادرات المصرية

«جولدمان ساكس»: سعر الذهب العالمي في طريقه إلى ٤٠٠٠ دولار للأونصة الواحدة
التوترات الجيوسياسية ورسوم ترامب تعزز من صعود الذهب.. والبنوك المركزية تتحوط بزيادة المخزون
رغم الانخفاض المؤقت عاود سوق الذهب العالمي لموجة ارتفاعات غير مسبوقة، مدفوعًا بعدة عوامل أهمها تصاعد التوترات الجيوسياسية وقوة الدولار وزيادة الإقبال على المعدن النفيس كملاذ آمن، وسط المخاوف من ركود اقتصادي عالمي، وتزامنًا مع هذا الصعود، سجلت صادرات الذهب المصرية قفزة تاريخية، ما يعكس تحولات اقتصادية عميقة ويعزز موقف مصر كلاعب مؤثر في سوق الذهب العالمي خلال عام 2025.
ويواصل سعر الذهب الصعود بجميع الأعيرة، مسجلاً ارتفاعات جديدة كل يوم نتيجة التوترات الجيوسياسية في العالمي مع تزايد المخاوف من الركود، وأظهرت الإحصائيات محصلة مشتريات غير مسبوقة من البنوك المركزية التي بدأت تتحوط بامتياز في الذهب.
ويظل الذهب دائمًا جزءًا أساسيًّا من النظام المالي والاستثماري العالمي، سواء كحُليٍّ ثمين أو كوسيلة لحفظ الثروة في أوقات الأزمات، ويسجل التداول منذ بداية عام 2025 أرقاماً متصاعدة تعيد ترتيب المشهد العالمي من جديد فسجلت المؤشرات الاخيرة 3334.20 دولار سعر أونصة الذهب ووفق لما أكده محللون فمن المتوقع أن يقفز حتى يصل 4000 للوقيه ومن المرجح أن تصل لـ 5000 نهاية العام .
الارتفاع اللافت بنسبة 26 % منذ بداية العام ليس مجرد صدفة عابرة، بل يعكس تحولاً أعمق في مزاج المستثمرين الذين يبحثون عن الأمان في وجه موجات الغموض السياسي والاقتصادي، وعلى رأس هؤلاء المستثمرين: البنوك المركزية التي كثفت مشترياتها من المعدن الأصفر، وصناديق الاستثمار المتداولة التي تشهد تدفقات متزايدة.
وتوقع بنك «جولدمان ساكس» أن يصل سعر أونصة الذهب إلى 4000 دولار بحلول منتصف عام 2026، مدعوماً بزيادة شهية البنوك المركزية، التي يُتوقع أن تشتري 80 طناً شهرياً، بدلاً من 70 طناً كما كان يُعتقد سابقاً.
وأطلق البنك مجموعة «يو بي إس» جولة جديدة من التوقعات الصعودية بشأن الذهب، مدعومة بطلب أقوى من المتوقع من البنوك المركزية، باعتباره وسيلة تحوط ضد الركود والمخاطر الجيوسياسية، مما يعزز التوقعات بمزيد من ارتفاع أسعار المعدن النفيس خلال عام 2025.
تأتي هذه التوقعات الجديدة بعد أن قفز الذهب بنسبة 6.6 % الأسبوع الماضي، مسجلاً مستوى قياسياً جديداً فوق 3245 دولاراً للأونصة .
من جانبه كشف رجل الأعمال المهندس نجيب ساويرس الرئيس التنفيذي لشركة أوراسكوم للاستثمار القابضة، عن توقعاته لأسعار الذهب الفترة المقبلة، معلناً أنه مستمر في زيادة استثماراته في الذهب، وتوقع وصول سعر أوقية الذهب إلى 3500 دولار وخلال عام أو عامين قد يصل إلى 5000 دولار.
وأضاف ساويرس أن المعدن النفيس سجل مستويات قياسية جديدة أعلى من 3 آلاف دولار، محققًا مكاسب بحوالي 16 % خلال العام الحالي حتى الآن، مشيرا إلى أن المعدن الأصفر سيظل ملاذًا آمنًا للمستثمرين خاصة في ظل التقلبات الاقتصادية العالمية.
وأوضح أن تكلفة إنتاج الأونصة لا تتجاوز 30 دولارًا، وهو ما يجعل الاستثمار في الذهب أحد أكثر الاستثمارات ربحية وأمانًا على المدى الطويل، مؤكدا أن الاضطرابات الدولية بما يشمل الحرب في أوكرانيا والتوترات في الشرق الأوسط، دفعت العديد من المستثمرين إلى الابتعاد عن الأسهم والسندات واللجوء للذهب كملاذ آمن.
وقال مايك ماجلون، كبير محللي السلع في وحدة بلومبرج إنتليجنس، إن سعر الذهب قفز متجاوزا حاجز 3200 دولار للأونصة خلال الأيام القليلة الماضية، وقد تكون هذه بداية لتحرك أكبر بكثير، قد يصل إلى 4000 دولار، في ظل تصدع الملاذات الآمنة التقليدية، وتراجع أداء البيتكوين، وتقلب سوق الأسهم الأمريكية عند تقييمات تاريخية مرتفعة للغاية، مضيفا أننا نشهد حاليًا بداية سوق هابطة في سوق الأسهم الأمريكية وتحولًا جذريًا يصب في مصلحة المعادن الثمينة.
ومن جهة أخرى ساهم ضعف الدولار الأمريكي مقابل غيره من العملات، في ظل انخفاض حاد في أسعار سندات الخزانة الأمريكية في دعم أسواق الذهب والمعادن عموماً، في بسبب العلاقة العكسية التي تربط الذهب بالدولار.
وتبقى الرسوم الجمركية التي فرضها ترامب بنسبة 145 % على الصين، إلى جانب الرسوم الجمركية التي فرضتها الصين بنسبة 125 % سارية المفعول مما يشير إلى حرب تجارية بين أكبر اقتصادين في العالم. وقد حافظت هذه الفكرة على دعم الذهب بفضل الطلب على الملاذ الآمن.
فالبيئة الحالية لا تزال داعمة لارتفاع أسعار الذهب، لكن رحلة الصعود ستشهد بعض التباطؤ والتصحيح ومن المرجح أن تكون هناك بعض الانتكاسات المؤقتة في أسعار الذهب اعتماداً على التطورات في الأحداث وعلى البيانات الاقتصادية.
وقال رافائيل بوستيك رئيس البنك الاحتياطي الفيدرالي، بأن الاقتصاد الأمريكي يمر بـ»توقف مؤقت» بسبب حالة عدم اليقين المحيطة برسوم ترامب الجمركية وسياسات أخرى، مشيرا إلى أن البنك الفيدرالي يجب أن يبقي على موقفه الحالي حتى تتضح الصورة أكثر.
كما أظهرت بيانات مجلس الذهب العالمي أن الاستثمارات في صناديق الذهب المتداولة في البورصة المدعومة مادياً قد سجلت ارتفاع في التدفقات النقدية الداخلة لها خلال الأسبوع المنتهي في 11 ابريل بمقدار 52.1 طن ذهب، وهو أعلى مستوى للتدفقات في سبع أسابيع.
بينما جذبت صناديق الاستثمار المتداولة في الصين المدعومة بالذهب 772 مليون دولار في مارس، مما رفع إجمالي الأصول المدارة إلى 14 مليار دولار، وارتفعت حيازاتها بمقدار 7.7 طن لتصل إلى 138 طنًا. لتتجاوز استثمارات الربع الأول بأكمله، وتتجاوز التدفقات الواردة التي سجلتها الصناديق المدرجة في الولايات المتحدة.
كما واصل البنك المركزي الصيني إضافة الذهب إلى احتياطاته لخمسة أشهر متتالية حيث شهد شهر مارس إضافة 2.8 طن إلى احتياطيات الصين الرسمية من الذهب، وانتهى الربع الأول بمكاسب صافية بلغت 12.8 طن.
ويشهد سعر الذهب المحلي تذبذبا يأتي بعد أن سجل الذهب مطلع هذا الأسبوع أعلى سعر تاريخي عند 4710 جنيه للجرام قبل أن يبدأ في التراجع التدريجي بسبب التصحيح السلبي مستغلاً تباطؤ حركة الذهب العالمي، ولكن يبقى الاتجاه العام صاعد حتى الآن في ظل تضافر العوامل الحالية في دفع الذهب نحو الصعود.
من جهة أخرى استمر سعر صرف الدولار مقابل الجنيه في التراجع التدريجي خلال التداولات الأمر الذي قلل من الدعم لأسعار الذهب المحلي الذي يستخدم سعر صرف الدولار في التسعير.
يأتي هذا التراجع في سعر صرف الدولار مقابل الجنيه بعد أن أعلن رئيس اتحاد بنوك مصر أن السوق المصري استطاع امتصاص صدمة التعيد الأخير في الحرب التجارية العالمية بشكل كبير، ليشير أن 80 إلى 90 % من الأموال الساخنة التي خرجت من الأسواق قد عادت مجدداً في وقت قليل وهو الوضع المطمئن على حد وصفه.
أيضاً توقع بنك ستاندرد تشارترد العالي أن يسجل سعر صرف الدولار مقابل الجنيه ما بين 52 – 54 جنيهاً مع بنهاية العام القادم، على أن يصل معدل التضخم بين 10 إلى 15 % ثم يتراجع إلى 9 % مع نهاية عام 2026.
قيام المؤسسات المالية العالمية برفع توقعتها لأسعار الذهب هذا العام قد أثار موجة جديدة من التوجه نحو الملاذ الآمن وسحب الاستثمارات من مختلف الأسواق المالية إلى الذهب.
ورفع بنك ANZ توقعاته لسعر الذهب بنهاية العام إلى 3600 دولار للأونصة، وتوقعاته للأشهر الستة المقبلة إلى 3500 دولار من 3200 دولار، وفقًا لما ذكره البنك وأشار البنك إلى أن تزايد مخاطر الركود والتحول الجديد في المشهد الجيوسياسي واضطرابات سلاسل التوريد العالمية ومخاوف ارتفاع التضخم إلى جانب تغير توقعات أسعار الفائدة، تشير إلى أن الذهب سيبقى قويًا في المستقبل القريب.
وبحسب جولد بيليون فقد تلقى الذهب المزيد من الدعم من ضعف الدولار حيث تخلى المستثمرون عن سندات الخزانة الأمريكية وسط تزايد حالة عدم اليقين بشأن الاقتصاد الأمريكي في عهد الرئيس دونالد ترامب، لينعكس هذا بشكل إيجابي على الذهب في ظل العلاقة العكسية التي تربطه مع الدولار والطلب على السندات الحكومية الأمريكية.
وفي سياق متصل تضاعفت صادرات مصر من الذهب بنحو 9 مرات أو ما يوازي 882 % خلال أول شهرين من العام الحالي، لتسجل 2.08 مليار دولار، مقابل 212 مليون دولار خلال الفترة نفسها من العام الماضي.
وتعادل قيمة صادرات الذهب المصرية خلال يناير وفبراير الماضيين إجمالي صادراته في الأشهر التسعة الأولى من العام الماضي، ونحو 63 % من صادرات القطاع خلال العام الماضي بالكامل، والتي بلغت 3.26 مليار دولار.
وبلغت الزيادة القياسية في واردات الإمارات من الذهب المصري خلال يناير وفبراير الماضيين، إذ استوردت بمفردها منتجات بقيمة 1.85 مليار دولار، مقابل 65 مليون دولار في الفترة المقارنة من العام الماضي، بنمو 2768 %..
تلامس واردات الإمارات من الذهب المصري في أول شهرين من العام الحالي إجمالي ما استوردته من الذهب المصري في عام 2024 بالكامل، والذي بلغ 2.05 مليار دولار.
ورفعت سويسرا أيضًا وارداتها من الذهب المصري 48 % خلال يناير وفبراير الماضيين، مقابل 145 مليون دولار في الفترة المقارنة من 2024، وفقًا للوثيقة.
صدرت مصر منتجاتها من المشغولات الذهبية والذهب الخام إلى 26 دولة خلال يناير وفبراير الماضيين، لكن دولتين فقط هما الإمارات وسويسرا استحوذتا على 99.4 % من إجمالي الصادرات، بواقع 89 % للأولى و10 % للثانية، بحسب بيانات الوثيقة.
تضم قائمة الدول الأعلى استيرادًا للذهب المصري تركيا، والتي جاءت في المركز الثالث بعد الإمارات وسويسرا بقيمة واردات 6 ملايين دولار، وكندا (1.7 مليون دولار)، ولبنان (1.4 مليون دولار).
نقلا عن الجريدة العقارية